أحمد سمير-القاهرة
هُناك خارج زحام المدينة وصخبها، حيث أهل الريف والبادية، تتنفس رائحة تراث الأجداد، والحياة البسيطة الغنية بالعادات والتقاليد، التي يُجاهد الأحفاد للحفاظ عليها رغم تطور الحياة.
من هذه الأشياء التي ما زال لها مكان ومكانة في حياتهم اليومية، الأكلات التراثية الممتدة في عُمر كل قرية ونجع في محافظات مصر.
ورغم ثراء المطبخ المصري فإن بعض أطباقه لن تجدها إلا في أماكن محددة، وذلك لطبيعة هذه الأطباق ومكوناتها والثقافة الغذائية لصُناعه ومستهلكيه، فالمطبخ النوبي مثلا يختلف عن المطبخ الريفي أو الصعيدي.
هذا ما رصده مؤسس مشروع “يدوية” أسامة غزالي أثناء رحلته في مدن وقرى مصر لجمع وتوثيق الحرف والصناعات اليدوية ووضعها في أطلس خاص بها، كما قرر أن يدون أسماء الأكلات التراثية التي قابلها وأماكن طهيها.
أكلة الشلولو (الجزيرة) |
موروث ثقافي
يقول غزالي في حديث للجزيرة نت عن فكرة جمع الأكلات التراثية إنها بدأت أثناء جولته في محافظات مصر من أجل تصميم أطلس الحرف اليدوية التراثية، حيث وجد في كل مدينة وقرية ونجع طبقا لم يسمع عنه أو يتذوقه من قبل، “لذلك قررت أن أحفظ وأدوّن كل أكلة أقابلها ومكان طهيها، خاصة أنني أخشى عليها الاندثار أو الانتساب إلى بلاد أخرى”.
كما يسعى إلى رسم خريطة بسيطة للأكلات التراثية في مصر، تكون حافزاً للمتخصصين في دراسة هذا النوع من التراث إلى توثيقه بشكل جاد، لا سيما أنه لا يوجد كتاب عن الأكلات التراثية المصرية حتى الآن.
150 أكلة تراثية
“رغم عدم تخصصي في دراسة التراث الغذائي فإنني وجدت أن لكل مكان أكلة تعبّر عن بيئته وعن ثقافة ناسه”، كما قال غزالي الذي يضيف أنه “يوجد نحو 150 أكلة تراثية موزعة في 11 منطقة بمصر، هي مرسى مطروح والإسكندرية ودمياط والدلتا ومدن قناة السويس وسيناء وجنوب البحر الأحمر والقصير وواحة سيوة والصعيد والنوبة”.
ومن هذه الأكلات التي ينصح غزالي بتناولها لتعيش أجواء بيئة أصحابها حتى لمرة واحدة، هذه الأطباق:
“المخمخ” من سيوة، وهو طبق بسيط يُعد من نبات ينمو وسط الحقول الزراعية بالواحة، ويطهى بنفس طريقة الملوخية، ويضاف إليه لحم الضأن.
“اللصيمة” من سيناء، ويتم تحضيره من البطيخ الصغير والطماطم والباذنجان والفلفل الأخضر الذي يقطع إلى قطع صغيرة، مع قرص العجين (اللبة) المخبوز في الجمر، ويقطع قطعا صغيراً أيضاً، وتخلط المكونات جميعها معاً ويضاف إليها زيت الزيتون.
قهوة الجَبنة، وتُجهز من بُنّ أخضر يُحمّص على الحطب في إناء فخاري صغير، وتضاف إليه النكهات من القرنفل أو الحبهان حسب الرغبة، وبعد ذلك يوضع مع الماء في إبريق رفيع من الألمنيوم يُعرف باسم “الجَبنة”، لتطبخ القهوة على نار الحطب، ثم تقدم في أكواب صغيرة كمشروب.
السلاة من حلايب، ويُعدّ من قطع لحم الضأن التي تطهى على أحجار البازلت الموقدة بنار الحطب.
الشلولو من الصعيد، وهو طبق لا يختلف في طريقة طهيه عن طبق الملوخية، غير أنه يطهى بماء بارد، فمكوناته ملوخية مجففة وثوم وبصل وليمون وتوابل، وتُقلب جيداً في ماء بارد، وتُؤكل بالعيش أو الأرز. وأصل التسمية يعود إلى تكوينها للخيوط الرفيعة أثناء أكلها.
الكبابي من الدلتا، وهي أكلة مرتبطة بالمواسم والأعياد، مكونة من عجينة الأرز المنقوع في الماء والمضاف إليه البصل والشبت والبقدونس، ثم يضرب جيداً في الخلاط، ويشكل العجين على شكل كرات محشوة باللحم أو البصل والطماطم، وتقلى في الزيت.
خبز”الدوكة” من النوبة، وهو أشبه بالقطايف، فهو يُخبز من عجينة غير مخمرة، مكونة من الدقيق والماء وقليل من الملح. ويصب العجين على قرص من الحديد يُعرف باسم “الدوكة” موضوع على النار، وعندما ينضج العجين يُقلب على الوجه الآخر.
ومن الأكلات التراثية التي ذكرها غزالي، حلوى المشبك في دمياط، والسريديا، والسرومباء المستخرج من المحار في السويس، والمكمورة والشاي المزرود في مرسى مطروح، وكفتة وكباب السمك في القصير.
التعليم والبيئة
من جانبها ترى الدكتورة نجوى محمود الشايب في كتابها “ديناميت تغير التراث الشعبي في المجتمع المصري.. دراسة لعادات الطعام وآداب المائدة”، أن “التعليم والبيئة لهما أثر كبير في تشكيل الثقافة الغذائية لدى الفرد أو أبناء الثقافة الواحدة كالريف أو المدينة، بجانب الظروف الاقتصادية”.
وترى الدكتورة نجوى أن استمرار بعض الأكلات التراثية مرتبط بقوة العادات في المجتمع والجوانب الدينية والمرأة التي تحافظ على إرث الأجداد، وهو ما يؤكده غزالي الذي أشار إلى أن “جميع الأكلات التي شاهدها وتذوقها في رحلته داخل مصر، وجد أنها مرتبطة بمواسم لها طابع خاص في كل بيئة زارها، كموسم حصاد المحصول أو مواسم الموالد والاحتفالات الدينية”.
ويضيف أن أسلوب وطريقة إعداد الطعام ونوعه مرتبط بالمكان أيضاً، فالمقيم في الصحراء له تراث يختلف عن المقيم في الريف، وكذلك من يعيش في المدينة، وهذا له علاقة بالشكل الاقتصادي والاجتماعي لكل مجتمع من هذه المجتمعات.
المصدر : الجزيرة