تتبلور هذه العلاقة عبر مجموعة الأعمال التي ابتكرها حسين، بما في ذلك عمله الأخير «سيروا في الأرض»، الذي سيتم الكشف عنه قريباً في المدينة التعليمية في مؤسسة قطر.
على الرغم من تصويره تقدّم الحضارة العربية والإسلامية، أراد حسين -كما هو الحال دائماً- أن يترك تفسير هذا العمل التجريبي في أيدي من اعتبرهم أفضل نقّاده، وهم الجمهور.
وتقول وضحى العقيدي، قيّمة مساعدة في «متحف: المتحف العربي للفن الحديث»، ومقرّه في مؤسسة قطر: «غالباً ما ينظر إلى قوّة الفن الحديث على أنها ضعفه، نظراً لأنه يسمح للمشاهدين بتفسير العمل الفني بأية طريقة يريدونها، وهو ما قد يُثير دهشة البعض؛ ولكن بالنسبة لي فإن هذا عنصر جمال هذه الحقيقة، وأنا أعتقد أن حسين كان لديه الشعور نفسه».
وأضافت العقيدي: «إن إعطاء المشاهدين الحرية الكاملة في تفسير قطعة فنية بالطريقة التي يختارونها هي السمة المميزة للحركة الفنية، التي يمكن تتبُّع تطورها ووجودها إلى عصر النهضة، وحتى منتصف القرن العشرين. وإن الفن الحديث يقبل وجود اختلافات في الطريقة التي يُحلّل بها العقل البشري المعلومات، سواء أكانت نصية أم حسية أم بصرية أم سمعية، ويستفيد كل من الفنانين والمشاهدين من هذا النطاق في تكوين وتفسير قطعة فنية مُصمّمة على طراز حديث».
وعلّقت قائلة: «بعبارة أخرى، فإن الفنان يشعر بالارتياح لمجرد التفكير بأن مفهوم عمله الفني المنتمي إلى الفن الحديث، قد يُفسّر بطريقة مختلفة تماماً من قِبل المشاهد».
وبالنسبة لتتبع تطوّر الفن الحديث في قطر، توضّح العقيدي أنه على الرغم من تأخّر وصول أشكال الفنون من أوروبا إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد تم إدخاله وتطويره من خلال الحوار، وبالتوازي مع الحركات الفنية المماثلة الأخرى في جميع أنحاء العالم.
وتقول القيّمة المساعدة في «متحف: المتحف العربي للفن الحديث»: «يمكن أن يكون الفن موجوداً، وأن يزدهر من خلال مشاركته مع شخص ثالث، وقد يمنحه معنى. وشعبية الفن الحديث -على وجه الخصوص- تكمن في إمكانية تقديمه لجمهور متنوّع، ودورنا كقيّمين هو أن نكون حلقة الوصل بين الفن والجمهور».
وقد أدرك هذه الحقيقة الشيخ حسن آل ثاني، مؤسس «متحف: المتحف العربي للفن الحديث»؛ حيث عرض مجموعته الشخصية على مؤسسة قطر لتكون متاحة في متحف مخصص للفن الحديث. وبهذه الطريقة، تم إنشاء «متحف: المتحف العربي للفن الحديث».
واليوم، تطوّر الفن الحديث في قطر ليكون مكملاً للفن الإسلامي، وهو أسلوب خاص بالعالم العربي، ويركز على الأنماط الهندسية والخط والفسيفساء، وزيارة لـ «متحف» كفيلة بأن تثبت ذلك؛ إذ يضمّ المبنى لوحات فنية ومنحوتات ومنشآت توضّح الفن الإسلامي الحديث، إلى جانب القطع غير الإسلامية.
«سيروا في الأرض».. جزء من مشروع الفنان الإبداعي
يأتي «سيروا في الأرض» باعتباره جزءاً من مشروع هذا الفنان الإبداعي، الذي يعكس الحضارة العربية من خلال أعماله الفنية. وكانت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، قد أسندت هذا العمل الفني إلى الفنان مقبول فداء حسين، بالإضافة إلى مجموعة من اللوحات التي تتضمّن أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين، وتعكس لوحتى «الرحمن» و«الرحيم» قصة تطوّر الحضارات البشرية خلال الحقب التاريخية للحضارة العربية.
إلى جانب ذلك، يعبّر العمل الفني «سيروا في الأرض» عن كيفية استخدام الشعوب في جميع أنحاء المنطقة للطبيعة في الماضي، ومن ثَمّ الانتهاء بإدخال الآلات، وذلك في سبيل تعزيز طموحاتهم وتلبية تطلعاتهم. كذلك يسلّط العمل الفنّي الضوء على حقيقة أن وجود العقلية المستنيرة التي تحفّز على الابتكار والاستكشاف في العالم العربي قبل عصر النهضة الأوروبية وأثناء ذلك العصر.
ماجستير في تخصّص المتاحف والمعارض من كلية لندن الجامعية في قطر
كان ارتباط العقيدي الشخصي للفنّ هو ما أدى إلى عملها الحالي في «متحف»، بعد أن درست التاريخ والعلاقات الدولية، وأكلمت الدراسات العليا في تخصّص تاريخ الفن بجامعة السوربون بباريس، واستكملت ذلك بشهادة الماجستير في تخصص المتاحف والمعارض من كلية لندن الجامعية في قطر.
تشارك القيّمة المساعدة القطرية، التي شاركت في تنظيم معرض «عاديات الشمس» لـحسين، مع رانجيت هوسكوت في «متحف» في بداية عام 2019، و» أكثر من حب الفن « مع الفنان الهندي الحاصل على الجنسية القطرية، مما يمنحها فهماً أفضل لمدى ارتباط الفن الحديث بالفنان الهندي وقطر.
وتقول العقيدي: «لقد كان أجداد حسين ينحدرون من اليمن، وفي حين أن قلبه كان متعلقاً بالهند، إلا أنه كان ينجذب بشكل لا إرادي نحو هذه المنطقة. وشكّل الفن الحديث بحكم طابعه الفطري وسيلة للتعبير عن تلك العلاقة المزدوجة. وأعتقد أن قطر تنظر إلى هذا الأسلوب الفني بالطريقة نفسها: كأداة للتعبير عن تعقيدات الإنسانية والثقافات في المنطقة، وكوسيلة للتعبير تتناسب مع هوية الدولة ذات الشمولية، ولكنها استكشافية».
هواة الفن في الدولة
منذ البداية، تبنّى القطريون هذا الأسلوب الفني. فمنذ أكثر من خمسة عقود، كان هواة الفن في الدولة يقومون بالفعل ببناء مجموعاتهم الشخصية من القطع الفنية الحديثة. وكان الفنانون مثل جاسم محمد زيني، ويوسف الحميد، والشيخ حسن آل ثاني من رواد المشهد الفني الناشئ في قطر في فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات. وثلاثتهم -بعد سفرهم وتدريبهم على نطاق واسع في المنطقة وخارجها- أنتجوا قطعاً فنية حديثة خاصة بهم، بينما قاموا بالترويج لأعمال الفنانين الآخرين، ومع نمو مجموعات الشيخ حسن آل ثاني، كذلك حثّهم على مشاركتها مع الجمهور.
أقيم معرضه الأول في قطر عام 1984
عُرضت أعمال الفنان الراحل في جميع أنحاء العالم، وأقيم معرضه الأول في قطر عام 1984 في فندق شيراتون الدوحة، بالإضافة إلى معرض آخر أقيم في متحف الفن الإسلامي منذ أكثر من عقد.
وكان الفنان الراحل مقيماً في قطر منذ ذلك الوقت، وتوطدت علاقاته الوثيقة مع قطر عندما مُنح الجنسية القطرية.
وأقام الراحل معرضاً للوحاته التي قام برسمها خلال فترة وجوده في قطر بعنوان «عاديات الشمس»، وذلك في المتحف العربي للفن الحديث بالمدينة التعليمية في وقت سابق من هذا العام.