إذا كانت مشكلات العمل وضغوط الحياة اليوميّة وصعوبات العلاقة مع الشريك، تلاحق الكبار حتى في المنام، فما الذي يحلم به الصغار إذاً؟ وإذا كان الناضج يسترجع صوراً وأفكاراً مخزنّة من طفولته في ذاكرته، فمن أي ذاكرة يسترجع الولد صور أحلامه؟
تعتبر المعالجة النفسيّة الدكتورة ليلى ديراني عاقوري، أن “الولد يحلم تماماً كما الناضج”، مشيرة إلى أن حياة الولد اليوميّة قد تنعكس في أحلامه مساء كما يحصل مع الناضجين. و كما يمتلىء دماغ البالغ بأفكار وهواجس، يمتلىء دماغ الولد، خلال النهار، بالكثير من الأفكار والمخاوف والأمور التي تشغل بالهم، ولا يفهمون لماذا حصلت وكيف؟
ولكن ثمّة تقارير تشير إلى أن أحلام الطفل منذ ولادته وحتى سنّ الثالثة، هي عبارة عن صور تعيده الى حياته في رحم أمه. فما صحة هذه المعلومات؟ تنفي الدكتور عاقوري ذلك، مؤكدة أنه من الصعب جداً معرفة بماذا يحلم الطفل قبل سنّ الخامسة وحتى السادسة، وذلك بسبب عدم قدرته على التفسير والتعبير عما يحلم به، ولصعوبة إجراء دراسات علميّة عن هذا الموضوع. وتلفت الى أن”الذاكرة التسلسلية للولد لا تتكوّن قبل 3 أو 4 سنوات، وتالياً لا يركزّ علم النفس على أحلام الأولاد من دون هذا العمر”، للأسباب الواردة سابقاً.
أما بعد تكوّن الذاكرة التسلسليّة للولد ووعيه على الأخطار الحياتية، فيمكن عندها التنبّه الى الأحلام، وتحديداً بعد عمر الخمس سنوات، إذ يصبح الولد قادراً على تفسير مناماته، وشرحها تدريجاً لأهله. في هذه المرحلة، تكون أحلام الولد متمحورة حول الأخطار الحياتيّة اليوميّة التي قد يسمعها في محيطه، كسرقة مثلاً أو ضرب أحد ما، أما في عمر أكبر فتكون أحلامه ناتجة من أفكار أعمق كالموت والحياة وأي أفكار أخرى قد تنجم عن عدم الاستقرار الأسري، أو وفاة أحد أفراد الأسرة، أو الطلاق أو النقاش الحاد بين الوالدين، أو الترهيب في المنزل أو المدرسة أو بعد حادث مفجع.
من ناحية أخرى، تشير عاقوري إلى أن شرح أحلام الصغار يبقى أسهل من تفسيرها لدى الكبار، كونها تتبع منطقاً تفسيرياً شبيهاً بالواقع الذي ينعكس في الحلم. كيف؟ إن خوف الولد من سرقة سمع بها خلال اليوم قد يتنج منها حلم بسرقة شبيهة، مما يسهّل على الأهل تفهمّ مخاوف ولدهم، في حال استطاع تذكرها عند استيقاظه وسردها بطريقة صحيحة وواضحة.
تشدد عاقوري على أن الكوابيس ليست مرضاً ولا حتى إضطراباً عند الولد، بل هي مفاتيح لإكتشاف مخاوف الولد وأسباب قلقه كأي فرد ناضج، غير أن دليل الإضطراب يظهر عندما يصل الولد الى مرحلة يخلط فيها الواقع بحلمه. عندها، يجهل الأهل إذا ما كانت رواية ولدهم من نسخ خياله وأحلامه، أو فعلاً حادثة تعرّض لها وعاشها في الواقع.
أضف إلى ذلك أن تكرار الكابوس نفسه مراراً، يوميّاً، وبطريقة مفاجئة من دون سبب يذكر، وخصوصاً في عمر من غير المفترض أن يعاني فيه الولد كوابيس مماثلة، إضافة الى تأثير ذلك في تصرفاته ونمط حياته. كل ذلك، يدل على إضطراب الولدن مما يتطلّب إستشارة طبيب متخصص.
المصدر: النهار