آمال الهلالي-تونس
لم يكن وصول أول رحلة جوية مباشرة من دمشق نحو تونس بعد انقطاع سبع سنوات، المؤشر الوحيد -بحسب مراقبين- لقرب عودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا والتي قطعتها حكومة “الترويكا” وطرد السفير السوري في 2012.
ويرى متابعون أن قرار فتح تونس سفارة سوريا مسألة وقت في ظل تصريحات علنية لكل من وزير الخارجية التونسي ومستشارين برئاسة الجمهورية عن وجود مساع دبلوماسية حقيقية تقوم بها تونس لاستعادة دمشق مقعدها في الجامعة العربية قبل شهرين من انعقاد القمة العربية.
وأوضح مصدر من وزارة الخارجية التونسية وجود إجماع عربي ومساع دبلوماسية تونسية لاسترداد سوريا مقعدها المجمد منذ ديسمبر/كانون الأول 2011 في جامعة الدول العربية، والدفع بقوة نحو تسوية الملف السوري.
وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه للجزيرة نت “مثلما لدينا سفارة مفتوحة في دمشق منذ 2014 يمثلها قائم بالأعمال، فنحن نرحب أيضا بإعادة فتح السفارة السورية بتونس، لكن يبقى القرار رهين السلطات في دمشق متى أرادت ذلك”.
وكان الرئيس السابق المنصف المرزوقي قد أعلن في بيان صدر عن مؤسسة الرئاسة يوم 4 فبراير/شباط 2012 عن طرد السفير السوري بتونس، وسحب أي اعتراف بالنظام الحاكم في دمشق، داعيا الرئيس بشار الأسد للتنحي عن السلطة.
وعن عودة حركة الطيران بين تونس ودمشق، اعتبر المصدر ذاته أن قرار استئناف الرحلات بين البلدين بعد قطيعة دامت سنوات لا يمكن أن يؤخذ دون وجود ترخيص قانوني وقبله قرار سياسي من أعلى هرم في الدولة.
وأضاف “تلك رسالة من الدولة التونسية للشعب السوري الصديق والشقيق بأن تونس حريصة على أمن سوريا واستقرارها وعودتها لفضائها الطبيعي العربي”.
أول رحلة
وكانت شركة “أجنحة الشام للطيران” السورية الخاصة حطّت الخميس الماضي بمطار الحبيب بورقيبة بمحافظة المنستير (شرق) وعلى متنها 150 مسافرا، في أول رحلة مباشرة منذ سبع سنوات بين دمشق وتونس.
وأكد نشطاء من المجتمع المدني عبر شبكات التواصل الاجتماعي على كون الرحلة نتيجة “مبادرة مواطنية” تندرج في إطار “الدبلوماسية الشعبية”، سعت لها جهات تونسية وسورية لتمهيد الطريق لعودة العلاقات بين الشعبين.
ويرى كثيرون أن التحول البارز في الموقف السياسي العربي تجاه النظام السوري، والذي ظهر جليا مع إعلان كل من الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما بدمشق، قد يكون سهّل المأمورية على الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي لاستعادة زمام المبادرة الدبلوماسية وإعادة العلاقات رسميا مع سوريا.
ويؤكد القيادي في نداء تونس عبد العزيز القطي للجزيرة نت أن الرئيس التونسي سيكون له قريبا شرف إعادة سوريا للجامعة العربية، ودعوة الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة في فعالياتها.
وأوضح أن “إعادة العلاقات التونسية السورية إلى ما كانت عليه قبل الثورة أصبحت مسألة محورية وإصلاحا لخطأ ارتكب خلال فترة حكم الرئيس السابق المنصف المرزوقي نتيجة خضوع لأجندات إخوانية دون تقدير المصلحة العليا لتونس”.
وأضاف “اليوم نحن في حزب نداء تونس ندعو رسميا رئيس الجمهورية لإعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع سوريا بشكل علني وأن يستدعي الأسد لحضور القمة العربية في مارس/آذار المقبل بالتنسيق مع الجامعة العربية”.
وأكد القيادي في نداء تونس أنه كان قد التقى في 2017 الأسد ضمن وفد برلماني تونسي سافر لدمشق بهدف الضغط على الحكومة التونسية وتنشيط العلاقات بين البلدين.
ارتهان للسعودية
من جانبه، وصف الإعلامي زياد الهاني موقف الرئيس التونسي من إعادة العلاقات الكاملة مع النظام السوري عبر فتح سفارة سوريا في تونس وسفارة تونس بدمشق بالمخجل.
وتابع للجزيرة نت “مع الأسف الموقف الرسمي والقرار السيادي للدولة التونسية بات مرتهنا بيد أطراف خارجية وأساسا المملكة العربية السعودية“.
ودعا الهاني الدولة التونسية للاعتذار رسميا للجانب السوري بعد طرد سفيرها سابقا قبل اتخاذ أي قرار بعودة العلاقات.
تباين في الآراء
وتباينت ردود فعل نشطاء التواصل الاجتماعي بتونس بشأن عودة العلاقات التونسية مع النظام السوري بين مرحب ومعارض.
وكتب المحامي أحمد بن حمدان “بصراحة الكم الرهيب من الحب الذي يكنّه التوانسة -من غير المسيسين- للرئيس بشار الأسد غريب جدا”.
ووصف الإعلامي علاء زعتور تاريخ المنطقة العربية بالخيانة والميل لصالح الحكام على حساب الشعوب.
وتابع في تدوينة “المزعج هو أنهم سيجعلون من تونس التي تحتضن القمة العربية المقبلة، بكل ما يحمله المكان من رمزية باعتباره مهد الربيع العربي، فضاء سيسجله التاريخ ضمن دفتر ذاكرة الخيانات المتعددة”.
وكتب الناشط السياسي لامين البوعزيزي تدوينة غاضبة هاجم فيها بعض النشطاء الذين رفعوا صور بشار خلال استقبال أول رحلة جوية من دمشق إلى تونس.
وتابع “دماء شعب سوريا الشهيدة في رقابكم جميعا أيها الطغاة الأنذال، دماء شعب سوريا أطاحت بكل سرديات التوحش القومجية الأعرابية والإسلاموجية (وهابية وصفيونية) واليسارجية العلمانجية”.
إهانة للشعب
من جهته دان القيادي في حركة النهضة محمد بنسالم دعوات بعض الأطراف السياسية في تونس لعودة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد وفتح السفارة السورية.
وأضاف في تصريح للجزيرة نت “أن تطأ أقدام رئيس البراميل المتفجرة أرض تونس الثورة فتلك إهانة للشعب التونسي ولثورته وخيانة لدماء الشهداء الذين دفعوا حياتهم من أجل أن يتخلص الشعب من الطغاة والمستبدين وينعم بالحرية والكرامة”.
واعتبر بنسالم أنه “من حق الشعب السوري أن ينعم بالديمقراطية والحرية وأن يتخلص من النظام المجرم أبا عن جد بأساليب سلمية تماما كما بدأت الثورة قبل أن تفسدها أطراف داخلية وخارجية أعطت لبقائه شرعية رغم فظاعة المجازر التي ارتكبها”.
وأشار إلى أن هرولة بعض الأنظمة العربية، التي لا تؤمن بالديمقراطية وفي مقدمتها الإمارات لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، نابعة من خوف ورعب من أن تعصف الثورات العربية بعروشهم.
ضرورة التمهل
بدروه رأى الناشط السياسي طارق الكحلاوي أنه من الأجدى للخارجية والرئاسة أن تتمهل قبل اتخاذ أي قرار بعودة العلاقات مع النظام السوري إلى حين إعلان اتفاق رسمي بين كل أطياف الشعب السوري حكومة ومعارضة للخروج من الأزمة.
وشدد في حديثه للجزيرة نت على أن قرار الرئيس التونسي إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الجانب السوري ليس مرتبطا بإرادته، بل بإرادة أطراف خارجية متحالفة معه.
وأضاف “السبسي لم يحاول طوال الأربع سنوات من حكمه إعادة العلاقات مع النظام السوري، وبالتالي حين يقرر الآن بعد فتح الإمارات سفارتها في دمشق وبعد إعلان السعودية مساهمتها في إعمار سوريا فذلك يعني أن الأمر ليس بيده”.
وأشار الكحلاوي إلى أن ما يحسب للرئيس السابق المرزوقي في قطع العلاقات مع النظام السوري كونه نابعا من قرار سيادي مستقل دون الرضوخ لإملاءات خارجية على عكس الموقف الرسمي التونسي اليوم من عودة العلاقات.
المصدر : الجزيرة