بين “تسقط بس” و”تقعد بس”.. مبادرة للحوار بين النظام والمحتجين بالسودان

516 ‎مشاهدات Leave a comment
بين “تسقط بس” و”تقعد بس”.. مبادرة للحوار بين النظام والمحتجين بالسودان

أحمد فضل-الخرطوم

بينما تقترب الاحتجاجات من دخول شهرها الثالث، لا يجد الرئيس السوداني عمر البشير سوى أن يقدم بعض المراجعات لتركة ثلاثين عاما من حكمه، لكن الشارع يبدو أنه غير آبه لما يظنه رِشى للتهدئة.
 
وما بين خيار التنحي الذي يرفعه المحتجون بشعارهم المحبب “تسقط بس”، وخيار البقاء الذي يرد به الموالون بشعار “تقعد بس”، ينحت حزب المؤتمر الشعبي خيارا ثالثا كمن يصلح رمانة على قضيب ميزان معطوب.
 
والمؤتمر الشعبي الذي أسسه الراحل حسن الترابي حزب مشارك في حكومة الوفاق الوطني، لكن أعضاءه ينشطون بشكل لافت في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
 
وعلى تباعد مواقف الحكومة والمحتجين، يقول القيادي في المؤتمر الشعبي وعضو مجلس الولايات تاج الدين بانقا للجزيرة نت إن لجنة في حزبه تعمل الآن على بلورة مبادرة تقوم على خيار ثالث بين “تسقط بس” و”تقعد بس”.

وبحسب بانقا، فإن الطرفين (الحكومة والمحتجين) تغيب بينهما أي لغة مشتركة، بل لا توجد معرفة أصلا، لأن شباب الاحتجاجات مولود جديد في المشهد السوداني، مما يستدعي وجود طرف ثالث لمصلحة الحوار.

سقوف الشباب
في المقابل تقول مجموعة شبابية منخرطة في الاحتجاجات بضاحية شمبات في الخرطوم بحري، إن ما تقدمه الحكومة الآن غير كافٍ لوقف الاحتجاجات.

ويقول أحد هؤلاء الشباب للجزيرة نت “لقد أعادوا فتح شارع النيل أمامنا، لكن حاليا الأفضل لنا تلبية دعوات تجمع المهنيين للاشتراك في المظاهرات المسائية أو مواكب التنحي وسط الخرطوم.. قانون النظام العام مجرد عرض لمرض يجب علاجه بذهاب النظام”.

ومساء الأربعاء الماضي بدا الرئيس البشير في لقاء مع الصحفيين وهو أكثر تصالحا باستعداده للحوار وبكيله انتقادات لتطبيق قانون النظام العام حيث أمر بمراجعته.

وقبلها لدى زيارته مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، صوّب البشير سهامه أيضا على البنوك قائلا إنها لا تطبق النظام الإسلامي لأنها تجني فوائد كبيرة من صيغة المرابحة لدى تمويلها مشروعات الشباب.

وحتى لدى ترؤسه الخميس اجتماع اللجنة العليا لمتابعة إنفاذ مخرجات الحوار الوطني، ابتعد عن مهاجمة المحتجين وعاب عليهم أن قادتهم غير معروفين وليس لهم أجسام حقيقية يمكن الرجوع إليها.

البشير أثناء استقباله صحفيين في القصر الرئاسي (الصحافة السودانية)

لغة تصالحية
ولا يرى تاج الدين بانقا فيما تقدمه الحكومة حتى الآن أي معالجات سواء كانت سياسية أو اقتصادية، لكنه يعتبر لغة الرئيس التصالحية مؤشرا على إمكانية استماعه لأي مبادرة جادة.

وينفي أن يكون ما طرحه أساتذة جامعة الخرطوم أو تيار المستقبل بقيادة البروفيسور مصطفى إدريس مبادرات للحل، لأنها أحادية تطلب تنحي الرئيس وتشكيل حكومة انتقالية وبرنامج انتقالي يمكن تبنيه لاحقا، حسب قوله.

لكن الشفيع أحمد محمد -وهو أبرز دعاة الإصلاح في حزب المؤتمر الوطني الحاكم- عاد أمس الجمعة بتسجيل صوتي قال فيه إن الشباب لن يقبلوا من السلطة سوى تنحي البشير وتشكيل حكومة انتقالية.

وشدد الشفيع على أن الاحتجاجات لن تتوقف ولن تجدي معها وعود الحكومة، لأن السلطة أطلقت نفس الوعود لسنوات طويلة دون أن توفي بها.

وعود الحكومة
وزادت أجواء الاحتجاجات من خضوع خطاب السلطة للتشريح والمقارنات من قبل مناوئيها وجعلها ذلك “كمن تأكل صنما من عجوة”، وهي تعد بمراجعة ما كانت تعتبره من الثوابت.

وبث ناشطون خطابا قديما للبشير وهو يمتدح ثورات الربيع العربي؛ للرد على حديث أدلى به والرئيس المصري إلى جواره في القاهرة أواخر يناير/كانون الثاني الماضي عندما حذر من محاولة استنساخ “ما يسمى الربيع العربي” في السودان.

وإثر إقرار الرئيس أن ثمة غبنا بين الشباب بسبب قانون النظام العام، ذكره الناشطون بتوجيهاته للشرطة لدى افتتاح مسجد بالخرطوم في أغسطس/آب 2010 بحظر “الشيشة”.

وأعادوا بث خطاب جماهيري له قبل تسع سنوات أمر فيه بوقف تحقيق وزارة العدل في ملابسات فيديو يظهر جلد فتاة بأحد أقسام الشرطة في أم درمان.

وحتى وصف البشير قبل أيام لصيغة المرابحة الإسلامية التي تعمل بها البنوك بأنها أسوأ من الربا، سبق أن قاله قبل أكثر من عشر سنوات لدى حضوره زيجات جماعية في ولاية سنار.

تجارب سابقة
ويتبدى إصرار المحتجين في مظاهرات الخميس بعد أن ظنت السلطات أن الاحتجاجات انحسرت، فخرجت لتقر بأن المحتجين شباب لديهم قضية، وتناست اتهاماتها السابقة للشيوعيين والحركات المسلحة بتدبير المظاهرات.

ويروي “ضرار” -وهو تاجر في السوق العربي وسط الخرطوم- كيف أصيب هو والمحتجون بالدهشة قبيل الساعة الثانية من ظهر الخميس “كانوا مثل خلايا النمل يتجمعون في صمت، ثم فجأة يعلو هتافهم قرب شاحنات الشرطة.. حرية سلام وعدالة.. الثورة خيار الشعب”.

جزرا ومدا ثبتت الحركة الاحتجاجية في الشارع لأكثر من خمسين يوما عبر ابتداع صيغ جديدة، ومع اتساعها في العاصمة الخرطوم والولايات، تظهر السلطة الآن أكثر قابلية للتنازل.

في تونس استمرت ثورة الشارع عشرين يوما، وفي مصر 17 يوما، وكان كل من زين العابدين بن علي ومحمد حسني مبارك يواليان التنازل في كل صباح مقابل مغادرة الثوار للميادين، وفي آخر المطاف هرب رئيس وتنحى آخر عام 2011.

وبعد ثماني سنوات في السودان، احتجاجات تقترب من إكمال الشهرين وسلطة توالي التنازلات للمحتجين، فأي مصير ينتظر الرئيس البشير؟

المصدر : الجزيرة