فادي العصا-الخليل
اعتُقل الفتى جلال شراونة وهو في السابعة عشرة من عمره، مصابا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولكن بكامل جسده، قبل أن يتحرر شابا بعد ثلاث سنوات ونصف السنة دون رجل، وبشظايا رصاص بقي أسيرا في جسده أثناء اعتقاله وبعد تحرره أيضا.
وقف شراونة أمام القبر مخاطبا رجله “أنا الشهيد الحي”، “أنا فوق الأرض وأنت شهيدة في باطنها، ولكنك سبقتني إلى الجنة”.
هدية لفلسطين
يقول شراونة للجزيرة نت “لم أقدم شيئا إذا ما نظرنا إلى الشهداء الأكرم منا جميعا، ورجلي شيء بسيط قدمته فداء لفلسطين، وهي ليست خسارة بل هي شيء مني أرجو أن تقبله فلسطين“.
ويحكي شروانة قصته التي بدأت عندما كان طالبا في المدرسة في السابعة عشرة من عمره، عندما أصيب في بلدة بيت عوا المجاورة لبلدته دير سامت جنوب غرب الخليل جنوب الضفة الغربية، جرى اعتقاله بعد إطلاق الرصاص عليه وإصابته، ودخوله في حالة إغماء كاملة.
مكث شراونة غائبا عن الوعي في مستشفى”سوروكا” ببئر السبع لثمانية أيام كاملة، استفاق بعدها، ليجد نفسه مصابا باثنتي عشرة رصاصة من النوع المتفجر استقرت في كلتا رِجليه.
شروانة يخاطب القبر الذي دفنت فيه رجله (الجزيرة نت) |
تحقيق متواصل
يردف قصته قائلا “نقلت مباشرة إلى مستشفى سجن الرملة أو ما يسميه الأسرى المشرحة، أو مقبرة الأحياء، لأنها أبعد ما تكون عن المستشفى، وتعرضت هناك لتحقيق قاس على مدار شهر كامل، ورجلاي تنزفان، رغم طلب الأطباء الدائم إعادتي إلى المستشفى، فإن المحققين كانوا يرفضون في كل مرة على مدار شهر كامل”.
وصل المحرر شراونة إلى مرحلة كاد فيها يغيب عن الوعي بسبب فقدانه كمية كبيرة من الدماء، وعدم شعوره برجله اليمنى، قبل نقله مجددا إلى مستشفى “آساف هاروفيه” في مدينة اللد بالداخل الفلسطيني المحتل، وهناك اكتشف أن رجله ميتة وشرايينه متهتكة وتعرضت لإهمال طبي متعمد بسبب عدم وصول الدم إليها، وقرر الأطباء قطعها.
حقيقة أم خيال
كانت استفاقة جلال بعد منتصف الليل مختلفة تماما، برجل واحدة فقط، وتساءل في نفسه “يا الله هل أنا أحلم؟ هل هذه حقيقة أم خيال؟ ما الذي يجري؟”، ولكن لا مجيب”.
اكتشف الأسير الجريح وقتها أن لا أحد من عائلته يعلم بالذي جرى معه، وتفاجأ بهذا القرار الذي نفذ بسرعة هائلة، ليتبين أنه كان بهدف الضغط عليه في التحقيق ولإدخاله في حالة نفسية سيئة تساعدهم في التحقيق معه، لأنهم يريدون أن يقولوا للفلسطينيين إن من يقاومهم إن لم يقتل سيعيش بنصف جسد.
يصف شراونة الشاب تعامل العاملين في مستشفى سجن الرملة الذي أعيد إليه مجددا بالتعجرف والاستعلاء، و”لكن الفضل لله أولا ثم للأسرى الذين كانوا يقومون على خدمة الأسرى المرضى” الذين كانوا يعتنون بجرحه يوميا، إلى أن برئ تماما بمساندة الأسرى فقط وليس غيرهم.
شطري الآخر
عرف في وقت لاحق -يقول شروانة- أن أهله كانوا قد أجروا اتصالاتهم ليستلموا رجله المقطوعة، وقاموا بإجراءات دفن رسمية لها في مقبرة البلدة بعد تسليمها لهم.
يعتبر الشاب شروانة في حديثه للجزيرة نت أنه كان شهيدا، ولكنه عاد للحياة من جديد، فالإصابة وجدت، والغياب عن الوعي وجد، كما أن القبر وجد أيضا، ولكن “ربي اختار الأفضل، وأعتبر نفسي من الصابرين المحتسبين”. ينهي حديثه.
القصة لم تنته
توجهنا إلى إبراهيم شراونة شقيق الأسير المحرر الجريح جلال، الذي وصف حالته الصحية بالسيئة، “فما زال هناك شظايا للرصاص في جسده، وهو بحاجة إلى علاج طبي ونفسي متكامل، حتى يعود للاندماج في الحياة مرة أخرى، لأنه شاب في بداية حياته”.
وتخطط العائلة الآن لتسجيله في الجامعة، بعد أن استطاع الحصول على شهادة الثانوية العامة داخل السجن، كما يقول إبراهيم.
وبالتأكيد القصة لم تنته، فالعائلة تسعى لترتيب سفره إلى ألمانيا من أجل تركيب رجل اصطناعية، بعد وعود من الجهات الرسمية الفلسطينية بالمساعدة في كل أموره، ولكن هل سيسمح الاحتلال بسفره؟ وهل انتهى الانتقام منه من قبل المحققين؟ يتساءل شقيق المحرر شراونة عبر الجزيرة نت.
المصدر : الجزيرة