يعزز حزب الله تدخله العسكري في سوريا. وفي الوقت نفسه ينشط تنظيم «القاعدة» في لبنان. النتيجة قد تكون مواجهة بين الجانبين، ومعركة بين الشيعة والسنة في بلاد الارز، وهذه هي مصلحة اسرائيل.
حديث ترقب الحرب الاهلية اللبنانية والمصلحة الاسرائيلية ليس جديداً. آخره ورد في مقالة لأحد أهم الخبراء الاسرائيليين في شؤون الحركات الاسلامية والشرق الاوسط، مردخاي كيدار، وهو باحث ومحاضر في معهد بيغن السادات في جامعة بار ايلان، وضابط سابق في الاستخبارات العسكرية، كمحلل متخصص في الاوضاع السياسية والاجتماعية في الدول العربية المعادية لإسرائيل.
يقول كيدار في مقالة منشورة في العدد الجديد من مجلة «ميرئه» العبرية، المتخصصة بالشؤون السياسية والقضايا الراهنة، ان المصلحة الاسرائيلية تكمن في تمكين تنظيم «القاعدة» وفروعه في لبنان، وتحديدا «جبهة النصرة»، من قتال «حزب الله»، مؤكداً ان انتصار «القاعدة» على الحزب وسيطرته على لبنان وأيضاً على سوريا، لا يشكل الا تهديداً تكتيكياً لاسرائيل والغرب. وبالتالي يبقى الثمن المدفوع من اسرائيل اقل كلفة، قياساً على انتصار حزب الله.
في مقدمات بحث الكاتب يرى ان «تهديد الربيع العربي انطلاقا من الحرب السورية، يطال الدول العربية المجاورة لهذا البلد، وتحديدا الدولة اللبنانية، الكيان السياسي الذي كان طوال السنوات الماضية، الدولة الاكثر ديموقراطية في منطقة الشرق الاوسط الحديثة».
يضيف الكاتب انه «في العامين الماضيين، ومنذ بدء الحرب في سوريا، نشهد على تأثر النظام السياسي اللبناني بهذه الحرب، وذلك في اعقاب التدخل المباشر والواسع لعدد من الافرقاء اللبنانيين في المعمعة السورية».
ويرى الكاتب ان تدخل حزب الله في سوريا الذي كان سبباً اساسياً خلف قرار الاتحاد الاوروبي بادراج الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الارهاب الاوروبي، تدخل يواجه انتقادا شديدا في لبنان، سواء من جهات وكيانات سنية مؤيدة للمتمردين في سوريا، أو من قبل جهات شيعية، تخشى من انتقام المتمردين في داخل لبنان. ويشير الى ان «السنة من جانبهم، في لبنان، يتحركون ضد حزب الله، ويحاولون الاضرار به داخل بيئته، ومنها قصف بالصواريخ وعبوات ناسفة طالت الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله».
البارز، كما يضيف الكاتب، ظهور انباء عن بدء تبلور جبهة سنية جديدة في لبنان تعدّ فرعا لـ«جبهة النصرة» في سوريا، وهو تشكيل من المنظمات التي تعمل بايحاء من تنظيم «القاعدة». وهذا الكيان الجهادي لا يرى بالدولة الحديثة، في سوريا ولبنان والاردن واسرائيل، كيانات شرعية، اذ ان مؤسسها هو الاستعمار المسيحي الاوروبي، وبالتالي تخدم مصالحه، و«هناك خطر، نظري على الاقل، في إمكان ان يرغب المسلمون في اسرائيل بالالتحاق بهذا التشكيل».
يشير الكاتب الى ان بلدة عرسال البقاعية، و«على ما يبدو»، هي المركز اللوجستي الاساسي لـ«جبهة النصرة» في لبنان، وذلك بسبب موقعها الجغرافي على الحدود اللبنانية ــ السورية. كما تنشط «النصرة» في مدينة طرابلس وفي الشمال، وتحديدا في بلدات حلبا وقيطع واكروم. ويتحدث الكاتب ايضا عن تواجد خلايا لـ«النصرة» في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ومنها مخيم عين الحلوة وبرج البراجنة ومار الياس والبداوي.
مع ذلك، يؤكد الكاتب ان «جبهة النصرة»، في الساحة اللبنانية، ما زالت في مرحلة الانتظام، رغم ان فروعها بدأت العمل ضد حزب الله والجيش اللبناني، بشكل موضعي. وهذه المجموعات تعتمد بشكل اساسي على لبنانيين وفلسطينيين، وربما سينضم اليها لاحقا، جهاديون من دول اخرى، تماما كما يحصل في كل ساحة صراع اسلامي، مثل العراق وسوريا وليبيا.
الافتراض الاساسي، بحسب الباحث، ان يعمل الجيش اللبناني ضد هذه المجموعات، لكن كما يبدو فانه لن يتمكن من التغلب عليها، وبالتالي فهي تنتظر الفرصة للبدء بالعمل ضد حزب الله والجيش اللبناني على حد سواء.
يتجاوز الباحث كل السيناريوهات المتطرفة المتداولة اسرائيليا، بما يتعلق بإمكان نشوب حرب اهلية في لبنان، مع قصد تحريضي واضح، ويكتب ان لبنان يتحول الى ساحة صراع بين طوائفه وميليشياته، قد يكون الصراع الاكبر منذ انشاء
الكيان اللبناني عام 1943، و«هي معركة كبرى ستحدد بشكل نهائي مصير هذه الدولة: اما شيعية تحت سيطرة حزب الله، وإما سنّية تحت سيطرة الميليشيات الجهادية، او كنتيجة افتراضية ثالثة، مقسمة على أساس طائفي، وكل ذلك بعد أن يفر المواطنون اللبنانيون الذين لا تعنيهم الحروب، الى الخارج».
اما لجهة اسرائيل والغرب، فيؤكد الكاتب ان «العين الاستخبارية» شاخصة نحو لبنان وتتابع وتدرس ما يجري فيه وترى ان فرصة «قطع» جزء مهم من اذرع الاخطبوط الايراني، باتت ممكنة. ورغم انه لا يمكن تأييد حركات سلفية جهادية سنية، او سيطرة «جبهة النصرة» على لبنان و/أو سوريا، وهي نتيجة ستضع اسرائيل امام مشكلة امنية، الا ان «التهديد الاساسي والرئيسي لاسرائيل والغرب، يتمثل في ايران وفروعها، وحتى لو سيطرت النصرة على سوريا وربما ايضا على لبنان، فان الثمن الذي ستدفعه اسرائيل والعالم سيكون اقل قياسا بالثمن المدفوع جراء انتصار إيران وتوابعها: نظام الاسد وحزب الله».
ويشير الكاتب الى ان «جبهة النصرة هي في حدها الاقصى مشكلة تكتيكية، مقارنة بالتهديد الايراني وفروعه، الذي يعد تهديدا استراتيجيا ووجوديا». ويعني ذلك، بحسب الكاتب، «وجوب ان لا تعمد وسائل الاعلام الى عرض القاعدة وفروعها بشكل تضليلي واثارة الخشية لدى الرأي العام وصناع القرار، ذلك ان المشكلة الحقيقية والواقعية بالنسبة لنا وللعالم هي ايران، ويجب محاربتها ومحاربة وكلائها في المنطقة، حتى وإن كانت هذه الحرب تأتي من خلال مساعدة جبهة النصرة، إذا كانت النصرة هي الجهة الوحيدة القادرة على مواجهة النظام السوري وحزب الله، بشكل فعال».
المصدر:وكالات