لماذا يسعى الكونغرس للإطاحة بـ”بن سلمان”؟.. إليك الأسباب

355 ‎مشاهدات Leave a comment
لماذا يسعى الكونغرس للإطاحة بـ”بن سلمان”؟.. إليك الأسباب

بينما تستمر قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بالتفاعل في الولايات المتحدة الأمريكية بين رئيس يحاول المماطلة والمناورة لحماية حليفه محمد بن سلمان وبين كونغرس يضغط بشدة باتجاه إدانته، تبقى عيون العالم مشدودة إلى واشنطن لمعرفة مالات الأمور. في الحقيقة، إن الكونغرس الأمريكي، الذي يمثل السلطة التشريعية في الولايات المتحدة، يملك بحكم الدستور صلاحيات واسعة في مواجهة الإدارة بما يضمن تحقيق نوع من التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في تسيير أمور البلاد وسياستها العامة سواء داخليا أو خارجيا. ولعل أهم أدوات الكونغرس في تعامله مع “القرارات المزعجة” للرئيس هو استخدام “سلاح المحفظة” أو قطع التمويل، حيث ان المصادقة على الموازنة الفدرالية هي من الاختصاصات الأصيلة للكونغرس. 

ومن الأمثلة الحديثة جدا على استخدام الكونغرس لهذا السلاح كان قبل عدة أيام عندما هدد الكونغرس بعدم التصويت على الموازنة في حال لم يسمح الرئيس لجينا هاسبل مديرة وكالة الاستخبارات المركزية بتقديم إحاطة بخصوص مقتل جمال خاشقجي أمام أعضاء من الكونغرس. ويبدو بأن هذه التهديدات قد آتت ثمارها فعلا حيث تم السماح لهاسبل بتقديم إحاطتها أمام عدد محدد من الأعضاء البارزين في الكونغرس الذين خرجوا بعدها بقناعة أكثر من أي وقت مضى بأن بن سلمان متورط في الجريمة، مما دفع  السناتور بوب كوركر، الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ للقول: “إذا مثل ولي العهد أمام هيئة محلفين فسيدان خلال 30 دقيقة”، وتابعه في ذلك العديد من الأعضاء البارزين في مجلس الشيوخ من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي لعل أبرزهم ماركو روبيو، إيد ماركي وديان فاينستاين وليندسي غراهام.

 

أكثر من ذلك، فقد شكل اللقاء الغير تقليدي الذي جمع أعضاء من الكونغرس مع مدير المخابرات التركية هاكان فيدان والذي تمحور حول عدة مواضيع على رأسها اغتيال جمال خاشقجي نقطة فاصلة تدل على جدية الكونغرس في التعاطي مع القضية ومتابعتها حتى النهاية. في الاتجاه المقابل يبدو بأن الرئيس الأمريكي وطاقم إدراته وعلى رأسهم وزيرا الخارجية والدفاع متمسكون بموقفهم الرافض لإدانة بن سلمان بذريعة المحافظة على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية المالية والاستراتيجية في الشرق الأوسط. وبين موقف الكونغرس وموقف الإدارة تبقى الأنظار مشدودة إلى واشنطن ويبقى السؤال المطروح: هل ينجح الرئيس الامريكي في التعمية على ولي العهد السعودي وطي القضية على حساب كل المبادئ والأخلاق المزعومة، أم سيجد الكونغرس طريقة لقطع الطريق على الرئيس وإجباره في لحظة ما على التخلي عن سياسته المتهورة في دعم الأمير المتهم؟

 

السبب الرئيسي لانحياز ترامب لبن سلمان هو ضغط تل أبيب التي لا تخفي دعمها لولي العهد معتبرة إياه كنزا استراتيجيا انتظرته طويلا لتحقيق تطلعاتها في المنطقة وتمرير ما يسمى بصفقة القرن

نعتقد أن الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة أبدا. فمقابل الحماسة التي يظهرها قادة الكونغرس لإدانة ومحاسبة بن سلمان، يلفت انتباهنا عنصر مهم للغاية لا يلقى كثيرا من الاهتمام والتحليل وهو الدعم الإسرائيلي الصريح لمحمد بن سلمان ودعوتها لعدم المساس باستقرار السعودية في إشارة إلى ضرورة عدم المس بولي العهد. في الحقيقة، وكما أشرنا لذلك في مقال سابق، فإننا نعتقد بأن انحياز ترامب لبن سلمان ليس سببه الخوف من تدهور العلاقات مع السعودية ولا الرغبة في الحفاظ على الصفقات المليارية التي تم توقيعها معها. فكل عارف بسيط بتفاصيل العلاقة السعودية الأمريكية يدرك أن مصالح أمريكا محفوظة ومصانة بغض النظر عن شخصيات القادة في السعودية الذين لا يملكون رفاهية معاداة الولايات المتحدة أو التهرب من أي التزام معها.  

 

السبب الرئيسي برأينا لانحياز ترامب لبن سلمان هو ضغط تل أبيب التي لا تخفي دعمها لولي العهد معتبرة إياه كنزا استراتيجيا انتظرته طويلا لتحقيق تطلعاتها في المنطقة وتمرير ما يسمى بصفقة القرن ونشر التطبيع العلني مع “إسرائيل”. لكن السؤال الجوهري هنا: إذا كان الرئيس منحازا بهذه الشدة لمصلحة إسرائيل، فهل يقف الكونغرس فعلا في الطرف الاخر من المعادلة؟

 

موقف الكونغرس هذا يبدو غريبا وليس مريحا البتة. فكل مطلع على دوائر صنع القرار الأمريكي وسلطة جماعات الضغط عليها يدرك تماما بأن الكابيتول هو المسرح الرئيسي لنفوذ إسرائيل. إن السيطرة شبه المطلقة لجماعات الضغط الموالية لإسرائيل، وعلى رأسها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة اختصارا باسم “إيباك”، على الكابيتول ليست حديثة العهد كما أن الأمثلة عليها أكثر من أن تحصى نذكر منها ما قاله السيناتور البارز بول فندلي في كتابه “من يجرؤ على الكلام” متحدثا عن قوة النفوذ الإسرائيلي في الكونغرس وفي توجيه السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط على وجه الخصوص فقال: “إن تأثير رئيس وزراء إسرائيل على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط أكبر بكثير من تأثيره في بلاده ذاتها”.

 

أما دون بيرغوس السفير الأمريكي السابق في السودان والدبلوماسي العريق فيقول بهذا الصدد: “كنا دائما في وزارة الخارجية نتندر بأنه إذا أعلن رئيس وزراء إسرائيل في يوم من الأيام بان الأرض مسطحة وليست كروية، فسيخرج الكونغرس بعدها بأربعة وعشرين ساعة ليهنئه على هذا الاكتشاف”. أما حديثا، فقد كشفت واقعة فريدة للغاية مقدار النفوذ الذي تتمتع به إسرائيل في الكونغرس عندما تآمر رئيس مجلس النواب في عهد الرئيس أوباما مع السفير الإسرائيلي في واشطن على ترتيب زيارة وخطاب لبنيمين نتنياهو أمام الكونغرس دون المرور على الرئيس أوباما ورغما عنه.

 

نهاية هذا المسار ستكون غالبا التضحية ببن سلمان بعد أن يكون قد نفذ ما طلب منه وبات بقاؤه عبئا. ما يدعم وجهة النظر هذه هو الموقف الغامض للرئيس الأمريكي الذي ترك الباب مواربا أمام احتمالية التخلي عن بن سلمان

رويترز

 

تم هذا بالفعل وألقى نتنياهو خطابه أمام الكونغرس والذي لم يقاطعه سوى موجات التصفيق الحار، مما جعل أوباما يعيش حالة حرجة وكأنه قد تعرض فعلا لانقلاب سياسي، كما وجهت هذه الحادثة رسالة مباشرة لكل من يهمه الأمر بأن إسرائيل تسيطر سيطرة شبه مطلقة على الكابيتول هيل. هذا وعلى الرغم من اعترافنا بوجود بعض الاستثناءات غير المؤيدة لإسرائيل في الكونغرس، إلا أنها تمثل نسبة ضئيلة جدا وغير فعالة. بناء على ما سبق، فإن توحد قادة الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين خلف قضية معينة كقضية خاشقجي في مواجهة الرغبة الإسرائيلية الصريحة يعتبر أمرا خارجا عن المألوف ويستدعي بالتأكيد الوقوف عنده وتحليله. فما هي يا ترى أبعاد وأهداف وقوف قادة الكونغرس في مواجهة مصالح إسرائيل بخصوص قضية خاشقجي؟

 

نعتقد بأن هناك احتمالان:

الأول: إما أن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن لم يمارس نفوذه على أعضاء الكونغرس لتبنى الموقف الإسرائيلي الداعم لبن سلمان. فالجماعات الموالية لإسرائيل قد تقرر عدم إقحام نفسها وراء هذه القضية التي قد تبدو خاسرة خاصة لجهة امتلاك دولة أخرى وهي تركيا للأدلة الجنائية التي قد يؤدي نشرها رسميا إلى إثارة الرأي العام العالمي. إلا أن المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل في بقاء محمد بن سلمان تضعف من هذا الاحتمال وتقود إلى الاحتمال الثاني التالي.

 

ثانيا: قد تكون إيباك، باعتبارها صاحبة نفوذ هائل على الرئيس وعلى الكونغرس في الوقت عينه، قد اختارت شراء الوقت وإيجاد حالة من التوازن بين هاتين الجهتين. فبينما يلعب الرئيس الأمريكي دور المحامي يقوم الكونغرس بلعب دور الفزاعة. بذلك تضمن إيباك بأن هذه “المعركة” بين الإدارة والكونغرس ستأخذ وقتا. هذا الوقت سيمثل بالنسبة لإسرائيل فرصة ذهبية لاستغلال الموقف الضعيف للأمير محمد بن سلمان المحصور بين المطرقة والسندان من أجل دفعه للتنفيذ السريع لكل ما يطلب منه بخصوص ملفات المنطقة، وهذا ما بتنا نشهده اليوم من تسارع غير مسبوق في خطى التقارب بين العديد من الأنظمة العربية والإسلامية مع إسرائيل مع وجود بصمات واضحة للرياض في هذه التقاربات.

 

هذا يبدو الاحتمال الأقرب لتفسير موقف الكونغرس. نهاية هذا المسار ستكون غالبا التضحية ببن سلمان بعد أن يكون قد نفذ ما طلب منه وبات بقاؤه عبئا. ما يدعم وجهة النظر هذه هو الموقف الغامض للرئيس الأمريكي الذي ترك الباب مواربا أمام احتمالية التخلي عن بن سلمان متى كان ذلك ضروريا.