عوض الرجوب-الخليل
للعام السابع على التوالي، يحل الناشط الأميركي الإسرائيلي ميكو بيليد ضيفا على “بيت الصمود”، للتعبير عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد الاحتلال الإسرائيلي.
فمن خلال أصدقائه الفلسطينيين، تعرف بيليد في شهر رمضان قبل سبع سنوات على منسق تجمع “شباب ضد الاستيطان” في مدينة الخليل الناشط عيسى عمرو، واستمرت العلاقة حتى اليوم. ودون ترتيب مسبق، لقيته الجزيرة نت خلال شهر رمضان في “بيت الصمود” المطل على البلدة القديمة في الخليل.
الناشط الأميركي بيليد -المولود بالقدس لأب عمل في الجيش الإسرائيلي- تحول إلى داعية سلام، ويعتبر نفسه جزءا من المقاومة الفلسطينية ويرفض الاحتلال الإسرائيلي، ويقول إن “كل فلسطين محتلة”، مؤكدا أن الأهمية الفعلية لبيت الصمود تكمن في وقف التمدد والأطماع الاستيطانية في البلدة القديمة لمدينة الخليل من الناحية الغربية.
طريق التحدي
تقود الزائرَ إلى “بيت الصمود” طريق ضيقة بطول 300م يقطعها بين أشجار الزيتون الرومي، وتزيد خطورتها ليلا لانتشار جنود الاحتلال فيها.
أما البيت ذاته فيقع بمنطقة تل الرميدة الإستراتيجية الضاربة في القدم، مطلا من الجهة الغربية على الخليل القديمة، وبمساحة إجمالية لا تزيد عن 100م2.
يتكون البيت من طابقين بهما أربع غرف، شيد جزء منها عام 1945 والباقي أواسط سبعينيات القرن الماضي. وعلى جدران البيت من الداخل والخارج، خطت شعارات وعبارات وصور لنشاط المتطوعين وأهدافهم والاعتداء عليهم، أضيف لها هلال شهر رمضان.
من نقطة عسكرية
وكان جيش الاحتلال قد حوّل البيت إلى نقطة عسكرية حتى العام 2003، فسارع عمرو إلى استئذان أصحابه من عائلة سياج لتحويله إلى نقطة تجمع للنشطاء والحقوقيين المهتمين بمتابعة ورصد انتهاكات القوات الإسرائيلية في مدينة الخليل التي يسيطر الاحتلال على بلدتها القديمة.
ويستقبل البيت يوميا متضامنين أجانب وناشطين حقوقيين وممثلين لمنظمات حقوقية وأممية وبرلمانيين ودبلوماسيين يتم تزويدهم بمعلومات دقيقة مهمة وموثقة حول انتهاكات الجيش والمستوطنين.
وحسب “اتفاق الخليل” الموقع عام 1997 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية لتقسيم الخليل، فقد تسلمت السلطة الفلسطينية أجزاء من مدينة الخليل أطلق عليها “خ1” وتشكل 80% من مساحة المدينة ويقطنها نحو 220 ألف فلسطيني، بينما تواصلت السيطرة الإسرائيلية على القسم المتبقي “خ2” ويقطنه نحو 45 ألف فلسطيني، وفيه تقع البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي وخمس بؤر استيطانية.
تجربة فريدة
ويرى الناشط الحقوقي أن “بيت الصمود” تجربة مختلفة عن كافة تجارب الفلسطينيين ضد الاحتلال، لكون القائمين عليه استطاعوا الوصول إلى وعي الناس في أوروبا وأميركا ومخاطبتهم باللغة التي يفهمونها “متفوقين في ذلك على بعثات دبلوماسية رسمية” كما قال، وعزا ذلك إلى الثقة التي يحظى بها متطوعو تجمع “شباب ضد الاستيطان” والقائمون عليه.
وقبل العام 2003 كان “بيت الصمود” (منزل عائلة سياج) نقطة عسكرية، وإلى الغرب منه استولى المستوطنون على منزل عائلة البكري، وبينما أخلي الأول يواصل المستوطنون استيلاءهم على الثاني.
تأثير عالمي
يقول منسق “تجمع شباب ضد الاستيطان” عيسى عمرو إن سماح عائلة سياج بتحويل منزلها إلى مركز للصمود عام 2007، حمى الأرض وشكل نقطة انطلاق للمقاومة الشعبية، ونقطة رصد لانتهاكات الاحتلال تجاوزت المستوى المحلي إلى أنحاء العالم.
ويبدي عمرو ارتياحه للمستوى الذي وصل إليه “بيت الصمود” من منزل صغير محتل إلى رمز هام لمقاومة الاحتلال ومحاربته على مستوى العالم، وأرجع ذلك إلى المصداقية في المتابعات القانونية والقدرة الجيدة على التأثير والتواصل بمختلف الوسائل المتاحة، سواء عبر البريد الإلكتروني أو شبكات التواصل الاجتماعي.
آخر نشاط قام به تجمع الشباب الذي يتخذ من البيت مقرا له، هو تنظيم حملة عالمية في 200 مدينة أوروبية وأجنبية للمطالبة بفتح شارع الشهداء الحيوي في الخليل والمغلق منذ مجزرة المسجد الإبراهمي عام 1994.
وتنظم الحملة سنويا يوم 15 فبراير/شباط في ذكرى المجزرة التي راح ضحيتها 29 فلسطينيا برصاص المستوطن باروخ غولدشتاين، وأغلق شارع الشهداء على إثرها حتى يومنا هذا.
وكان آخر لقاء في “بيت الصمود” مع ثلاثة أعضاء في البرلمان البريطاني تمت مطالبتهم بتبني مشروع قرار لمقاطعة بضائع المستوطنات وفرض عقوبات على الاحتلال. ويشير عمرو إلى أنهم مستمرون مساعيهم للوصول إلى برلمانات أخرى لاتخاذ قرارات بمحاكمة دولة الاحتلال.
مجموعات الكفاح
ورغم النجاح الذي سجله متطوعو “بيت الصمود”، يكشف عمرو عن تهديد ومساع لإفشال التجربة من جهات فلسطينية قال إنها تتساوق مع الاحتلال ولا تريد أن ترى غيرها في الساحة رغم فشلها، ولا يرضيها الخطاب الوطني الوحدوي الذي يتجاوز اختلافات الفصائل ويرفض الاحتلال.
وإضافة إلى النجاح على المستوى الخارجي، سجل متطوعو البيت نجاحات داخلية، إذ أسسوا روضة ومركزا نسويا وحافظوا على الروح الفلسطينية والعربية الإسلامية لمقرهم المطل على قلب الخليل.
لكن التحدي الأكبر كان بإطلاق مجموعات “الكفاح” للتوثيق ومراقبة حقوق الإنسان عقب رفض إسرائيل تجديد عمل بعثة التواجد الدولي في الخليل مطلع العام الجاري، التي عملت أساسا في نقاط التماس لمنح الشعور بالأمان لطلبة المدارس في طريق الذهاب والعودة من وإلى مدارسهم.
إذ لم تمض أيام على إطلاق المجموعات ذات البزات الزرقاء (رمز الحياد) حتى قوبلت بهجوم متعدد الأطراف أساسها الاحتلال الذي أعلن منطقة عمل المجموعات “منطقة عسكرية مغلقة” أكثر من عشرين مرة في غضون أيام.
ولم يكن ذلك سببا لوقف نشاط تلك المجموعات التي كانت في طريقها للتنفيذ بمحافظات الضفة وغزة، لكن الضربة القاضية كانت -كما يقول عمرو- من أطراف فلسطينية “مأجورة تعمل لمصلحتها الخاصة ومصلحة الاحتلال”، مشيرا إلى أنها أرسلت تهديدات للناشطين وعائلاتهم لوقف نشاطهم، لكنه تعهد بعودتها قريبا.
المصدر : الجزيرة