هل تقدمت مصر حقا في مؤشر جودة المعيشة؟

527 views Leave a comment
هل تقدمت مصر حقا في مؤشر جودة المعيشة؟

عبد الله حامد-القاهرة

علقت قدم هناء في سيارة الأجرة وهي تركبها، فباتت قدم في السيارة وأخرى خارجها، في حين بدأت السيارة بالتحرك ببطء لتجر السيدة وهي تتوسل لسائقها أن يتوقف، فيما كان السائق يصرخ فيها أن تقفز سريعا، وسط ضجة وتداخل أصوات تنبيهات السيارات، وتعالي نداءات الباعة الجائلين.

ساعد الركاب هناء على استقلال السيارة، فانحشرت داخلها وهي تلقي بجسدها الممتلئ والمثقل بخمسين عاما على أقرب كرسي.

عاتبت هناء السائق فاعتذر لها بأن أمين شرطة المرور كان ينهره كي يتحرك سريعا، وإن لم يفعل فسيدفع غرامة تذهب بحصيلة أيام من العمل، ولن يوقفها سوى رشوة للأمين تذهب هي الأخرى بحصيلة اليوم “لا ترضي لي الأذى يا حاجة” قالها السائق بلهجة متوددة.

كادت هناء أن تبكي من مدى الألم الذي ألم بقدمها وهي تحكي معاناتها في ذلك اليوم الذي بدأ بتوصيل ابنتها إلى مدرستها البعيدة، ثم ذهبت لمنزل مخدومتها لتقوم بأعمال التنظيف مقابل 150 جنيها (نحو تسعة دولارات).

وبحسب تقرير اتحاد النقابات الدولي عن حقوق العاملين وانتهاكات قوانين العمل، حلت مصر ضمن أسوأ عشر دول على مستوى العالم في هذا الشأن.

تلتقط هناء أنفاسها ثم تحكي للركاب “اتصلت ابنتي وطلبت أن أذهب لآخذها من المدرسة قبل انتهاء اليوم الدراسي بثلاث ساعات، حيث لا مدرسين ولا تلاميذ، وقد ملت من الجلوس بلا جدوى”.

وتابعت هناء -وكأنما تشكو لجميع الركاب- بأنها مضطرة لإعطاء ابنتها دروسا خصوصية، و”الشغل لم يعد كما كان، فمن أين لي بمال للدروس؟”.

ويؤكد مؤشر دافوس لجودة التعليم أوائل العام الجاري أن تصنيف مصر في التعليم جاء بالمركز 122 من بين 137 دولة.


تقشف إجباري
خلال السنوات الثلاث السابقة خفض مصريون من الطبقة المتوسطة إجمالي نفقاتهم الشهرية، عقب إجراءات قاسية اتخذتها الحكومة، ومنها رفع الدعم وزيادة فواتير الكهرباء والغاز والمياه وأسعار المحروقات وخدمات النقل. 

“الناس قللوا الاستعانة بأمثالي ممن يبيعون عافيتهم لخدمة الآخرين” تقول هناء، معتبرة أن ما تقوم به من عمل أصبح بالنسبة للبعض رفاهية يمكنهم الاستغناء عنها كليا أو جزئيا، لأن ظروفهم المادية لم تعد كما كانت، ثم تدعو “كان الله في عون الجميع”.

ويوضح تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن نسبة الفقراء خلال عام 2018/2017 هي الأعلى مقارنة بالأعوام العشرين السابقة، إذ بلغت 32.5%.

تعاود هناء الشكوى من آلام قدمها، وتعبر عن خشيتها من أن تكون قد أصابها مكروه جراء جرها على الأرض، وتقول “لا طاقة لي بمزيد من العلاج”، وتشير في أسى إلى ارتفاع أسعار المستشفيات الخاصة، بينما العامة منها “لا يمكن لعاقل سليم أن يدخلها بقدمه” بحسب وصفها.

يواسيها جارها في السيارة “الجميع لم يعد كما كان قبل أعوام”، مشيرا إلى أنه بات يترك سيارته ليستقل المواصلات العامة توفيرا للنفقات بعد رفع سعر البنزين.


تناقض البيانات والحقائق
من المعتاد مطالعة مثل هذه المظاهر لتبادل الشكوى في المواصلات العامة بمصر، وينتهي تبادل الأنات أحيانا بالدعاء على من كان السبب في التدهور، وبعضهم يعلق الأزمة في رقبة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويتفق الكثيرون على وصف مختصر لمستوى المعيشة بأنها أمست “زفت” بالتعبير المصري عن أسوأ حال معيشي ممكن.

هذا الوصف يناقض ما اعتادت وسائل إعلام محلية إعلانه من مؤشرات للتحسن المعيشي وزيادة في نسب النمو مثلما نقلت وسائل إعلام محلية قبل أيام أن مصر حلت خامسة عربيا، و75 عالميا في ترتيب جودة المعيشة، بعد الإمارات ثم السعودية والمغرب وسلطنة عمان.

واحتفت وسائل الإعلام بالنتائج، وأتت بمعلقين يوضحون الأسباب، لكن بالعودة للموقع الأجنبي الذي استندت إليه (U.S. News & World Report) كانت المفاجأة في أنها أغفلت ذكر قطر التي حلت ثانية قبل السعودية، كما أغفلت تونس التي كانت هي الخامسة وليست مصر التي حلت في المركز السابع.

 
بدوره، يقول رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر) مصطفى خضري إنه بالنظر إلى نتائج دراسة مستوى المعيشة فإن مصر تقع في المرتبة 75 من إجمالي 80 دولة شملها الاستطلاع، أي أنها تقع في أسفل سلم جودة الحياة، ولا يعقبها في الترتيب سوى 5 دول غير مستقرة بسبب الحروب أو العقوبات الدولية كإيران والعراق. 

وسبق ترتيب مصر في هذا التقرير كثير من دول العالم الثالث مثل غانا وتنزانيا وبنما ولتوانيا ولاتفيا والفلبين وفيتنام.

وبالنظر إلى منهجية الدراسة، قال خضري إنها تعتمد على 75 عاملا لتقييم جودة المعيشة، مثل التعليم والرعاية الصحية وتوفر السلع الأساسية والمياه الصالحة للشرب، وعلى هذا فنتائج التقرير تشير إلى تدني مستويات المعيشة في مصر بدرجة كبيرة.

وتتقارب تلك النتائج مع تقرير للحالة المصرية أصدره مركز “تكامل مصر” مطلع العام الماضي، وخلص إلى تآكل مدخرات المصريين بنسبة 45% مقارنة بعام 2014، نتيجة السياسات الاقتصادية للنظام المصري، بالإضافة إلى انتقال 31% من الطبقة متوسطة الدخل إلى طبقة محدودي الدخل في آخر 5 سنوات، وذلك تبعا لمعايير الدخل التي تعتمدها الأمم المتحدة، بحسب خضري. 

وكان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قد نشر تقريره السنوي عن أهم نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2018/2017.

وأوضح التقرير أن قيمة خط الفقر للفرد في السنة في فترة 2018/2017 بلغت 8827 جنيها (551 دولارا)، في حين بلغ خط الفقر المدقع في نفس الفترة 5890 جنيها (نحو 368 دولارا).

وفي تصريحات تلفزيونية أكد النائب الأول لرئيس البنك الدولي محمود محيي الدين أنه وفقا لمؤشرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع يبلغ ستة ملايين مواطن.

وأضاف محيي الدين -الذي كان وزيرا للاستثمار في حكومة الرئيس الأسبق حسني مبارك- أن المؤشرات العالمية التي تضم مكونات أخرى ترى أن أعداد من يعانون الفقر المدقع في مصر تبلغ نحو 32 مليون مواطن، مؤكدا أن انتشال المواطنين من الفقر المدقع يتوقف على السياسات الموضوعة في هذا الصدد.

المصدر : الجزيرة,الإعلام المصري