قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن دولة الإمارات العربية المتحدة التي زارها البابا فرانشيسكو مؤخرا تظهر اهتماما كبيرا بالتعايش بين الأديان، لكن قمع المعارضة السياسية فيها بلا رحمة.
وفي مقاله، قال الكاتب المخضرم بهذه الصحيفة بنيامين بارت إن زيارة البابا -التي كانت ذروتها قداسا في ملعب أبو ظبي– وضعت تحت شعار التسامح الذي اختير ليكون شعارا لعام 2019، مشيرا فيما يشبه التهكم إلى أن موضوع التسامح هذا يتردد كثيرا في هذا البلد الخليجي، إذ توجد فيه أيضا وزارة وميثاق وطني ومهرجان وحتى جسر “للتسامح”.
وقال بارت إن هذه المبادرات التي تدفعها السلطات وتنقلها وسائل الإعلام تهدف إلى تعزيز التعايش الثقافي والطائفي في هذا الاتحاد المكون من سبع إمارات يسكنها نحو تسعة ملايين نسمة، 90% منهم من العمال المهاجرين القادمين من جنوب شرق آسيا.
وأوضح الكاتب أن دولة الإمارات العربية المتحدة تحترم نسبيا فوق أراضيها حرية العبادة والقيم باسم “الإسلام المعتدل” الذي تتظاهر بأنها واجهته.
وبخصوصيات معمارية معينة ومع حظر للتبشير أنشئت ثلاثون كنيسة في ظلال ناطحات السحاب المتلألئة في أبو ظبي ودبي والشارقة (إحدى الإمارات السبع) علامة على الانفتاح المعلن على الواجهة، وقد أعيد مؤخرا تغيير مسجد محمد بن زايد الرجل القوي في الاتحاد إلى “مريم أم عيسى”، وحتى اليهود لديهم هناك مكان للصلاة.
محاكاة ساخرة للعدالة
لكن هذا “التسامح” -الذي هو سلعة رائجة لدى النخب الغربية- متعدد الأشكال في أبو ظبي، فعلى الصعيد السياسي يظهر القادة الإماراتيون -على سبيل المثال- عدم التسامح الكامل مع التعددية، حسب تعبير بارت.
وكدليل على ذلك، يقول الكاتب إن جميع المعارضين يقبعون في السجن، سواء كانوا إسلاميين من أعضاء حزب الإصلاح (النسخة الإماراتية لجماعة الإخوان المسلمين) أو كانوا من أنصار الليبرالية الداعين لإقامة نظام ملكي دستوري، مشيرا إلى أن المدافع عن حقوق الإنسان أحمد منصور وآخر صوت حر في هذه البلاد قد كمّم فمه في مايو/أيار 2018 بحكم بالسجن لمدة عشر سنوات.
وقد حوكم معظم هؤلاء المعارضين بتهم من قبيل “التخريب” و”المساس بالوحدة الوطنية” و”نشر أخبار كاذبة”، في محاكمات وصفتها المنظمات غير الحكومية كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بأنها “محاكاة زائفة للعدالة”، حسب الكاتب.
وأشار بات إلى أن التعذيب وسوء المعاملة أمران متواتران في السجون الإماراتية حسب هذه المنظمات التي تفيد أيضا بوجود حالات من الاختفاء القسري، مؤكدا أن هذه الممارسات القمعية القاسية -التي اشتدت منذ ظهور الربيع العربي عام 2011- تمتد أحيانا إلى الأجانب.
وضرب الكاتب مثالا بالشاب البريطاني ماثيو هيدجز طالب الدكتوراه الذي كان يجري بحثا على السياسة الأمنية لدولة الإمارات، وقد اعتقل وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بتهمة التجسس قبل أن يعفى عنه ويطلق سراحه بعد بضعة أيام تحت ضغط من لندن.
إمبراطورية المراقبة الإلكترونية
وقد طورت الإمارات -حسب الكاتب- إمبراطورية للمراقبة والقرصنة إلكترونية إرضاء لهوسها بالتحكم في أنشطة خصومها الحقيقيين أو المفترضين كما جاء في تحقيق أجرته وكالة رويترز مؤخرا.
|
وأظهر تحقيق الوكالة المستند إلى شهادة محللين سابقين في الاستخبارات الأميركية يعملون في أبو ظبي مقابل رواتب خيالية -حسب الكاتب- كيف أن الإمارة تجسست على اتصالات المعارضين مثل أحمد منصور، وشخصيات بارزة كأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وحتى على الصحفيين الأميركيين.
وقال بارت إن “الإسلام المعتدل” حسب الموضة الإماراتية يحث على الالتزام بهذا الخط السياسي، كما يأتي في خطب وتغريدات أحد أبرز الدعاة في البلاد وسيم يوسف الذي يجسد عقيدة السلطات المناهضة للتطرف والمنتقدة لتجاوزات السلفيين الذين يتهمون بتشويه العقيدة الإسلامية.
لكن هذا الإمام الذي يتولى إدارة المسجد الكبير بأبو ظبي يهاجم أيضا الليبراليين، وكذلك أمير قطر والرئيس التركي إلى جانب إيران كما قال الكاتب، مع أن هذا الشيخ لم يسلم من الوقوع في بعض المنزلقات كما حدث في عام 2015 حين انتقد قرار بناء معبد “الكفار” الهندوس، مما أدى إلى عزله مؤقتا.
وختم الكاتب بأن الإسلام الذي تدعو إليه السلطات الإماراتية ليس مستنيرا بقدر ما هو غير شرعي، مؤكدا أن الطاعة لها الأولوية على التسامح.
المصدر : لوموند