لوموند: حميدتي.. الجنرال الدموي الذي أراد أن يكون ملكا للسودان

924 views Leave a comment
لوموند: حميدتي.. الجنرال الدموي الذي أراد أن يكون ملكا للسودان

قالت صحيفة لوموند إن العنف الذي واجه المعتصمين المطالبين بالديمقراطية وهم نائمون أمام مقر الجيش السوداني فجر الثالث من يونيو/حزيران يناسب تماما شخصا أسس حياته وبنى صعوده على العنف، ألا وهو الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” قائد قوات الدعم السريع والرجل الثاني في المجلس العسكري الانتقالي.
 
وفي مقال لمراسل الصحيفة الجهوي في جوهانسبرغ، وصف جان فيليب ريمي أحداث فض اعتصام القيادة انطلاقا من عدد من الفيديوهات التي استطاع الوصول إليها، موضحا أن كل ما كان في الساحة من بشر نائمين وخيام تم جرفه في غضون ساعات قليلة.

وفي مقاطع الفيديو رأى المراسل إطلاق النار على الشباب العاجزين وضربهم بعنف، ورأى كيف بترت ساق أحدهم وكيف انهار آخر، وأشار إلى اغتصاب شابات، وإلقاء الجثث في النيل، موضحا أن أكثر من 150 شخصا قد قتلوا.

ونبه المراسل إلى أن قوات الدعم السريع لديها سوابق ربما تكون أخطر من هذه الحادثة، ولكنها كانت تحدث بعيدا في دارفور أو كردفان أو على الحدود دون شهود، أما هذه المرة فإن حميدتي لم يعد يكتفي بأن يكون صانع الملوك بل يريد أن يكون هو نفسه ملكا بالتأكيد.

نظرة الذئب
وشبه المراسل دخول قوات حميدتي بشاحناتها المسلحة بالمدافع إلى شوارع الخرطوم بدخول قائد من المخربين إلى روما مع جنوده، وقال إن الخرطوم أبت إلا أن ترى في حميدتي تاجر الجمال السابق، متغاضية أو غير مدركة لقبضة السيسي الحديدية تحت خوذته الزاهية.

ولكن بعد التدقيق -يقول المراسل- أدركت الخرطوم أخيرا نظرة الذئب الخفية في عيني زعيم المليشيا الذي بدأ يفرض نفسه على رأس البلاد بعد سنوات عدة من الاستعداد كما يبدو.

ومع أن أهل الخرطوم لم يكونوا يرون في حميدتي سوى بدوي ينام في الصحراء مع رفاقه المتوحشين فإن هذا الجنرال كان يعيش بينهم منذ سنوات عدة في منزله الكبير جنوب الخرطوم، وهو غني يملك الملايين ويزور عواصم الخليج، حيث لديه حلفاؤه.

وقد أصبح حميدتي هو وشقيقه من كبار مصدري الذهب في السودان عن طريق التهريب غالبا، مستعينا على ذلك بدعم عرابه القوي الرئيس السابق عمر البشير الذي اكتشف الموهبة المخبأة في شخص رجل المليشيات هذا.

بعد مذبحة الثالث من يونيو

وقال مراسل لوموند إن حميدتي -حتى مذبحة الثالث من يونيو/حزيران- استأجر شركة علاقات عامة لتغيير صورته، وهو يدفع للصحف من أجل تمجيد شخصه، كما أنه يدفع أيضا أجور الجيش، وبالتالي فهو يتحكم جزئيا في طباعة الأوراق النقدية.

وتساءل الصحفي: هل كانت المذبحة خطأ تكتيكيا؟ خاصة أن حميدتي بعدها لم يظهر علنا، وبالتالي -كما يقول كليمان ديشاييس المختص في الشأن السوداني بمجموعة الأبحاث “نوريا”- “ذهبت أشهر من الجهود والاتصال السياسي سدى، وعاد إلى المربع الأول، وهو ميدان دارفور في صورة زعيم للمليشيات”.

واستعاد المراسل صورة حميدتي قبل أسابيع عندما كانت الخرطوم كلها تنظر إليه، وعندما ظهر ضيف شرف في رمضان في استراحة صيام مرموقة في قاعة علي دينار مركز الأنشطة الثقافية بمنطقة دارفور، ثم عندما كان يجلس على كرسي بجانب الملحق الأميركي والسفير السعودي.

كان حميدتي إذًا في قلب كل ما كان يحدث في العاصمة، ويقول مصدر دبلوماسي “إنه يستقبل عشرين شخصا يوميا”، ويقول أحد كبار أعضاء فريقه الصحفي في القصر الرئاسي إنه “ينام ساعتين أو ثلاث ساعات فقط في اليوم”، ويدرس طلبات إجراء المقابلات ويصر على طرح الأسئلة مسبقا.

حرق وقتل ونهب

وعرج المراسل على رحلة صعود هذا الشاب الذي نشأ بعيدا في دارفور من عائلة من الرزيقات تشادية الأصل كانت تمتهن رعي الجمال، وهو ابن عم لرجل آخر من نفس القبيلة اشتهر في دارفور هو موسى هلال الذي كلفته سلطات الخرطوم بجمع عصابات “الجنجويد” بين المجموعات العربية السودانية لسحق التمرد هناك عام 2003، واشتهروا بحرق القرى والقتل والنهب.

في ذلك الوقت كان حميدتي يقود مجموعة هو أميرها، وعندما تم إيقاف التمرد ظهر الخلاف بين الجنجويد، فانقلبوا على رعاتهم في الخرطوم، وانضم حميدتي عام 2007 إلى جماعة متمردة، ثم عاد بعد فترة وجيزة ليقترب من نظام البشير.

وفي عام 2013 وبعد أن انفصل موسى هلال عن الخرطوم تم دمج مجموعات الجنجويد في وحدة جديدة هي قوات الدعم السريع التي أصبح حميدتي قائدها قبل أن يصبح جنرالا تحت وصاية الأجهزة السرية وتخضع للسيطرة المباشرة للرئاسة، كما أوضح المراسل.

وعندما تم دمج الجنجويد في قوات الدعم السريع لم يكن ذلك -حسب المراسل- لإدامة النموذج بل لتجاوزه، وقد تم تجنيد المزيد لتعزيز هذه القوات التي أصبحت لديها مهام متنوعة بشكل متزايد، فتم إرسالها لمحاربة التمرد الذي تزايدت حدته بعد انفصال جنوب السودان عام 2011 في ولايتي كردفان والنيل الأزرق.

وقد أتت فرص أخرى، حيث تم العثور على الذهب في شمال دارفور، واستقر حميدتي ورجاله في المنطقة وسحقوا منافسيهم هناك، قبل أن يستدعي النظام قوات الدعم السريع عام 2013 لإخماد أعمال الشغب في الخرطوم، ففتحوا -إلى جانب وحدات أخرى- النار على المحتجين، وسقط نحو مئتي قتيل.

وفي عام 2016، عندما أراد السودان أن يلعب ورقة القضاء على الهجرة بالنيابة عن الأوروبيين أرسل قوات الدعم السريع إلى الحدود مع ليبيا ثم إريتريا، لقتل المهربين ومنع تدفق المهاجرين، ولكنهم أيضا جعلوا من الأمر تجارة حسب تقرير معهد كلينجينديل “الأضرار المتعددة الأطراف”.

في هذه الفترة تم أيضا تدويل قوات حميدتي حين استخدمت بالفعل في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث شغل موسى عصيمة الدارفوري قيادة تمرد سيليكا وزيرا للدفاع في بانغي، وهو الآن أحد قادة قوات الدعم السريع في الخرطوم.

وفي عام 2015 ذهبت قوات الدعم السريع إلى اليمن ضمن اتفاق مع التحالف الذي تقوده السعودية ذهب بموجبه الآلاف من الرجال إلى الجبهات دون أن يكون، من ضمنهم جنود خليجيون.

التزام في ليبيا

وقال المراسل إن حميدتي -أثناء فترة صعوده في مايو/أيار الماضي- ذهب إلى الرياض في رحلة رسمية، ليضمن للسعودية دعم السودان في الحرب باليمن، وإن كان له حليفه الإقليمي الآخر الإمارات، حيث تذهب معظم صادراته من الذهب ويتزود ببعض الأسلحة.

وأشار المراسل إلى أن الخطوة التالية يمكن أن تكون بتقديم حميدتي التزاما في ليبيا، حيث تشير تقارير غير مؤكدة إلى وجود 600 رجل من قوات الدعم السريع في الجفرة جنوب سرت في قاعدة للجيش التابع للواء المتقاعد خليفة حفتر.

ورأى المراسل أن وجود هذه القوات في ليبيا -إن صح- يعني ظهور قوات جديدة شبه عسكرية بلا حدود، هي كما يقول مصدر للأمم المتحدة “ما نحتاج إليه بدلا من مجموعة الخمسة لشن حرب في الساحل ضد الجهاديين”.

المصدر : لوموند