كيف تعايش لينين مع ماكدونالدز في فيتنام؟

429 ‎مشاهدات Leave a comment
كيف تعايش لينين مع ماكدونالدز في فيتنام؟

محمد المنشاوي-هانوي

يتوسط تمثال الرفيق فلاديمير لينين حديقة سميت باسمه وسط العاصمة الفيتنامية هانوي على مقربة من النصب التذكاري لبطل تحرر فيتنام القائد هو تشي مينه، إلا أنه وعلى بعد مسافة قصيرة تظهر إعلانات محلات ماكدونالدز وستاربكس بجوار أفرع أكبر المصارف العالمية مثل “أتش أس بي سي”.

قصد الفيتناميون -من بناء ضريح أسطوري لهو تشي مينه زعيم الحركة الشيوعية الفيتنامية والتي قادت الكفاح ضد الاستعمار، وأسست الدولة بعد حروب لم تتوقف آخرها انتهت عام 1975 بانسحاب الولايات المتحدة- تذكير الأجيال القادمة بما قام به الزعيم الخالد المؤسس للجمهورية الاشتراكية الفيتنامية.

نظام منفتح
شهد عام 2018 تشديد سلطات الحزب الشيوعي الفيتنامي لقبضته السياسية، مع عدم التساهل مع أي معارضة سياسية له سواء في صورة تنظيمات حزبية منافسة.

ولا يعرف الفيتناميون حرية الإعلام أو النشر، وإذا خالف أحد القواعد الحكومية المتشددة في التعبير عن الرأي تكون الكلفة عالية سواء بالسجن أو الاعتقال التعسفي. كذلك لا تتوافر في فيتنام وسائل إعلام مستقلة.

ورفض كل من تحدثت إليهم الجزيرة نت -من صحفيين فيتناميين وطلاب جامعيين ومسؤولين حكوميين سابقين- وجود معارضة سياسية.

وقال مسؤول سابق رفيع طلب عدم ذكر اسمه “نحن نعرف الوحدة كشعب، حاربنا لتحرير وطننا، والآن نقف صفا واحدا لا خلاف بيننا على ضرورة تحقيق النصر الاقتصادي كما حققنا النصر والعسكري”.

تمثال لينين في هانوي (الأوروبية)

وحدة الفيتناميين
وتتفق صحفية تحدثت معها الجزيرة نت في مقولة وحدة الفيتناميين خلف قيادة الحزب الشيوعي، وتقول “نعرف ديمقراطية فيتنامية، فكل أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي منتخبون من الدوائر الأصغر داخل الحزب التي ينتخبها الشعب مباشرة”. وتضيف أن الأهم “هو أن الحزب يحارب الفساد، داخل وخارج الحزب ومؤسسات الدولة، هو الخطر الحقيقي على فيتنام اليوم”.

وطبقا لتقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” فقد حصلت فيتنام على المركز الـ 175 من بين 179 في مؤشر الحرية، فقط قبل الصين وسوريا وإريتريا وكوريا الشمالية. وتعتبر مؤسسة “فريدم هاوس” فيتنام دولة “غير حرة”.

 غير أن مسؤولا فيتناميا سابقا قال للجزيرة نت “عندما نتحدث عن دولة يقترب سكانها من مئة مليون نسمة، وتتحدث المنظمات الحقوقية الغربية عن اعتقال ومحاكمة عشرات الأشخاص، فهذا سجل جيد مقارنة بدول أخرى كثيرة”.

وأضاف: الأهم هو عدم إهانة المواطن فـ “الحكومة تساعد مواطنيها على التقدم للأمام، ونحن لا نعرف التعذيب الذي تعرفه دول أخرى”.

معايير إصلاحية
غير أن رغبة فيتنام في جذب استثمارات أجنبية وعقد اتفاقيات تجارة حرة -كتوقيعها على اتفاقية التجارة الحرة للدول المطلة على المحيط الهادي عام 2015- يحتم على الحزب الشيوعي الحاكم إجراء معايير إصلاحية واسعة.

وشملت هذه الإجراءات السماح للاتحادات العمالية بالتشكيل بعيدا عن سطوة الحزب الشيوعي الحاكم، وإجراءات لحماية حقوق الملكية الفكرية وفق معايير ترتبط بالشفافية وطريقة إدارة قطاع الأعمال.

وتبنى الحزب الشيوعي عام 1986 سياسة الانفتاح والتجديد “دوي موي” وبدأت فيتنام في تطبيق إصلاحية اقتصادية وسياسية حقيقية، نتج عنها تحقيق متوسط نسبة نمو تراوحت بين 6 و9% سنويا.

وقضت فيتنام على الأمية بين مواطنيها، وتوفر رعاية صحية مجانية مقبولة لهم. ويرى 88% من الفيتناميين أن أوضاعهم الاقتصادية والمالية والسياسية أفضل مما كانت عليه قبل عشرة أعوام طبقا لاستطلاع أجراه مركز بيو عام 2017.

ويعتقد فقط 4% من الفيتناميين أن أوضاعهم تسير في الطريق الخاطئ. ويحرص الحزب الشيوعي على تجنب أخطاء تجارب الانتقال الاقتصادي من سيطرة كاملة للدولة إلى انفتاح وسماح للاستثمارات الخارجية بالعمل بحرية في كل القطاعات.

التسوق على الإنترنت بمقهى في هانوي (الأوروبية)

تجارب الجوار
ويتطلع الكثير من الفيتناميين لتكرار تجربة اليابان أو كوريا الجنوبية في بلدهم، إلا أن البعض يتهم نخبة الحزب الشيوعي الحاكم بالتطلع إلى تجربة النموذج الصيني الذي لا يعرف أي حريات.

غير أن الصحفية الفيتنامية التي تحدثت إليها الجزيرة نت تنكر ذلك بالقول “الصين تحظر الكثير من المواقع الإخبارية وتمنع الصينيين من الوصول لتطبيقات تويتر وفيسبوك، نحن هنا لا نعرف أي محظورات في الإنترنت، الكل يطلع على كل شيء وأي شيء”.

يرفض الكثير ممن تحدثت إليهم الجزيرة نت الإقرار بوجود تفاوت وانقسامات طبقية بين الفيتناميين. إلا أن ذلك يبدو واضحا للعيان من خلال انتشار السيارات الفارهة بشوارع هانوي جنبا إلى جنب مع ملايين الدراجات النارية التي يستخدمها عامة الشعب في انتقالاتهم.

كما يبرز انتشار مراكز التسوق الحديثة، وتعكس زيادة القوة الشرائية عند أغلب المواطنين وجود طبقة وسطى ترفض أدبيات الحزب الشيوعي الإقرار بوجودها.

ولم يعد الفيتناميون منقسمين بين الجنوب والشمال، ولا بين حقوق العمال والرأسماليين “إلا أن الانقسام اليوم يتمحور بين الانفتاحيين الذين يدعمون خطوات الحزب الشيوعي الاقتصادية، وبين من يعيشون أغلال ماضي الحروب والصراع مع القوى الإمبريالية الغربية”. كانت تلك كلمة أكاديمي فيتنامي عكست كيف ينظر الفيتناميون لتجربتهم ولأنفسهم في عالم مختلف عما خبره جيل الآباء منهم.

وتأمل فيتنام في استثمار كل نجاحاتها الاقتصادية كي تحقق مكانة دبلوماسية دولية مرموقة، إذ تسعى وتكثف جهودها لتنضم لمجلس الأمن كدولة غير دائمة العضوية لعامي 2020-2012 للمرة الأولى في تاريخها، فهل سينجح مسعاها؟ أو أنه مازال عليها الكثير لتفعله في مجال السياسة الداخلية قبل الحصول على الاعتراف الدولي بمكانتها الجديدة. 

المصدر : الجزيرة