كاجو تنزانيا وبطاطس مصر.. عندما يتدخل الرؤساء

680 views Leave a comment
كاجو تنزانيا وبطاطس مصر.. عندما يتدخل الرؤساء

مجدي مصطفى

تصعب المقارنة بين ثمرة البطاطا أو البطاطس كما يطلق عليها المصريون، ونبات الكاجو، فالأولى درنة تنتمي إلى فصيلة الباذنجانيات، والثانية تنتمي إلى فصيلة البلاذرية، الأولى تنمو في باطن الأرض، والثانية على أغصان شجرة دائمة الخضرة.   

الأولى يطلق عليها البسطاء في مصر “تفاح الغلابة”، والثانية يطلق عليها “فاكهة السنة” لأنها لا تنبت إلا مرة في العام، ورغم ذلك تجد لها العديد من التسميات في المعجمات العربية مثل “ثمر الفؤاد”، و”حب النهم” و” ثمر الفهم” و “حب القلب”.

البطاطس غذاء شبه رئيسي في معظم أنحاء العالم وتنتشر زراعتها في أنحاء المعمورة، وتحتل المرتبة الرابعة في منظومة غذاء البشر بعد القمح والأرز والذرة.

أما زراعة الكاجو فتبدو محدودة وقاصرة على عدد قليل من دول العالم مقارنة بالبطاطس، كما أن استهلاكها يعتبر كماليا مقارنة بالبطاطس، حيث تستهلك الكاجو ضمن المكسرات وصناعة الحلوى ويستخدم زيتها في الصناعات التجميلية.

ورغم هذا الاختلاف فإن السياسة جمعت الاثنتين في مشهدين سياسيين متزامنين وبالغي الندرة، وفرضتا نفسيهما حديثا للساعة على أعلى قمة الهرم السياسي في دولتين أفريقيتين يجمعهما حوض النيل هما تنزانيا ومصر، حيث تصدر الكاجو في الأولى، والبطاطس في الثانية.

تنزانيا تحتل المرتبة الثامنة بين دول العالم المصدرة للكاجو (رويترز)

كاجو تنزانيا

تعتمد تنزانيا الواقعة شرق أفريقيا في اقتصادها على الزراعة التي تساهم بنحو 85% من قيمة الصادرات، و يشتغل بها أكثر من 80% من السكان البالغ عددهم نحو 47 مليون نسمة.

ويعد الكاجو أهم محصول زراعي تصدره تنزانيا التي تحتل المرتبة الثامنة بين الدول المصدرة للكاجو في العالم، لكن قبل أسابيع اندلعت أزمة بين الفلاحين والتجار، حيث يرفض المزارعون حصد المحصول وبيعه مقابل الأسعار الزهيدة التي يعرضها التجار.

ودفع انخفاض الأسعار المزارعين إلى وقف المبيعات قائلين إن النفقات الملقاة على عاتقهم أعلى من السعر المعروض للمنتج.

لم يقف الرئيس التنزاني جون ماغوفولي مكتوف الأيدي تجاه تلك الأزمة وتدخل قبل أسبوع منحازا للطرف الأضعف فيها وهم المزارعون، حيث أقال كلا من وزير الزراعة، وحل الهيئة المعنية بالقطاع “مجلس الكاجو التنزاني” بسبب خلاف على سعر هذا النوع من المكسرات.

وأمهل ماغوفولى التجار لشراء المحصول من المزارعين بالسعر الذى حدده هو
(1.3 دولار للكيلو غرام)، و”إلا فسيرسل شاحنات الجيش الخاصة لجمع المحصول، وبيعه للحكومة، التي ستتولى بدورها الإشراف على تصديره للخارج”.

وأمر ماجوفولي الشهر الماضي بزيادة نسبتها 94% في أسعار الكاجو خلال المزادات التي تنظمها هيئة تنظيم الصناعة وأقال رئيسها، في خطوات قال إنها تهدف إلى حماية المزارعين من انخفاض الأسعار على نحو لا يمكن أن يستمر. 

السلطات المصرية آثرت الخيار الأمني في التعامل مع أزمة البطاطس (رويترز)

بطاطس مصر

تزامنت أزمة الكاجو في تنزانيا مع أزمة البطاطس في مصر، فلم تكد أزمة الطماطم تنتهي هناك حتى وجد المصريون أنفسهم أمام أزمة جديدة تفوقها حدة، قفزت بسعر البطاطس ثلاثة أضعاف، لتضيف عبئا معيشيا جديدا إلى قائمة الأعباء التي ترهق كاهل البسطاء. 

وبدلا من الإقرار بالأسباب التي أدت إلى تفاقم الأزمة فضلت السلطات المصرية المعالجة الأمنية لها عبر الاستيلاء على المنتج من حائزيه وبيعه بسعر منخفض في منافذ الشرطة وبقية المنافذ الحكومية. 

وأقامت الشرطة بمنافذ متنقلة في الشوارع والميادين لعرض ما استولت عليه من بطاطس التجار بأسعار مخفضة، واحتشد المصريون أمام المنافذ في الميادين الرئيسية بالقاهرة في طوابير امتدت لعشرات الأمتار لشراء البطاطس.

وبدلا من أن ينحاز الرئيس عبد الفتاح السيسي للفقراء والبسطاء أخذ يعيرهم
بـ”البطاطس” في المنتدى الدولي الثاني للشباب الذي كلف مصر عشرات الملايين من الجنيهات بهدف الدعاية لشخص السيسي الذي لم يتردد في مخاطبة المصريين بعبارة “حدية تخييرية” بين الوطن وبين البطاطس قائلا “عاوزين تبنوا بلادكم ونبقوا دولة ذات قيمة أم تبحثون عن البطاطس”.

بين الدكتور والجنرال
يستدعي موقف ماغوفولى من الكاجو في تنزانيا و موقف السيسي من البطاطس في مصر المقارنة بين الرجلين، فالأول يحمل دكتوراه في الكيمياء وجاء من حزب عريق في السياسة يحكم منذ أكثر من نصف قرن.

وتنزانيا، التي انتخب ماغوفولى رئيسا لها في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 تعد واحدة من أكثر الديمقراطيات استقرارا بين الدول الأفريقية جنوب الصحراء، وأجرت منذ عام 1995 خمس انتخابات متعددة الأحزاب اتسمت بالسلمية فاز فيها جميعا الحزب الحاكم.

وماغوفولي، الذي يطلق عليه الشعب التنزاني لقب “تينكا تينكا”، أي “البولدوزر” لمحاربته الفساد ولسجله النظيف عندما كان وزيرا للأشغال العامة، كثيرا ما اشتهر بزياراته المفاجئة لمواقع تشييد الطرق للكشف الفساد.

بدأ ماغوفولي حياته العملية مدرسا للمرحلة الثانوية في بلاده، وقدم إلى الحكم من خلال انتخابات حرة.

وبعد حوالي شهرين من انتخابه رئيسا شوهد وهو يشارك في جمع القمامة أمام مقر الرئاسة في العاصمة دار السلام، بعد أن أمر بإلغاء احتفالات عيد الاستقلال كإجراء تقشفي وجعله يوما وطنيا للنظافة.

استهل ماغوفولي حكمه بإقالة عشرة آلاف موظف بسبب التزوير، بينهم مسؤولون بارزون مثل رئيس جهاز مكافحة الفساد، ورئيس مصلحة الضرائب، ومسؤول بارز في السكة الحديدية ورئيس هيئة الموانئ.

خفض عدد الوزراء من 30 وزيرا إلى 19 فقط، وألغى الكثير من مناصب نواب الوزراء ومديري بعض المؤسسات، وطلب من جميع الوزراء الكشف عن ممتلكاتهم وثرواتهم، وهدد بإقالة أي وزير لم يكشف عن حسابه أو يرفض التوقيع على التعهد بالنزاهة.

كما منع سفر الوزراء في مهمات خارج البلاد سوى للضرورة القصوى وبالدرجة السياحية العادية وليس درجة رجال الأعمال. وجمع جميع سيارات الدفع الرباعي الخاصة بالمسؤولين في الحكومة وباعها في مزاد علني وعوضهم بسيارات تويوتا.  وأمر باسترداد مصانع القطاع العام المخصخصة التي أغلقها المستثمرون، وعددها 193 مصنعا.

وألغى الاحتفالات الرسمية السنوية وحول ملايين الدولارات المخصصة لها لتحسين وضع المستشفيات والمدارس ومد الطرق. كما شن حملة على التهرب الضريبي نتج عنها جمع 500 مليون دولار خلال شهر واحد.   

الراتب والتمديد
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 أفصح ماغوفولي عن راتبه الشهري وهو تسعة ملايين شلن تنزاني (أربعة آلاف دولار) ليكون بذلك أحد أقل الزعماء الأفارقة راتبا.

وفي كلمة أمام مسؤولين محليين في العاصمة، أعلن أن حكومته خفضت رواتب كبار مسؤولي الشركات الحكومية إلى 15 مليون شلن تنزاني (6700 دولار) شهريا أي أكثر مما يتقاضاه.

ورفض طلبات من بعض المسؤولين المحليين لزيادة رواتبهم إلى أكثر من الضعف، قائلا إنه لا يمكنه فعل ذلك بينما يعاني الكثير من المواطنين نقصا في المياه والرعاية الصحية والكهرباء.

في أغسطس/آب 2017 رفض دعوات لمد حكمه لأكثر من ولايتين -مدة الولاية الواحدة خمس سنوات- المنصوص عليهما في الدستور، وقال ماجوفولي لمؤتمر شعبي في مدينة تانغا الساحلية بعد أن دعا نائب في البرلمان من حزب تشاماتشا مابيندوزي الحاكم إلى مد حكمه لعشرين عاما على الأقل “مستحيل. سأحترم الدستور الذي أقسمت على الدفاع عنه، وسأقوم بدوري وأسلم مقاليد القيادة للرئيس المقبل عندما يحين الوقت”.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي وبعد كارثة غرق عبارة مكتظة بالركاب في بحيرة فيكتوريا أسفرت عن وفاة 136 شخصا على الأقل، أمر ماغوفولي باعتقال المسؤولين عن غرق العبارة. 

هذه المواقف تجعل الكاجو التنزاني ينتصر على البطاطس المصرية في مشهد
“تدخل الرؤساء” ولا تترك مجالا لـ”مآثر” صاحب “الإنجازات” و”المشاريع الكبرى” و”التفويض الممتد” في “المحروسة”.

المصدر : الجزيرة