تحقيق مشترك للجزيرة وإنترسبت.. رغم ضمانات ترامب فالمعركة ضد تنظيم الدولة لا تزال طويلة

398 ‎مشاهدات Leave a comment
تحقيق مشترك للجزيرة وإنترسبت.. رغم ضمانات ترامب فالمعركة ضد تنظيم الدولة لا تزال طويلة

يكشف تحقيق مشترك أجرته شبكة الجزيرة وموقع إنترسبت الأميركي أنه على الرغم من تأكيدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لم يعد موجودا، فإن المعركة التي قادتها الولايات المتحدة للإطاحة بالتنظيم من آخر معقل له في شرق البلاد قد اشتدت في الأسابيع الأخيرة.

ووفقا لمصادر على الأرض، فإن عشرات المدنيين والسجناء لاقوا حتفهم وسط قتال عنيف جرى في الأيام الأخيرة بين قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة من جهة، ومقاتلي تنظيم الدولة من جهة أخرى، وذلك على إثر شن مقاتلات أميركية غارات على مناطق تابعة للتنظيم في محافظة دير الزور شرقي سوريا.

وكجزء من تلك الحملة، قصفت الطائرات الحربية الأميركية مستشفى في قرية الشعفة أواخر الشهر الماضي، مما أسفر عن مقتل المرضى وجميع العاملين في المستشفى، ومنهم عائلاتهم، حسبما ذكرت المصادر لقناة الجزيرة وإنترسبت.

وينسب التحقيق إلى أحد مقاتلي تنظيم الدولة القول إن الغارة أسفرت عن تحول المستشفى إلى كومة من الحجارة فقط وسط حفرة ضخمة.

ويشير التقرير إلى أن دبلوماسييْن أميركيين بارزين على معرفة بالقتال الذي يجري ضد تنظيم الدولة، تحدثا للجزيرة شريطة عدم الكشف عن هويتيهما، أكدا حدوث الغارة الجوية على المستشفى، غير أنهما اعتبرا أنها كانت مبررة وقانونية.

ويقول أحدهما إن مقاتلي تنظيم الدولة كانوا يطلقون النار على الأميركيين من داخل المستشفى، ويضيف أن المقاتلين كانوا يستخدمون المستشفى قاعدة يستعيدون التجمع فيها لإطلاق النار على الأميركيين، الأمر الذي يجعل المستشفى هدفا مشروعا.

واشنطن أعلنت بدء انسحاب قواتها من سوريا (رويترز)

انسحاب أميركي
ويشير التحقيق إلى أن ترامب أعلن الأربعاء عن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وأنه غرد بأن الولايات المتحدة تمكنت من إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة في سوريا، غير أن التقرير يستدرك بالقول إن الواقع في سوريا في هذا السياق يعتبر أكثر تعقيدا.

ويوضح أنه صحيح أن تنظيم الدولة -الذي سبق أن سيطر على مساحات شاسعة تمتد من سوريا إلى العراق– قد تم إضعافه بشكل كبير، لكن وزارة الدفاع الأميركية تقول إن المعركة ضد التنظيم لم تنته بعد.

ويشير التحقيق إلى أن التنظيم لا يزال يشن معارك ضارية في المناطق الواقعة تحت سيطرته ضد القوات المدعومة من الولايات المتحدة، في وقت يواجه فيه طلعات من الطائرات الحربية الأميركية.

ويضيف أن الأكثر من ذلك هو أن مقاتلي التنظيم في سوريا واثقون من أنهم لا يزالون تحت قيادة أبو بكر البغدادي، على الرغم من أن وسائل الإعلام العراقية والروسية والإيرانية كانت قد أعلنت وفاته.

وقالت مصادر متعددة إن الغارات الجوية الأخيرة في شرقي سوريا أسفرت عن قتل العشرات من عائلات أعضاء تنظيم الدولة، وكذلك من السجناء الأكراد المحتجزين لدى التنظيم.

عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية يستعرضون قوتهم في مدينة الرقة (أسوشيتد برس-أرشيف)

مفاوضات الرقة
في أكتوبر/تشرين الأول 2017 عندما بدأ تنظيم الدولة يفقد السيطرة على عاصمته الفعلية الرقة، وصفت وكالات أنباء أميركية وبريطانية عديدة المعركة هناك بأنها تجري بآخر معاقل للتنظيم، لكن على ما بدا أنها كانت إلى حد كبير منظمة منسقة كجزء تفاوضي للانسحاب من الرقة.

وقدمت الحكومة السورية حافلات لنقل مقاتلي التنظيم وعائلاتهم إلى بلدات في دير الزور، وهي محافظة تقع شرقي الحدود مع العراق كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة التنظيم.

أما الجيوب المتبقية من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة هي قرى في دير الزور على طول نهر الفرات، وهذه المناطق محاصرة إلى حد كبير من جانب قوات الحكومة السورية من جهة، والقوات الكردية من جهة أخرى.

منذ أسابيع، كانت الأسواق في هذه البلدات والقرى قاحلة، مما ترك المدنيين المحليين لا يملكون إلا القليل من الطعام. “الأمور هنا صعبة للغاية الآن”، يقول مقاتل سابق في تنظيم الدولة.

كانت الطائرات الأميركية تسقط منشورات في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في سوريا، لكن مقاتلي التنظيم والسكان في تلك المناطق كانوا يمزقون هذه المنشورات ويتركونها على جوانب الطرق.

أحد جوانب نشرة، حصل عليها معدو التحقيق، تظهر جنديا يرتدي زيا منتظرًا منتصرا على الصحراء، في حين تطير مقاتلتان نحو الأفق، ويظهر الجانب الآخر علم تنظيم الدولة ممزقا وأحد مقاتليه يلقي سلاحه وهو في حالة انهزام، ومكتوب عليه “قوات سوريا الديمقراطية قادمة”.

 

قصف أميركي على مواقع لتنظيم الدولة في سوريا (غيتي-أرشيف)

الوضع الإنساني
تفاقم الوضع الإنساني بسبب الحملة الجوية الأميركية التي استمرت من 25 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 1 ديسمبر/كانون الأول الجاري في إطار العملية التي استهدفت وادي نهر الفرات الأوسط ومنطقة الحدود العراقية السورية.

وفي بيان صحفي يوم 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري كشفت القيادة المركزية الأميركية عن تفجير مركبات مدرعة لتنظيم الدولة وطرق الإمداد ومنشآت التخزين ضمن أهداف أخرى. لكن هذه الغارات الجوية استهدفت أيضا أسواقا مفتوحة في الهواء الطلق ومناطق مدنية أخرى، وفقاً لمصادر متعددة على الأرض.

وكان الهجوم الذي وقع في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني السابق على مستشفى اليرموك في قرية الشعفة بالقرب من حاجين جزءاً من هذه العملية، الطابق الأول في المستشفى كان به مرضى، أما الطابق الثاني فكان فيه الأسرى من المقاتلين الأكراد وأطباء وعائلاتهم.

قصف المستشفى بضربة مزدوجة، تلتها قنبلة واحدة بعدها بقليل في الموقع نفسه، ووفقا لمصادر على الأرض، فقد قتل ما بين 10 إلى 45 من المدنيين.

ويعتبر القصف المتعمد للمستشفيات والمناطق المدنية أثناء النزاع المسلح انتهاكا للقانون الدولي، وبهذا الصدد قالت القيادة المركزية الأميركية إنها ملتزمة بتجنب الإصابات بين المدنيين في كل حالة من حالات القصف ضد تنظيم الدولة.

في حين قال المسؤول الأميركي إن المستشفى كان يستخدم موقعا لاجتماعات تنظيم الدولة، وإن التنظيم كان يتفاوض مع القوات الكردية لإطلاق سراح المقاتلين الأكراد مقابل فتح الطريق الرئيسي الوحيد للخروج من المنطقة والحصول على إمدادات تكفي لتسعة أشهر.

وقال مقاتل من تنظيم الدولة إن التنظيم كان يعتقد أن الولايات المتحدة لا تريد أن يتم التوصل إلى اتفاق، وبالتالي قصفت المستشفى لقتل السجناء الأكراد لإفشال التفاوض.

ولم تتمكن الجزيرة وإنترسبت من التحقق بشكل مستقل من ادعاءات المسؤول الأميركي أو المقاتل من التنظيم، وقد تهرب المسؤول الأميركي من التساؤلات عن وجود مدنيين في المستشفى، كما لم يرد المتحدث باسم وزارة الدفاع على أسئلة حول تفجير المستشفى.

تنظيم ممزق
ووفقا للتحقيق نقلا عن مصادر مطلعة، فإن تنظيم الدولة بينما كان يعاني من الهزائم في ساحة المعركة، أصبح ممزقا بفعل الصرعات الأيديولوجية داخله، وكذلك بفعل مزاعم الفساد من قبل قادته.

وقالت المصادر إن بعض علماء الدين في المدن والقرى التي يسيطر عليها التنظيم، شككوا في قيادة التنظيم وعقيدته الأيديولوجية.

وبسبب سلطتهم الدينية، مثّل هؤلاء العلماء تهديدا أكيدا لسيطرة تنظيم الدولة على المنطقة، واعترافًا بهذا التهديد، كان التنظيم يسجن عددًا من هؤلاء المنشقين في مبنى كبير جنوبي حاجين، وفقا لما ذكرته ثلاثة مصادر وثيقة الصلة به.

كما احتُجز في ذلك السجن مقاتلون أكراد تم القبض عليهم في ساحة المعركة، وطبقا لمصادر على الأرض، فقد قصفت غارة جوية أميركية السجن الشهر الماضي.

ومن بين الذين قيل إنهم قُتلوا في القصف، كان أحد المقاتلين النمساويين واسمه محمد محمود النمساوي، الذي شوهد في مقاطع فيديو يشارك في عمليات إعدام، كما قتل في الغارة يوسف سمرين، وهو أردني معروف أيضًا باسم أبو يعقوب الأردني. ورغم سجلاتهم السابقة، فإن هؤلاء الرجال أصبحوا منتقدين للتنظيم من داخله، وقتل في الغارة أيضا أعضاء سابقون رفيعو المستوى في القيادة الدينية والعسكرية للتنظيم.

ووفقاً لمصادر، فقد تم اتهام الزعماء السابقين المسجونين بالردة بسبب معارضتهم بعض ممارسات التنظيم، وسُجن آخرون بسبب اتصالهم المزعوم بالأردني أبو محمد المقدسي، الذي يعتبر أحد علماء الدين الرئيسيين للسلفية الحديثة، وهي أيديولوجية مرتبطة بمجموعات مثل القاعدة وتنظيم الدولة.

وكان المقدسي مرشدا للأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي يعتبر المؤسس لتنظيم الدولة، كما انتقد المقدسي ممارسات القتل الوحشي للغربيين غير المقاتلين وللسكان المحليين.

وقالت المصادر إن معارضة المقدسي للتنظيم ورفضه المبكر الانضمام له، على الرغم من الانفتاح الشخصي من البغدادي نفسه، تسببت في أن يصفه التنظيم بالمرتد.

واشنطن أعلنت النصر على تنظيم الدولة (رويترز)

فساد وثروات
ووفقا لثلاثة مصادر على صلة بأعضاء سابقين بالتنظيم، فإن قيادتهم عانت من شائعات حول الفساد، وقالت هذه المصادر إن البغدادي قد أخذ على الأقل اثنتي عشرة امرأة نساءً محظيات، وهذه الرواية تتطابق مع ادعاءات بأن البغدادي أبقى الأميركية كيلا مولر وعاملها كسبية قبل إعدامها عام 2015.

وحتى مع تآكل الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة، فإن زعيمه والمجموعة في دائرته كانوا يمتلكون ثروات صغيرة متراكمة من خلال تهريب النفط وعمليات الابتزاز أثناء صعود التنظيم.

ومع تفاقم الأوضاع بالنسبة للمدنيين في المدن والقرى السورية التي لا يزال يسيطر عليها التنظيم، فإن المقاتلين على ما يبدو لا يتراجعون، فهم لا يزالون يسافرون إلى المناطق المتاخمة للحدود العراقية بهدف تجميع أكبر قدر ممكن من المقاتلين، قبل أن تهاجم مناطقهم القوات الكردية أو قوات النظام السوري.

ولكن حتى مع انتشار بقايا التنظيم في الصحراء المتاخمة لسوريا والعراق، فمن غير المرجح أن تكون هذه نهايتهم، ووفقا للمحلل الأميركي بيتر بيرغن فإنه “طالما أن المنطقة تعاني من الطائفية والدكتاتورية والحكومات المنهارة، فإن تنظيم الدولة لا بد أن يعود، فالمشكلة الحقيقية في المنطقة لا تكمن في داعش وإنما في الظروف الأساسية التي أنتجته”.

المصدر : الجزيرة,إنترسبت