ما دور أميركا في تقوية الأطراف المتشددة في الشرق الأوسط؟

401 ‎مشاهدات Leave a comment
ما دور أميركا في تقوية الأطراف المتشددة في الشرق الأوسط؟

يقول الكاتب بول بيلار في مقال تحليلي نشره موقع “لوب لوغ” الأميركي إن السياسة الخارجية الأميركية تعتمد على نهج غير واقعي، حيث ترتكز في تصنيف علاقاتها مع دول العالم على تقسيم صارم: بلدان صديقة وأخرى عدوة.

ويضيف أنه من هذا المنطلق، فإن أساليب معاملة الإدارة الأميركية للدول في العالم تختلف حسب مدى مواءمتها مع مصالحها الخاصة، مشيرا إلى أن سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط تعتبر أحد أوضح الأمثلة على هذا النوع من النهج غير الواقعي.

ويشير بيلار إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في تقوية الأطراف المتشددة في الشرق الأوسط، وإلى أن واشنطن تتعامل بسخاء شديد مع الأطراف التي تعتبرها صديقة لها، وتمنحها حرية التصرف وتتغاضى عن أفعالها التدميرية دون أي محاولة جدية لتوجيهها في اتجاه يكون أقل ضررا وأكثر تماشيا في الآن ذاته مع المصالح الأميركية.

ويضيف الكاتب أنه في المقابل، فإن الولايات المتحدة تضيع فرص تعاون متبادلة ومحتملة مع الدول الأعداء، وأن سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط تعتبر مثالا واضحا على ذلك.

 سياسة إدارة ترامب دفعت بن سلمان للاعتقاد بأنه قادر على الإفلات من العقاب (رويترز)

تقسيم صارم
ويقول بيلار إن هذه السياسة ترتكز على تقسيم صارم للغاية، فمن جهة، تملك الولايات المتحدة عدوا لدودا هو إيران، وهو الحال أيضا بالنسبة لأولئك الذين تجمعهم علاقة إيجابية مع إيران مثل النظام السوري، ومن جهة أخرى تملك علاقات صداقة ومصالح مشتركة مع منافسين إقليميين لإيران، بما في ذلك إسرائيل وبعض الدول العربية السنية الكبرى.

ويضيف أن سياسة الولايات المتحدة الخارجية ترتكز مع أعدائها على تصعيد المواجهة وزيادة مشاعر العداء، أما بالنسبة إلى أصدقائها فإنها تمنحهم الأعذار والتغطية السياسية للسلوكيات التي يعتبرها الرأي العام الدولي مثيرة للجدل وغير أخلاقية.

ويقول بيلار إن السياسة الخارجية الأميركية مع بقية دول العالم لا تشبه أبدا النهج المزدوج والمتطرف المعتمد مع دول الشرق الأوسط، فتجنبا للدخول في مواجهة ضد روسيا سعى ترامب إلى تدارك ما يمكن أن يخلفه انسحاب بلاده من “معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى”، مما يعكس دوافعه الشخصية للتودد إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ولكن سياسات ترامب تجاه أوروبا لا توضح عدوه من صديقه حتى داخل الدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي.

وفيما يتعلق بسياسة إدارة ترامب تجاه الصين فإنها تتجلى في الحرب التجارية من جهة، والرغبة في إنهاء الحرب باتفاق تجاري من جهة أخرى.

كما ينطبق الأمر ذاته على السياسة الخارجية الأميركية تجاه كوريا الشمالية التي تتراوح بين الصدام والغضب من جهة، ورسائل الحب من جهة أخرى.

ويشير بيلار إلى أن إيران لم تظهر إلى حد الآن جميع ردود أفعالها السلبية في ظل تزايد العداء الأميركي، لأن الإيرانيين يأملون في تغيير النظام بواشنطن في يناير/كانون الثاني 2021.

وفي الآن ذاته، لم تسجل أي ردود أفعال إيجابية، سواء فيما يتعلق بالأنشطة الإقليمية لإيران أو استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات أو غيره.

 السيسي يقود مصر أكثر فأكثر نحو الشمولية مسببا المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة (رويترز)

الأصدقاء المدمرون
ويضيف الكاتب أن التأثيرات السلبية على سلوك “الأصدقاء” لم تبدأ مع عهد ترامب على الرغم من أن هذه التأثيرات تعمقت في ظل الإدارة الحالية، فعادة ما تتجاهل بعض الإدارات الأميركية أو تتناسى الأفعال المشينة، وذلك في حال كان مرتكبها طرفا من دائرة “الأصدقاء” أو “الحلفاء”، من قبيل شركائها في التحالف الأمني في الشرق الأوسط.

ويرى أن العلاقة الحالية بين الولايات المتحدة وأحد شركائها ممثلا في مصر تمثل ثمرة دعم واشنطن للرئيس المصري الأسبق أنور السادات في سبعينيات القرن الماضي، وذلك من أجل التوصل إلى السلام مع إسرائيل.

واليوم يتعامل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بطريقة أكثر وحشية من أسلافه، ووفقا لأحد التحليلات الأخيرة فإن السيسي “يقود مصر أكثر فأكثر نحو الشمولية مسببا المزيد من عدم الاستقرار”.

وتطرق الكاتب إلى سلوك السعودية، وهي أحد “الحلفاء” المفضلين للولايات المتحدة، حيث قطعت مسارا مزعزعا للاستقرار خلال السنتين الماضيتين، بما في ذلك حربها المدمرة في اليمن، وقتلها الصحفي جمال خاشقجي، وبالتالي دفعت السياسة السابقة للولايات المتحدة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للاعتقاد بأنه قادر على الإفلات من العقاب، كما أنه حظي بتغطية سياسية قدمها له ترامب منذ مقتل خاشقجي.

ويقول إن إسرائيل طالما كانت من بين “أصدقاء” الشرق الأوسط في السابق، لكنها برزت أكثر في ظل إدارة ترامب، فقد شهدت السنتان الماضيتان بناء متسارعا للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، واستخدام إسرائيل القوة المميتة ضد المتظاهرين في غزة.

سياسات متشددة
من جهة أخرى، يضم الشرق الأوسط العديد من الأفراد والسياسات المتشددة التي تتمثل في تسليط العداء تجاه الدول الأخرى، وستستمر المنطقة في اتباع العديد من السياسات المتشددة بغض النظر عما تفعله الولايات المتحدة.

عموما، ستأخذ أي سياسة واقعية هذه الحقيقة بعين الاعتبار، في حين تستغل النفوذ الذي تمتلكه الولايات المتحدة في جميع دول المنطقة من أجل جعل الشرق الأوسط منطقة أقل تقلبا وقمعا وتوترا.

ويختم بيلار بأن المقاربة الحالية -التي تقسم المنطقة إلى أخيار لا يرتكبون أي سوء وأشرار يقترفون جميع الأخطاء- هي ما جعلت المنطقة تعج بالاضطرابات والنزاعات.

المصدر : الجزيرة,الصحافة الأميركية