الجزيرة نت-خاص
قبل سنوات عديدة كان العداء طه يحجز لنفسه مكانا متصدرا في عدد كبير من منافسات العدو المحلية والإقليمية وحتى الدولية، بيد أن المطاف انتهى به أخيرا حمال بضائع على الحدود العراقية الإيرانية.
وسط جبال وعرة على الحدود وفي ظروف مناخية وجغرافية قاسية تتساقط فيها الثلوج بكميات كبيرة ينشط طه وعدد آخر من الشباب والرجال في نقل البضائع لتأمين أبسط مقومات حياتهم.
ولد طه في عائلة فقيرة مؤلفة من سبعة أشخاص قرب مدينة مريوان الكردية في إيران، وشارك عام 2014 في مسابقة وطنية للعدو نال فيها المرتبة الثانية، ثم شارك لاحقا في مسابقة آسيوية للعدو أقيمت في اليابان حصل فيها أيضا على المرتبة نفسها، وفقا لوكالة أنباء “إيلنا” الإيرانية.
ترك الرجل خلف ظهره تاريخا رياضيا زاخرا كسب خلاله ثلاثين ميدالية دولية ووطنية، واضطر للعمل حمال بضائع مهربة عبر السلسلة الجبلية التي تقطع الحدود الإيرانية العراقية.
حمالو البضائع يتحركون وسط تحديات جغرافية وبيئية وأمنية عصيبة (الجزيرة) |
لا يختلف حال طه عن حال الكثير من الشباب والرجال العاطلين عن العمل في كردستان إيران التي تقطعت بهم سبل الحياة ودفعت بهم البطالة والفقر إلى مثل هذه المهن الخطيرة بحثا عن لقمة العيش.
مخاطر جمة
وعلى الرغم من أن هذه “المغامرات” كانت في بداياتها ممارسات فردية محدودة فإنها تحولت مع الوقت إلى مهنة لها قواعدها ورجالها وبات يطلق على أصحابها مصطلح الـ”كولبر”، خصوصا في منطقة الحدود الكردستانية الإيرانية والكردستانية العراقية وكذلك بين البلوشستانين الإيرانية والباكستانية.
وتعتبر الـ”كولبر” من أخطر الأعمال التي يقوم بها الفرد، حيث يخاطر بحياته في طرقات جبلية وعرة وثلجية وسط مخاطر كثيرة، فحمالو البضائع (أو المهربون) يعبرون بتأن وحذر بين حقول ألغام خلفتها الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي.
ولئن استطاع المهرب التغلب على وعورة الطريق وتجاوز الظروف المناخية الصعبة ونجا من مخاطر الألغام التي ما زالت تفتك بضحاياها من حين لآخر فقد لا ينجو من الوقوع في شرك حرس الحدود المنتشرين على الشريط الجبلي الممتد على الحدود بين البلدين.
ونظرا لانتشار الفقر وقلة الفرص ومحدودية الدخل توشك مهنة “التهريب” على الحدود أن تتحول إلى مهنة متوارثة يسلمها الآباء للأبناء كما يقول أحمد رمضاني أحد حمالي البضائع لوكالة أنباء إيرنا “ذات مرة سقطت، ووقعت البضائع على ظهري، انكسر عمودي الفقري، وهو ما أجبر ابني على ترك المدرسة والالتحاق بهذا العمل الخطر، ليعيلني وأفراد العائلة المكونة من ستة أفراد”.
لا فرق هنا بين المتعلم وغيره، فالكثير من خريجي الجامعات وحملة الشهادات العليا يقومون بهذا العمل حالهم كحال غير المتعلمين أو الذين لم يكملوا دراستهم بعد.
وعود حكومية
أعلنت الحكومة أكثر من مرة دعم الحمالين عبر إجراءات، من بينها إيجاد طرق آمنة للتنقل أو منحهم رخص عمل وبطاقات تأمين، ولكن تلك الإجراءات لم تدخل حيز التنفيذ بشكل كامل أو مدروس، مما ألقى على الـ”كولبر” أعباء إضافية.
وأدى عدم تنفيذ الوعود الحكومية وسقوط المزيد من القتلى والجرحى بين الحمالين إلى انتقادات عديدة، فقد اعتبر جلال محمود زاده نائب مدينة مهاباد الكردية في البرلمان الإيراني في حديث لوكالة أنباء البرلمان أن الظروف القاهرة هي ما دعت هؤلاء الحمالين لمثل هذه المخاطر.
وخاطب محمود زاده أحد الوزراء قائلا “إذا كنتم حقا تريدون مكافحة التهريب فلا بد من مراقبة الجمارك والموانئ الرسمية في البلد، حيث يأتي نحو 99% من مجموع عمليات التهريب، بينما لا تشكل بضائع الكولبر سوى 1% من النسبة الإجمالية من عمليات التهريب، وغالبا تكون البضائع المهربة من طرفهم ألبسة وسجائر وشاي ومكسرات”.
ويشير أمير أرسلان خضري مؤلف كتاب “بيدا وبنهان كولبري” (ظاهر وباطن الكولبر) في تصريح للجزيرة نت إلى أن “التنمية غير المتوازنة والتركيز على وسط البلد على حساب تهميش سكان الحدود يمثلان أحد أهم أسباب البطالة وأحد أبرز العوامل الدافعة لاستمرار هذا العمل القاسي”.
المصدر : الجزيرة