ليبراسيون: من الشغب إلى الاحتجاج.. أفق سياسي جديد في الجزائر

725 ‎مشاهدات Leave a comment
ليبراسيون: من الشغب إلى الاحتجاج.. أفق سياسي جديد في الجزائر

على منبر صحيفة ليبراسيون الفرنسية، كتب أستاذ علم الاجتماع بجامعة ستراسبورغ سمعان لاشر مقالا تحليليا تناول فيه ما يحدث في الجزائر، مستنتجا أن التحول الحاسم قد وقع بالفعل، وهو الانتقال من أعمال الشغب إلى الاحتجاج.

وقال إن ما يحدث منذ بضعة أيام في الجزائر أمر غير مسبوق من حيث الشعور الذاتي لدى المتظاهرين، مشيرا إلى أنه يقال دائما إن “الخوف” قد هُزم وإن الجزائريين انتقلوا بين عشية وضحاها من الشعور بالقلق إلى الشجاعة البطولية.

ونبّه إلى أن استخدام السلطات عبارة الخوف من مصير سوريا هي محاولة لإعطاء التحرك بعدا جسديا يجعله لصيقا بالفرد، وينزع لبوس السياسة عن الاحتجاجات والمطالبات، وفوق ذلك يفرغ من السياسة ما يمكن أن يؤول إليها من انتقال المعاناة الخاصة إلى الساحات العامة، وهي المكان المناسب والمنصوص عليه ساعة الخروج الجماعي للجماهير.

نزع الشرعية
ويقول لاشر إن الحديث عن “الخوف” ليس إلا جهلا لأشكال لا حصر لها من المقاومة الصغرى والصدامات العنيفة بين الدولة الجزائرية ومن تعتقد أنهم “خاضعون” لها، وبالتالي فإن التحدي ليس خوفا يزال بلمسة سحرية، ولكنه عمل متواصل ببطء ولا رجعة فيه لنزع الشرعية عن قوة الأسياد وجنونهم.

واستعاد الكاتب ذكريات له عن مقابلات أجراها في الجزائر نهاية عام 2011 في ذروة “الربيع العربي”، مع العديد من الجزائريين الذين ظلوا يكررون فكرة “الشعب المتعب” بعد “العقد الأسود”.

وقال إن هذه الفكرة غالبا ما تكون مصحوبة بالحديث عن “الإرهاق”، كما لو كان الإرهاق قد أصبح حالة وجودية ملازمة للجزائريين، منبها إلى قول أحد محاوريه إن التعب الجسدي يرتبط بالتعبئة المستمرة من أجل البقاء على قيد الحياة خلال الحرب الأهلية، “لا يمكنك أن تعرف كم كان مرهقا”.

والأمر الأهم خلال هذه المقابلات -كما يقول الكاتب- أن أيا من المتحدثين لم يقل أبدا “أنا”، بل كانوا جميعا يعبرون بالضمير “نحن”، باسم مجموع السكان الذين استهدفتهم “الجماعات الإرهابية”، فهذه “نحن” نتاج تجربة قاسية تمثلت في حرب التحرير الوطني، وكأن المتحدثين يقولون ضمنيا إنهم احتاجوا إلى حربين (1954-1962 و1992-2000) ليكونوا شعبا واحدا.

أحد المحتجين يعتلي لوحة مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في إشارة منه لبوتفليقة (الجزيرة)

من الشغب إلى الاحتجاج
وبدلا من تحويل واقع بائس إلى خيال شعري مثل “الشعب يريد” وغيرها مما تستدعيه كل الشعارات المكتوبة والشفوية، فإن الجزائريين في الأيام الأخيرة صنعوا الوحدة من التعدد، أو بعبارة أخرى، بدؤوا يجربون التضامن الوطني، كما يرى الكاتب.

ويبدو للكاتب أن أولى آليات هذا الانتقال الحاسم هي التحول من أعمال الشغب إلى الاحتجاجات العامة، خاصة أن أعمال الشغب كانت لفترة طويلة هي الشكل المهيمن والدائم للاحتجاج في هذا البلد، فلا يتجاوز الأمر أعمال عنف قصيرة ضد الممتلكات أو الأشخاص الذين لديهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالسلطة المركزية.

وقال إن هذا النوع من الاحتجاج يهدف فقط إلى تدمير الممتلكات العامة والخاصة، وهو خال من أي معنى سياسي ومن أي وعي بالمصلحة العامة ومن أي إدراك لأهمية الملكية الخاصة، بل هو أسلوب يرجع أساسا إلى إغلاق أي تعبير ديمقراطي منذ استقلال الجزائر في عام 1962.

وأكد الكاتب أن أعمال الشغب تختلف عن الاحتجاج، مع أنهما شكلان من أشكال الوقوف ضد السلطة السياسية ومن أشكال التعبير الشعبي في الفضاء العام، غير أن الشغب مجرد عنف ورفع للصوت موجه من شخص إلى شخص، وثأر آني من “أولئك الذين يحتقروننا”، ومحاولة عنيفة لا تحمل عمقا سياسيا لأخذ “ما سُرق” من قبل الحكومة أو الساسة أو الجنرالات، وبالتالي فأعمال الشغب رد فعل غير منظم ومشوش وعنيف ضد أي موقف يعتبر مسيئا ومهينا.

أما الاحتجاج فهو -بحسب الكاتب- من باب الضرورة الأخلاقية التي تحتم إرجاع كل أمر إلى نصابه، وتحتم احترام حقوق الآخرين، وهو -خلافا للشغب الذي يكون انفلاتا مفاجئا- تصريح رسمي لإرادة معلنة.

أفق سياسي جديد
وعليه فإن الاحتجاج طريقة لتقديم المطالب، في حين أن الشغب هو تفريغ لغضب، والاحتجاج يهدف إلى تحميل السلطات المحلية والوطنية مسؤولية الأخطاء التي لا تغتفر وعدم الكفاءة الظاهرة، أي أنه يطالب بالمساءلة، أما الشغب فهدفه الرضا الآني.

ويرى الكاتب أن الاحتجاجات والنقد الموجه للنظام الجزائري اتخذ في الأيام الأخيرة شكل شعارات تناقلها الجميع، وتجمعت حولها كل مكونات “الشعب الموحد” في حركة تجمع كل الطبقات وجميع الأجيال معا حول قضية مشتركة، وتبني آليات للتضامن حول المطالب المحلية المتعددة.

وخلص الكاتب إلى أن الوضع الحالي في البلاد والذي يتجاوز فترة ولاية بوتفليقة الخامسة غير المقبولة -بحسب رأيه- يفتح أفقا سياسيا جديدا، وبالتالي فهو يدعو لمعالجة المسألة الدستورية أولا، وذلك بالتفكير في رفع ثلاثة تحديات أساسية، تبدأ بأفق مجتمع موحد في تنوعه، ثم المسألة الديمقراطية لإضفاء الطابع المؤسسي على النزاع، ثم المساواة المطلقة بين النساء والرجال.

المصدر : ليبيراسيون