القاهرة-خاص
تحدث القرآن عن “ميثاق غليظ” بين الزوجين، لكن الأمر تحول في ظل حكم السيسي إلى قيد غليظ حيث يقبع الزوجان في السجن تاركين أطفالا صغارا وتساؤلات عن سبب كل هذه القسوة.
(1)
قبل أيام، احتفلت الطفلتان همس وهيا حسن القباني بعيد ميلادهما وهو ما يحدث لأول مرة في غياب الأب والأم معا، بعد أن احتفلتا ثلاث مرات من قبل في غياب الأب الذي اعتقل في مطلع 2015 وأطلق سراحه أواخر 2017 بتدابير احترازية.
الأب كان هدفا للاتهامات المعتادة التي توجهها سلطة السيسي لمعارضيها، وفي مقدمتها الانضمام لجماعة محظورة، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك ترويج أخبار كاذبة وما إلى ذلك من اتهامات مكررة.
وما إن استقر الأب شهورا إلى جوار أسرته الصغيرة حتى بدأت مأساة الأم الشابة آية علاء التي اعتقلت أثناء تأديتها واجب العزاء لأسرة الرئيس الراحل محمد مرسي الذي توفي داخل سجنه في يناير/كانون الثاني الماضي، وكانت التهمة هي التواصل مع قنوات “معادية”، في إشارة إلى ظهورها على قنوات معارضة خلال فترة سجن زوجها لتطالب بالإفراج عنه.
عاش الأب الشاب فترات صعبة إلى جوار ابنتيه الصغيرتين (همس 8 سنوات وهيا 6 سنوات) وفي غياب الزوجة الأم، ولم يكن بيده غير استخدام صفحاته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعية لشرح مأساة أسرته والمطالبة بإطلاق سراح زوجته.
كان حسن يكتب تفاصيل معاناته كأب وجد نفسه فجأة يمارس دوري الأب والأم معا، ثم يذهب لقسم الشرطة لقضاء التدابير الاحترازية، التي كانت شرطا لإخراجه من الحبس الاحتياطي على ذمة قضيته.
لكن السلطة التي تقول منظمات حقوقية إنها تعتقل 40 ألف مصري، لم تكتف بما فعلته تجاه هذه الأسرة الصغيرة، ففي سبتمبر/أيلول الماضي، أعادت اعتقال القباني باتهامات جديدة، لتبقى همس وهيا دون أب أو أم، في رعاية العم حسين القباني.
(2)
في فترة ما بعد ثورة يناير 2011، طلبت قناة تلفزيونية استضافة الأستاذ بجامعة الأزهر محمود شعبان، فاشترط عليهم أن يكون المحاور رجلا، لكنه ذهب إلى الإستوديو فوجد أن من ستحاوره مذيعة “نسيت ارتداء ملابسها على حد قوله”، فامتنع عن المشاركة قائلا “هاتوا لي راجل” (أحضروا لي مذيعا رجلا).
لكن الإعلام الغاضب من بروز الصوت الإسلامي في تلك الفترة تلقف العبارة واستغلها لتشويه الرجل وتياره، لينتهي الأمر به الأمر عقب انقلاب السيسي على رئيسه المنتخب محمد مرسي، إلى السجن الذي ظل به حتى منتصف 2016.
لكن الداعية الأزهري عاد إلى السجن مجددا في منتصف العام الجاري، والمثير أنها تقريبا الاتهامات نفسها التي وجهت إليه في عام 2014 والتي ضمت معه عددا من قيادات الجبهة السلفية، والأغرب من ذلك أن زوجته أيضا وجدت طريقها إلى السجن رغم أنها كانت في سفر من القاهرة إلى الإسماعيلية حيث قبضت عليها الشرطة وعلى نجلها البالغ من العمر 12 عاما، دون أي سند قانوني أو اتهامات واضحة وفق مصادر حقوقية أكدت أنهما ما زالا في مرحلة الإخفاء القسري حتى الآن.
واعتادت الشرطة المصرية في عهد السيسي أن تقبض على بعض المعارضين دون إعلان، حيث يتعرضون غالبا للتعذيب في مقار أمن الدولة لأسابيع، قبل الظهور فجأة في أحد مقرات النيابة حيث توجه اتهامات لهم تتمحور غالبا حول التهمة الأكثر شيوعا وهي الانضمام إلى جماعة محظورة.
(3)
كان المصور الصحفي حسام الصياد يجلس على مقهى بحي الدقي مع زوجته الصحفية سلافة مجدي، لكن أفراد أمن يرتدون زيا مدنيا دهموا المقهى واعتقلوهما مع صحفي ثالث كان يجلس معهما هو محمد صلاح، فضلا عن إغلاق المقهى واعتقال عدد من عماله.
لا يعرف أحد حتى الآن سبب اعتقال حسام وزوجته، وإن كان البعض يعتقد أن ذلك يرجع إلى علاقتهما بالصحفية إسراء عبد الفتاح التي كانت أحد الوجوه البارزة لثورة يناير 2011، لكن في كل الأحوال يبقى خالد نجل حسام وسلافة وحيدا حزينا في رعاية أهل والده وبانتظار عودة أبوين لا يدري لماذا حرم منهما.
(4)
جاوزت الكاتبة والناشطة نجلاء القليوبي سن السبعين، وعلى مدى ست سنوات أظهرت صمودا في مؤازرة زوجها المعتقل مجدي أحمد حسين الذي يرأس حزب الاستقلال فضلا عن كونه واحدا من أبرز الصحفيين المصريين خصوصا في مجال محاربة الفساد.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، دهمت الشرطة منزل السيدة واقتادتها معصوبة العينين إلى مكان مجهول، لتبقى الأستاذة الجامعية رهن الإخفاء القسري قبل أن يتضح أنها خلف قضبان السجون، في حالة تظهر “همجية النظام المصري” وانتهاكه كافة الحقوق والحريات وفق سلمى أشرف مسؤولة الملف المصري في منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية.
(5)
في 30 يونيو/حزيران 2017، ذكرى مرور أربع سنوات على انقلاب 2013، اختار نظام السيسي على ما يبدو أن يحتفل عبر وضع مصريين آخرين في غياهب السجون، وجاء الدور هذه المرة على علا القرضاوي، ابنة العلامة يوسف القرضاوي، مع زوجها حسام خلف القيادي بحزب الوسط، ليستمرا خلف القضبان للعام الثالث على التوالي.
التهمة كانت الانتماء إلى جماعة إرهابية، لكن في يوليو/تموز الماضي قررت النيابة الإفراج عنهما، لكن العجيب أن نيابة أمن الدولة قررت حبسها مجددا على ذمة قضية جديدة تتعلق بتمويل الإرهاب (من داخل السجن).
رفضت علا كل الادعاءات الموجهة ضدها، بينما بثت ابنتها آية حسام تسجيلا مصورا على موقع يوتيوب تقول فيه “أمي تموت في السجن، كل جلسة تجديد نجد حالتها الصحية أضعف من التي سبقتها، في مرحلة ما يجب السماح للمعتقلين بالعودة إلى ديارهم لأطفالهم وأحفادهم”.
حسام أكمل عامه الستين، وهو خلف القضبان، ربما كان يأمل أن يحتفل ببلوغه هذه السن وسط أبنائه وأحفاده وهو ممسك بيد زوجته ليعبر مرحلة عمرية جديدة، لكن السلطة الغاشمة لها رأي آخر، بينما تقول منظمة العفو الدولية إن اعتقال علا القرضاوي تعسفي، وإنها تُستهدف بسبب صلات والدها بجماعة “الإخوان المسلمين”.
ولأن الزوجات غالبا يقبعن في سجن النساء بالقناطر شمال القاهرة، بينما يرحّل الأزواج لمجمع سجون طرة جنوب القاهرة، يلتقي حسام بزوجته لنحو دقيقتين عرضا كل 15 يوما عندما يتزامن موعد عرضهما على النيابة.
(6)
لم يصل أطفال بسمة رفعت وزوجها العقيد ياسر عرفات بعد إلى سن يسمح لهما بإدراك أنهما سيكبران بلا أم ولا أب بجوارهما.
الأب عقيد سابق بالقوات المسلحة اعتقل وحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة المشاركة في اغتيال النائب العام، ثم ألحقت السلطات زوجته به أثناء زيارتها له، وظلت بالسجن شهورا طويلة قبل أن تتلقى حكما بالسجن 15 عاما.
تقول النيابة إن بسمة اعترفت بالجرم، لكن بسمة قالت للقاضي إنها اعترفت تحت التعذيب والتهديد بالاغتصاب.
في إحدى الجلسات قالت بسمة للقاضي إن طفلها الرضيع لم يعد يعرفها، وينظر لها بعينين زائغتين في كل مرة يحملونه إليها.
أما طفلتها ذات الأعوام الخمسة فقد بدأت أول أعوامها الدراسية من دون أمها، وكلاهما الرضيع والطفلة الصغيرة في كنف والدي بسمة وهما مسنان مريضان.
وإذا كانت الحالات السابقة يمكنها التمتع بقانون يجيز إخلاء سبيل أحد الوالدين المحكومين بأقل من عام -بحسب محامين- فإن حالة ياسر وبسمة لا ينطبق عليها هذا القانون، ورغم ذلك ظلت بسمة تتعلق بأهداب الأمل في أن يرأف القاضي بحالتها، خاصة أنها تعاني من أمراض القلب وتحتاج الانتقال لمستشفى السجن، معتبرة أن الحكم عليهما هو أيضا حكم على الأبناء.
ولا يختلف الحال عن الزوج القابع في سجن العقرب، تحت أقسي ظروف الاحتجاز، وهو ممنوع من الزيارات ومن رؤية أطفاله، وصحته تتدهور تباعا، حيث يعاني من تضخم بالكبد وحصوات بالمرارة.
(7)
في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي دهم الأمن منزل إسلام حسين وزوجته مي عبد الستار، واقتادهما مع رضيعهما فارس إلى مكان مجهول.
في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي دهم الأمن منزل إسلام حسين وزوجته مي عبد الستار، واقتادهما مع رضيعهما فارس إلى مكان مجهول.
حاول الأهل معرفة مكان الزوجين والرضيع دون جدوى، ثم جاء الرد من الشرطة بدهم جديد استهدف منزل والد الزوجة حيث اعتقل شقيقها أحمد عبد الستار الذي أنهى مؤخرا فترة سجن استمرت ثلاث سنوات في قضية سياسية.
الرضيع الذي بلغ الآن شهره الرابع، ربما يكون أسعد حالا من أطفال آخرين، فهو في حضن أمه، لكنهما معا خلف القضبان.
المصدر : الجزيرة