عاطف دغلس-نابلس
بالنوع تميزت عملية المقاوم الفلسطيني أحمد جرار، تكتيك المكان والهدف والانسحاب دل على ذلك، وبالكم أيضا، بعدما مهدت الطريق لعمليات أخرى أرَّقت الاحتلال الإسرائيلي وأربكته، ولم يستطع بكل عدته وعتاده وضع حد لها.
في مثل هذه الأيام من العام الماضي نفذ الفلسطيني أحمد جرار من مدينة جنين شمال الضفة الغربية عملية عسكرية قرب نابلس وقتل مستوطنا إسرائيليا وانسحب من المكان وبقي مطاردا لـ25 يوما حتى وصل إليه الاحتلال وتمكن من اغتياله.
بعد أشهر وبالتحديد في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سلك الشهيد أحمد نعالوه درب جرار وأطلق من بندقية مصنعة محليا (كارلو) صوب ثلاثة إسرائيليين داخل مستوطنة بركان الصناعية قرب مدينة سلفيت، فقتل اثنين وجرح ثالثا.
طارد الاحتلال الإسرائيلي نعالوه لـ65 يوما، ليصل إليه ويقتله منتصف الشهر الماضي، وبالليلة ذاتها استهدف الاحتلال الشهيد صالح البرغوثي المتهم بتنفيذ عملية مستوطنة عوفرا قرب رام الله وجرح مستوطنين، ليرد شقيق صالح (عاصم البرغوثي) في اليوم التالي بقتل جنديين وجرح ثالث -حسب اتهام الاحتلال له- ولا يزال الاحتلال يطارده.
سرية عالية
وبين هذا وذاك، نفذت العديد من العمليات الفردية وتنوعت بين الطعن والدعس وإطلاق النار، وشكلت كل واحدة وقودا للأخرى، وهو ما جعل محللين وخبراء سياسيين وعسكريين -تحدثوا للجزيرة نت- يذهبون لترجيح تصاعد وتيرة تلك العمليات وزيادة حدتها.
يقول الخبير العسكري المتقاعد اللواء واصف عريقات إن نجاح العمليات فردية كانت أم ثنائية محصورة وغير متوقعة، وبالتالي استحالة تمكن أجهزة الأمن “أي كانت” من ضبطها، إضافة لتطور الأداء واستفادة الشباب الفلسطيني من الثغرات السابقة.
ويتمتع منفذو العمليات كذلك بحس أمني عال، فلا يستخدمون وسائل الاتصال الحديثة، إضافة “للسرية والمكتومية” -حسب وصف عريقات- في العمل بنطاق ضيق ودراسة الهدف بشكل جيد ومعرفة أساليب العدو، مما يعني تلافي الوقوع بقبضته.
ورغم صعوبة التكهن بشكل وهدف المقاومة الفردية وتصاعدها، فإن عريقات يرى أنه إذا استمرت إسرائيل “بالتفنن” بتعذيب الشباب الفلسطيني فإنه سيرد عليها بتفنن أيضا في عملياته.
لكن الضفة الغربية لم تهدأ منذ أربع سنوات حيال هذا الشكل الفردي من المقاومة، حسب الباحث بالشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد الذي يقول إن هذه العمليات أصبحت “ثقافة” لدى الفلسطينيين، لا سيما أن منفذيها لا يتبعون لأحد وليس لهم تواصل تنظيمي وإنما يتبنون المقاومة كفكر وقناعة، وهو ما جعلها تصبح مقاومة “نوعية”.
عجز الردع
وتوقع أبو عواد أن ترتفع حدة هذه العمليات، حسب جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك). ويقول إن كل ذلك مرده إغلاق الأفق السياسي والاقتصادي وتضاعف الاستيطان وتهويد القدس والأرض وازدياد القمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين عبر تصعيد العقاب الجماعي.
وأمام هذا تقف إسرائيل “عاجزة” هي وأجهزة الأمن الفلسطيني بحكم التنسيق الأمني، عن وقف مثل هذه العمليات بالكامل، وفق أبو عواد الذي يعتبر أن نسبة ضبطها لا تتعدى 70% مهما استخدم الطرفان من وسائل لردع المقاومين.
وأحد أسباب ذلك هو احتضان الضفة الغربية للمقاومة واستنفاد إسرائيل لنحو 90% من وسائلها العقابية ضد المقاومين وذويهم وعموم الشعب الفلسطيني، حسب أبو عواد.
وأكثر من ذلك، فقد ذهبت محكمة العدل العليا الإسرائيلية للإقرار بأن مزيدا من الضغط على الفلسطينيين يزيد في ردة فعلهم، وبالتالي زاد احتضانهم للمقاومة والاحتذاء برموزها.
وفي معلومة أمنية نشرها الإعلام الإسرائيلي، فإن عام 2018 شهد ارتفاعا ملحوظا بعدد عمليات الطعن وإلقاء الزجاجات الحارقة، بينما شهد انخفاضا في معدل عمليات إلقاء الحجارة مقارنة بالعام الماضي.
في حين تساوت عمليات إطلاق النار مع العام 2017 وأدت لمقتل تسعة مستوطنين وسبعة جنود، إضافة لإصابة نحو مئتي مستوطن وجندي.
احتضان وتأييد
وعن وصف الاحتلال هذه العمليات “بالذئب المنفرد”، يقول المحلل السياسي الفلسطيني راسم عبيدات أن هذا سيصعدها مقللا من قدرة الاحتلال والسلطة الفلسطينية على منعها، فهي تُنفذ بعيدا عن الفصائل وبقرار ذاتي يجعل من الصعب التنبؤ بها أو جمع معلومات استخبارية عنها.
وتوقع عبيدات أن يتصاعد نتيجة لذلك “العقاب الجماعي” للفلسطينيين، وتزايد اعتداءات المستوطنين “المنفلتين من عقالهم”، مضيفا أن كل ذلك يأتي في إطار المزايدات والتنافس على الصوت “الصهيوني” لتحصيل أكبر عدد من المقاعد في الكنيست.
وفي خضم كل هذ التحليلات، تصدح أغنية رثاء للشهيد أحمد جرار على وقع ألحان التراث الفلسطيني “يا ظريف الطول أحمد يا جرار.. خبر المحتل الحبل على الجرار” وكأنها تقول إن مزيدا من العمليات قادم.
المصدر : الجزيرة