بشار جرار يكتب عن ثالث عزل لرئيس في التاريخ الأميركي: عزل منقوص أم فوز مهزوز؟

540 views Leave a comment
بشار جرار يكتب عن ثالث عزل لرئيس في التاريخ الأميركي: عزل منقوص أم فوز مهزوز؟

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة – الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

“يا فرحة ما تمت” كما يقال باللغة العربية المحكية. فقد بات جليا في نظر الديمقراطيين أن ثمة شيئا ما قد حصل يخلص إلى هذه النتيجة. من الناحية الدستورية، فإن العزل وكأنه لم يكن، فيما لو أبقت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي القرار بأدراجها ولم ترسله إلى مجلس الشيوخ الأميركي الذي يملك وحده قرار التصويت بأغلبية الثلثين على المصادقة على قرار النواب وبالتالي المضي في إجراءات خلع الرئيس بمعنى إزاحته عنه السلطة.

وفي خضم حالة القلق التي انتابت صقور الديمقراطيين، لم تجد بيلوسي حرجا من توجيه دعوة إلى الرئيس “المعزول” – من حيث المبدأ – إلى إلقاء كلمته في قاعة مجلس النواب الأميركي أمام مجلسي الشيوخ والنواب في الرابع من شهر فبراير شباط المقبل حول “حال الاتحاد.” وبررت بيلوسي هذه المفارقة بالتزامها بالدستور الأميركي الذي يقضي بذلك ما دام الرئيس دونالد ترامب مكتمل الحقوق والواجبات كرئيس للولايات المتحدة.

04:46
عزل ترامب.. كيف بدأت القضية والى أين ستنتهي؟

إنها لحظة تاريخية فارقة لا تملك كأميركي إلا أن تفخر بها ولا تملك كمراقب للشأن الأميركي إلا أن تثير إعجابك واحترامك. بصرف النظر عن مدى صدقية الاتهامات وصحتها، فإن مجرد قدرة ممثلي الشعب على محاكمة من انتخبوه في هذه الآلية المبنية على أسس عالية من الدقة والانضباط والفاعلية تشير إلى عظمة “الآباء المؤسسين” للنظام العالمي الجديد ممثلا بحجر الزاوية فيه “العالم الجديد” -أميركا- التي أراد بناتها الأوائل ألا تكون ديكتاتورية ولا ملكية. الفكرة الأساسية هي أن الشعب مصدر السلطات، وأن الناخب هو من يقرر من يحكمه ومن يخدمه في مواقع الخدمة العامة القيادية بما فيها منصب رئيس السلطة التنفيذية. ولعل من أعظم ما جاء في “أوراق هاملتون الفدرالية” مبدأ حماية هذا العالم الجديد من ديكتاتورية من نوع آخر، وهو ديكتاتورية الأغلبية. وبذلك أتت آليات العزل والخلع بشكل يؤكد السيادة للقانون حتى في ظل حصول أي طرف على غالبية الأصوات في أي انتخابات وبخاصة الانتخابات الرئاسية.

إن الديمقراطية الأميركية هي أكبر الفائزين في هذا السجال الذي لم يبدأ منذ ثلاثة أشهر بل ثلاث سنوات ونيف بمجرد خروج “واشنطن بوست” بعنوان رئيسي غداة تولي دونالد ترامب الرئاسة عندما قالت بأن “عملية العزل قد بدأت على الفور” في كناية إلى رفض الديمقراطيين للإقرار بهزيمة منافسته هيلاري كلينتون. المسألة ليست روسيا ولا أوكرانيا في نظر الجمهوريين، وإنما عداء حزبي وآخر شخصي يتعلق بترامب نفسه. لم يقتنع كثيرون في أميركا ولا في العالم بأن بيلوسي “تصلي دائما للرئيس ولا تكرهه.” طبعا الله أعلم بما في القلوب، لكن لغة التخاطب ولغة الجسد تفضح كثيرا من العداء المتبادل بين النخب السياسية الأميركية الراهنة التي لم توفر حتى الأموات من التلاسن الإعلامي.

01:16
عزل ترامب.. ما الأسباب التي قد تؤدي إلى إقالة رئيس أمريكي؟

أما الخاسر الأكبر في هذه المنازلة الإعلامية السياسية القانونية فهي حتما بيلوسي التي لم تحسن ما تميزت به تاريخيا وهي القدرة على إحصاء الأصوات، حيث لم يؤيد ثلاثة نواب ديمقراطيين قرار العزل لا بل وانتقل أحدهم إلا المعسكر الآخر معلنا إلى جانب ترامب في البيت الأبيض انضمامه إلى الحزب الجمهوري مرددا جملة تاريخية أميركية تقول بأنه “لم يتخل عن حزبه بل حزبه هو الذي تخلى عنه” في إشارة إلى جنوح الحزب الديمقراطي إلى اليسار المتطرف.

كثيرون وأنا منهم بات أكثر يقينا من فوز ترامب بولاية ثانية بعد الفشل المتكرر للماكينة الديمقراطية بدءاً بتقرير مولر، مرورا بمداولات العزل وانتهاء بما قد يكون تراجعا عن تقديم القرار إلى مجلس الشيوخ. إنها الديمقراطية الأميركية يا سادة، ذات مذاق خاص لا مثيل له في العالم..