محاكمة حامي الدين بالمغرب.. سياسية أم قضائية؟

391 ‎مشاهدات Leave a comment
محاكمة حامي الدين بالمغرب.. سياسية أم قضائية؟

محمد الخلطي-الرباط

طرح قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمدينة فاس وسط المغرب بمتابعة القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين من جديد في قضية مقتل طالب يساري بداية تسعينيات القرن الماضي، تساؤلات وردود أفعال بشأن استقلالية القضاء بالمغرب ومدى تدخل جهات سياسية في عمله.

وجاءت أقوى تلك الردود المنددة بالقرار من حزب العدالة والتنمية الذي وصف في بيان رسمي -عقب اجتماع استثنائي ترأسه الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني– التطور الجديد بأنه “مس بليغ بقواعد المحاكمة العادلة وسابقة تهدد استقرار وسيادة الأحكام القضائية وتمس في العمق بالأمن القضائي”.

وعبر الحزب عن اندهاشه “الكبير لإعادة فتح ملف سبق أن صدرت في شأنه أحكام قضائية نهائية ملزمة للجميع طبقا للفصل 126 من الدستور والمادة 4 من قانون المسطرة الجنائية”، واعتبر أن قرار قاضي التحقيق يتعارض مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

ويواجه حامي الدين الذي يوصف بأنه من “الأصوات المزعجة” داخل الحزب -الذي يقود الائتلاف الحكومي- تهمة “المساهمة في القتل العمد” في القضية التي سبق للقضاء المغربي أن أصدر بشأنها أحكاما “نهائية مستوفية لجميع درجات التقاضي مكتسبة لقوة الشيء المقضي به منذ عام 1993″، بحسب البيان.

وكان وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد، قد أكد في تدوينة نشرها في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن “الأمر يتعلق بقرار لو قدر له أن يصمد أمام القضاء في مراحله المقبلة، فسيكون انقلابا في مسار العدالة بالمغرب، وسيؤسس لاجتهاد يمكن أن يؤدي إلى نشر كل القضايا التي حسمها القضاء لينظر فيها من جديد”، وذلك في موقف رافض للقرار بشكل صارم.

 حامي الدين يواجه تهمة “المساهمة في القتل العمد (التواصل الاجتماعي)

نضال مرير
وأشار الوزير المكلف بحقوق الإنسان إلى أن تكريس حقوق الإنسان والقواعد الأساسية للمحاكمة العادلة بالمغرب “يبدو أنه يحتاج إلى نضال مرير ومكابدة لا حدود لها ضد كل قوى الردة والنكوص”، في إشارة إلى أن جهات ما تقف وراء تحريك المتابعة.

وفي تعليقه على القضية، اعتبر المحلل السياسي وأستاذ القانون بجامعة سطات عبد الحفيظ اليونسي أن إعادة فتح ملف متابعة حامي الدين “محك حقيقي لممارسة السلطة القضائية استقلالها، وتهديد لمكتسبات المغرب في المجال الحقوقي والقانوني”، مشيرا إلى أن إعادة المحاكمة تدخل صريح للقضاء في “الصراع السياسي أو توظيفه من قبل بعض الأطراف داخل الدولة لمواجهة خصومها”.

ولاحظ اليونسي في تصريح للجزيرة نت أن الواقعة تمثل “تدخلا للقضاء في الصراع السياسي بين أطراف سياسية مختلفة أيديولوجيا وسياسيا”، ودعا إلى ضرورة بقاء القضاء بعيدا عن الصراعات.

وأشار المحلل السياسي إلى أن “هذه القضية سبق أن صدر فيها حكم يمتلك قوة الشيء بالشيء المقضي به، والأصل هنا أن الملف ينتهي ولا يعاد فتحه تحت أي مبرر”.

 المعطي منجب: لأول مرة يفتح ملف أغلق لما يقارب ربع قرن من الزمن وهذا القرار يمثل خرقا للقانون والأمن (الجزيرة)

خلفيات القرار
ويرى المؤرخ والمحلل السياسي المعطي منجب أنه لأول مرة في المغرب “يفتح ملف أغلق لما يقارب ربع قرن من الزمن، وهذا القرار يمثل خرقا للقانون والأمن القضائي”، وأضاف أن قضية مقتل الطالب اليساري آيت الجيد بنعيسى “كان متابعا فيها حوالي 15 شخصا إما كطرف أو شهود، والآن نلاحظ أن حامي الدين هو المتابع الوحيد في القضية”.

وأشار المؤرخ المغربي في تصريح للجزيرة نت إلى أن إعادة فتح ملف حامي الدين تمت في بداية سبتمبر/أيلول 2012 عقب تصريحاته المنتقدة للسلطة بشكل قوي حول عدم احترامها للدستور الجديد الذي اعتمده المغرب بعد ثورات الربيع العربي سنة 2011.

وتابع منجب أن استهداف السلطات لحامي الدين من خلال استدعائه يهدف إلى “معاقبته حتى تخيف جميع المنتقدين وتسكت أصواتهم”.

معطيات جديدة
في الجهة المقابلة، انتقد رئيس مؤسسة “آيت الجيد بنعيسى للحياة ومناهضة العنف” لحبيب حاجي تصريحات وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان بشأن القضية، واعتبرها تدخلا واضحا للتأثير على استقلال القضاء، وقال “الرميد هو الذي أشرف على إصلاح القضاء وهو الآن يشكك في نتائج سياسته التي أشرف عليها، ويهدد القضاء”.

وأضاف حاجي -وهو محامي دفاع ذوي حقوق عائلة آيت الجيد بنعيسى- في تصريح للجزيرة نت أن بيان حزب العدالة والتنمية “يغالط الرأي العام عندما يقول إن الملف سبق البت فيه بشكل نهائي، وهذا غير صحيح، وتهديد لا يقول به حزب يرأس الحكومة”.

وبيّن المتحدث ذاته أن إحالة الملف على محكمة الاستئناف جاءت بشكل سليم بناء على “أدلة ومعطيات جديدة” تناقض التي سبق للمحكمة النظر فيها بشأن قضية “اغتيال آيت الجيد بنعيسى”، مبرزا أنه من ناحية الشكل فـ”الوقائع التي تنظر فيها المحكمة الآن لم يسبق البت فيها، والتهمة التي يواجهها حامي الدين هي المساهمة في قتل بنعيسى الذي قضى خارج الحرم الجامعي”.

وزاد الحاجي موضحا أن المتابعة في حق حامي الدين “ثابتة وما عليه إلا أن يدافع عن نفسه، لأن الوقائع الحالية مغايرة لما سبق التصريح به”، وأكد أن “المعطيات الجديدة تبين أن بنعيسى تعرض للتصفية خارج الحرم في أحد الشوارع في الثانية بعد الزوال بدل الثانية عشرة” على يد عدد من الأشخاص ستتم متابعتهم في القضية من بينهم حامي الدين.

المصدر : الجزيرة