تقول الكاتبة لينا الخطيب إن قمة مجموعة العشرين الأخيرة كشفت أن العلاقات الدولية في الشرق الأوسط قد تجاوزت العلاقات الأحادية أو الثنائية، وإنها أصبحت تتميز بالبراغماتية، وإنه لا منتصر في ظل هذا السياق.
وترى الكاتبة -وهي مديرة مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت– في مقال نشرته لها مجلة ميدل إيست آي البريطانية أن البراغماتية في هذا السياق تعني أنه ينبغي للدول المعنية أن تتحالف مع بعضها بعضا ضمن قضايا معينة، لكنها تتنازع بشأن بعض القضايا الأخرى.
وتشير إلى أن الدول التي اعتادت على السيطرة قد فقدت سلطتها بشكل ملحوظ، إذ أصبحت الدول الأقل شأنا تضطلع بالأدوار الكبرى، مضيفة أنه لم تعد الدول والمنظمات الأوروبية مثل المملكة المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي تتحكم في جدول أعمالها لتنظيم علاقاتها مع دول الشرق الأوسط.
كما أن اعتماد الدول الأوروبية أو ارتباطها بعقود اقتصادية مع دول الخليج يعيقها عن التدخل في الشؤون الخليجية، وتدخلها في الصراع السوري كان بالأساس نتيجة لأوامر الولايات المتحدة.
وفي ظل اقتراب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن من المرجح أن تنتقل السلطة أيضا بعيدا عن مركزية الغرب.
منافسة مباشرة
وتضيف الكاتبة أن هذا التراجع الأوروبي النسبي أسهم في تمهيد الطريق أمام الأطراف المحلية حتى تلعب دورا أساسيا، فتركيا -خصوصا- اتخذت من الصراع السوري فرصة لزيادة نفوذها الإقليمي، مما جعلها في منافسة مباشرة مع السعودية.
وعلى الرغم من أن هذين البلدين لم يتمكنا من استغلال الصراع السوري لمصلحتهما، فإن الضغط الدولي الحالي المسلط على السعودية يفتح أمام تركيا أبواب فرصة جديدة.
كما أن اهتمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقضية جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يكشف عن رغبة تركيا في افتكاك مكانة السعودية الرائدة في العالم الإسلامي السني.
ورغم المواجهات التي جرت بين الجماعات المسلحة المدعومة من جانب كل من تركيا وإيران على الأراضي السورية، فقد كانت براغماتية أنقرة هي الطاغية في هذه العلاقة الثنائية.
قتل خاشقجي
وتشير الكاتبة إلى أن جريمة قتل خاشقجي تزامنت مع إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران، إذ كانت تركيا من أوائل منتقدي هذه العقوبات، وأعلنت أنها ستحافظ على علاقاتها الاقتصادية مع إيران.
ويشير قرار تركيا إلى أنها تتطلع فعلا إلى جعل الشرق الأوسط مكانا تكون فيه إيران هي القوة الإقليمية الشيعية السائدة، وتركيا هي القوة السنية السائدة.
غير أن موقف الولايات المتحدة المتشدد تجاه إيران سيجعل مهمة تركيا في هذا السياق أكثر صعوبة، إضافة إلى أن واشنطن تسعى لفرض ضغط مالي كاف على إيران لإجبارها على تقديم تنازلات سياسية وعسكرية في الشرق الأوسط، وذلك حتى تجعل من طهران عبئا اقتصاديا وسياسيا لحلفائها.
وتضيف أن التحالف الروسي الإيراني في سوريا يعتبر بمثابة خطوة براغماتية من شأنها أن تخدم المصالح الشخصية لكلتا الدولتين في الوقت الحاضر، ولكن ليس على المدى البعيد.
روسيا وسوريا
وتشير إلى أن وضع روسيا في سوريا ليس مريحا كما تدعي. كما أن موسكو لا ترغب في الضغط على إيران اقتصاديا نظرا لأن ذلك سينعكس عليها في نهاية المطاف بشكل سلبي.
بالإضافة إلى ذلك، لا ترغب روسيا في أن تبقى قواتها العسكرية على الأراضي السورية إلى أجل غير مسمى.
ثم إن الولايات المتحدة تملك فرصة لاستغلال حالة عدم الارتياح الذي تشعر به روسيا، وذلك حتى تتمكن من التوصل إلى تسوية سلمية لحل الأزمة السورية والشروع في إجراء محادثات ثنائية، وهو ما من شأنه أن يدفع روسيا للقيام بتنازلات في سوريا مقابل القبول الضمني بوضعها العالمي.
وتضيف الكاتبة أن الولايات المتحدة تحتاج كذلك إلى القيام ببعض التنازلات في سوريا حتى تتمكن من إرضاء تركيا وضمان مصالحها الوطنية، لا سيما فيما يتعلق بمخاوف أنقرة من صعود الأكراد إلى السلطة في سوريا.
ولو قامت الولايات المتحدة بمثل هذه الخطوات الجريئة تجاه روسيا وتركيا، وزادت من تصعيد عدائها نحو إيران، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن هناك دولة واحدة بعينها ستبرز “قائدة” في منطقة الشرق الأوسط أو العالم الإسلامي.
وتختتم الكاتبة بأن أيام الطموح نحو تحقيق العلاقات الأحادية أو الثنائية قد ولّت، وأنه بدلا من ذلك، ستستمر التحركات البراغماتية في تحديد قواعد العلاقات الدولية في الشرق الأوسط.
المصدر : ميدل إيست آي,الجزيرة