أسماء البكوش-تونس
إنه “حنين” عنوان معرض يجمع أكثر من 40 لوحة رسمت ما بين 1987 و2018، تحمل بين طياتها بلدين عشقهما الفرحاني: تونس وطنه وهولندا بلد لجأ إليه يوم ضاق به الموطن وخاف بطش نظام استبدادي في التسعينيات.
كان الفرحاني (50 عاما) طالبا بكلية الآداب بجامعة منوبة ناشطا في الاتحاد العام التونسي للطلبة، وهو معروف بمواقفه الرافضة للدكتاتورية، ينحدر من مدينة سيدي بوزيد (وسط البلاد) ويقيم مع عائلته في مدينة الكاف (شمال غربي).
“قررت مغادرة البلاد في التسعينيات حين اكتشفت أن انتخابات عام 1989 كانت مزورة وأن التغيير والديمقراطية التي وعد بها نظام السابع من نوفمبر (في إشارة إلى نظام بن علي الذي استولى على السلطة في ذلك اليوم من عام 1987) لم تكن سوى خدعة ينوي من ورائها إلقاء القبض على كل معارضيه” يتحدث منجي الفرحاني للجزيرة نت.
الفنان منجي الفرحاني يرسم في سطح مرسمه (الجزيرة) |
مستقبل مجهول
وبحجة مساعدة والده من خلال العمل بإيطاليا في موسم جني الطماطم كما يفعل كثيرون من أقاربه واعدا إياه بالعودة مع انطلاق السنة الجامعية، لم يكن الابن قادرا على قول الحقيقة لأهله وهو العازم على الرحيل إلى مستقبل مجهول.
بحسرة يستذكر منجي الفرحاني تلك الأيام وبنصف ابتسامة ساخرة ويضيف “خوفي كان على والدي وأهلي وما يمكن أن يحدث لهما في حال جرى سجني وكان ما أردت، وصلت إلى إيطاليا لأعمل فيها ومن حسن حظي أن روما كانت تستعد لاحتضان كأس العالم وتم اتخاذ قرار بتسوية الوضعية لكل المهاجرين هناك من خلال تمكينهم من الإقامة”.
درس في روما فنون المسرح وقرر بعد ذلك مغادرتها نحو هولندا بعد أن علم أن جميع أصدقائه اعتقلوا بتونس وخاف من العودة لبلاده. أصبح لاجئا بهولندا وتزوج بهولندية وواصل دراسته، لكنه اختار هذه المرة “التنشيط الثقافي الاجتماعي” والعمل في مركز لإيواء اللاجئين.
ولاحقا اختار التفرغ للإبداع الفني وبدأ في إنتاج وتصوير الأفلام الوثائقية للتلفزيون الهولندي لينجز أول فيلم عام 2009 بعنوان “رسالة إلى أبي” وهو رد فعل مهاجر عربي مسلم بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من حملة تشويه ضد المسلمين.
حصل الفيلم على جوائز عدة منها جائزة النقاد في مهرجان روتردام عام 2010 وعرض الفيلم في تونس ضمن الأسبوع الهولندي السينمائي في 16 ديسمبر/كانون الأول 2010 بعد رفضه في أيام قرطاج السينمائي.
ومن الصدف أن تبدأ الأحداث في مدينة سيدي بوزيد ويضرم البوعزيزي النار في جسده يوم 17 ديسمبر 2010 وتبدأ ثورة في تونس والفرحاني على أرضها ضيفا هولنديا فلولا تلك الجنسية لما استطاع أن يكون في تونس.
ونظرا لارتباطاته المهنية فقد اضطر للمغادرة يوم 28 ديسمبر وبقي يتابع الأحداث في البلاد إلى أن سقط النظام يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011، وبعد ذلك بأربعة أيام هرع ذلك التونسي المهاجر عائدا إلى بلده.
الشرارة.. لحظات تاريخية
حاملا الكاميرا، حرا في قلب شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، رصد السينمائي لحظات تاريخية أنجز بها فيلم “الشرارة” وهو أول عمل وثائقي عن الثورة التونسية وحصل به على جائزة الجمهور في مهرجان روتردام.
بحسرة وأسف، يقول منجي الفرحاني إنه لم يستطع المشاركة بأفلامه في المهرجانات السينمائية التونسية رغم أنه أول من تحدث عن التعذيب في السجون من خلال فيلمه “تيماء”.
يقول الفرحاني إن مهرجان قرطاج السينمائي مسيس وقابع تحت لوبي ثقافي لا يؤمن أصلا بالحرية والثورة، تساءل كيف له أن يدعم أعمالا سينمائية كأعماله وأعمال فنانين أحرار وليسوا “معينين” على رأي أحمد فؤاد نجم.
بعيون تتقد إصرارا وبصوت جهوري صريح تحدث الفرحاني اللاجئ السياسي العائد للاستقرار في بلده منذ 2012 عن لوبيات الثقافة المناهضة للثورة ويؤكد أن البلاد في حاجة إلى مشروع ثقافي ثوري.
مشروع انخرط فيه وجاء محملا بأفكار لتطبيقها لكن التجاهل وغياب الدعم عقبات اعترضته وحاولت ثنيه غير أنه ما زال يصارع وحيدا لأنه يؤمن بأن الثورة التونسية لا يمكن أن تمحى.
لوحات منجي الفرحاني (الجزيرة) |
الثورة ملهمة وباقية
إن هذه الثورة بحسب الفرحاني انتقلت إلى فرنسا أيضا ورفعت شعاراتها هناك، ويرى أن الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل في سفارة بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هو محمد بوعزيزي آخر في المنطقة العربية، فالثورة التونسية ملهمة كل الثورات وستظل رغم كيد الكائدين.
يتواصل معرض الفرحاني في خضم الاحتفال بالذكرى الثامنة لاندلاع شرارة الثورة في مسقط رأسه سيدي بوزيد وفي المعرض نفسه يعرض الفيلم القصير “شمس غير درجين”.
ويستعد الفرحاني لإصدار روايته “مقهى العبث” وإنجاز فيلم جديد عما حدث في ثماني سنوات بعد الثورة في ليلة واحدة وبدعم مادي شخصي. ويختم الفرحاني حديثه بالقول “لن أكون فنانا معينا وسأظل حرا وسأدافع عن مشروعي الثقافي الثوري إلى النهاية”.
المصدر : الجزيرة