أصدر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مساء أمس الاثنين، حزمة قرارات في خطوة بدت “نصف انتصار” للشارع وبداية جدل جديد حول قانونيتها وجديتها في إحداث التغيير المطلوب.
قرارات بوتفليقة بعد حراك شعبي غير مسبوق يطالب بمغادرته الحكم، كان أبرزها سحب ترشحه لولاية خامسة، إلى جانب تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان المقبل، والتعهد بمؤتمر حوار جامع، وتعديل دستوري قبل تسليم مشعل الحكم.
وفي السياق ذاته استقالت حكومة أحمد أويحيى، وتم تكليف نور الدين بدوي -وهو أحد رجال ثقة بوتفليقة- بتشكيل حكومة جديدة لم تبدأ المشاورات بعد بشأنها ولا يعرف لحد الآن كيف ستكون، وهل ستفتح أمام المعارضة أم أنها ستضم شخصيات تكنوقراطية فقط.
ولا تختلف كثيرا تعهدات بوتفليقة عن تلك التي أطلقها خلال إيداع أوراق ترشحه عندما وعد بتنظيم انتخابات مبكرة بعد مؤتمر للحوار في ظرف سنة والانسحاب من الساحة السياسية.
وأكثر من ذلك فبوتفليقة يقول في رسالته الجديدة “بل إنني لم أنْوِ قط الإقدام على الترشح حيث أن حالتي الصحية وسِنّي لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري، ألا وهو العمل على إرساء أسُس جمهورية جديدة”.
عبد العزيز بوتفليقة مستقبلا يوم أمس أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الوطني الشعبي (رويترز) |
جدل قانوني
ورغم استجابته لأغلب مطالب الحراك الشعبي والمعارضة، والمتمثلة في العدول عن الترشح وتأجيل الانتخابات، إلا أن أول عقبة واجهت قرارات بوتفليقة هي عقبة قانونية بامتياز، بحكم أن تمديد ولايته الحالية لم يستند إلى أي مادة دستورية.
وتعد المادة 107 من الدستور الأقرب لتفسير هذه الحالة من التمديد لأنها تنص على أنه “يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها”.
وتنص المادة أيضا على أنه “تخول الحالة الاستثنائية رئيس الجمهورية أن يتخذ الإجراءات الاستثنائية التي تستوجبها المحافظة على استقلال الأمة، والمؤسسات الدستورية في الجمهورية”.
وتشترط هذه المادة على الرئيس أن يتخذ مثل هذا الإجراء إلا بعد استشارة رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس المجلس الدستوري، والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، ومجلس الوزراء كما ويجتمع البرلمان وجوبا.
لكن الرئاسة الجزائرية لم تشر إلى السند القانوني لهذه القرارات، ولم توضح ما إذا كانت عقدت اجتماعات مع الهيئات المعنية كما ينص على ذلك الدستور، كما أن البرلمان لم يجتمع بدعوة من الرئيس للنظر في هذا “الوضع الاستثنائي” الذي استدعى هذه القرارات.
ووصف المرشح الرئاسي عبد العزيز بلعيد هذه الخطوة “بالإعتداء الصارخ على الدستور”، في حين قال المرشح الإسلامي والوزير الأسبق عبد القادر بن قرينة إنها فرضت “شرعية الأمر الواقع”.
محاولة التفاف أم حل واقعي؟
وفي الشق السياسي لهذه القرارات فإن قادة الحراك ومعارضين وصفوها بأنها “نصف انتصار” بعد سحب ترشح بوتفليقة لترشحه للولاية الخامسة، لكنهم رفضوا باقي القرارات.
وقال المحامي مصطفى بوشاشي، أحد أبرز وجوه الحراك، معلقا على قرارات بوتفليقة إن مطلب الجزائريين ليس التأجيل، وإنما كان بدء مرحلة انتقالية بحكومة توافق وطني بعد مشاورات واسعة.
وتابع في مقطع فيديو له على موقع فيسبوك قائلا “لا نريد أن يتم الالتفاف حول رغبة الشعب الجزائري في الذهاب إلى انتخابات وديمقراطية حقيقية”، رغم أن بوتفليقة تعهد بإنشاء لجنة مستقلة جديدة لمراقبة الإنتخابات، وحل الهيئة الحالية.
من جهته يرى جيلالي الناطق باسم حركة “مواطنة” المعارضة في تغريدة فور صدور القرارات أنه “لا يجب الثقة فيها” وأن “المؤامرة بدأت”، داعيا إلى مواصلة الحراك من خلال مظاهرات الجمعة الماضية.
بدوره قال رئيس الحكومة الجزائري الأسبق علي بن فليس (2000-2003)، إن “البلاد شهدت الاثنين تعديا بالقوة على الدستور بالإعلان عن تمديد الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة بدون مباركة الشعب”.
جاء ذلك في فيديو نشره بن فليس على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك. وذكر أن “القوى الدستورية (في إشارة لمحيط بوتفليقة)، ستبقى مستولية على مركز صنع القرار، والسطو على صلاحيات رئيس غائب”.
واعتبر بن فليس -الذي يرأس حزب “طلائع الحريات” المعارض أن “هذا الاستيلاء على مركز القرار كان مبرمجا بولاية خامسة فأصبح بالتمديد للرابعة بدون مباركة من الشعب”.
في السياق ذاته عجت صفحات لناشطين معارضين على موقعي فيسبوك وتويتر بمنشورات و”تغريدات” تدعو إلى مواصلة الضغط عبر الشارع، وذلك بمظاهرات كبيرة للجمعة الرابعة على التوالي هذا الأسبوع.
وتلتقي هذه التعليقات في أن ما صدر من قرارات هو “تمديد لحكم بوتفليقة في انتظار الالتفاف على المطالب المرفوعة لاحقا”، وهو مؤشر على أن جدلا جديدا في الأفق عنوانه “التجسيد الكامل لمطالب الحراك”.
وكحل وسط لهذا الوضع كتب الإعلامي الجزائري محمد يعقوبي منشورا على صفحته بفيسبوك جاء فيه “الآن حان دور العقلاء في السلطة وفي الحراك لتقريب المسافات والوصول إلى حل بالحوار”.
المصدر : وكالة الأناضول