ترشح الممثل الأميركي الشاب تيموثي تشالاميت منذ أيام قليلة لجائزة الغولدن غلوب عن أحدث أدواره في فيلم “ولد جميل” (Beautiful Boy) إنتاج 2018، والذي مثل فيه دور الشاب نك شيف الذي يعاني من إدمان المخدرات.
نك ووالده ديفد بطلا الفيلم مبنيان على أشخاص حقيقيين خاضوا المعاناة ذاتها التي خاضتها الشخصيتان على الشاشة، وكل منهما خرج من التجربة العسيرة بكتاب يقدم فيه خبرته، وهي نقطة البداية التي تلقفها المخرج فيليكس فان جروينيجن ليعمل بمساعدة لوك دايفيس على كتابة سيناريو الفيلم.
البداية
يبدأ الفيلم بسؤال يطرحه الأب الصحفي على طبيب يظنه قادما لعمل حوار معه، لكنه يوضح أنه هنا بصورة شخصية ليتعرف أكثر على هذا الشبح المرعب الذي هيمن على حياته وحياة ابنه، ويكاد يحطم عائلته مخدر الميثامفيتامين الذي يعتبر أكثر المخدرات خطورة وذا تأثيرات على صحة المتعاطي قد يصعب علاجها.
يأخذنا هذا السؤال إلى علامة استفهام أخرى، هي: لماذا؟ وهو السؤال الذي يدمر الأب ويحاول الرد عليه طوال الأحداث، لماذا قرر ابنه الأكبر الشاب الجميل الذي يحب الرسم والكتابة والقراءة وممارسة الرياضة ترك كل ذلك وإدمان المخدرات وتدمير حياته؟
يجيب الابن في إحدى المرات “حياتي تغيرت من الأبيض والأسود للألوان عندما جربت الميث لأول مرة”، وهو يقضي وقته الآن بحثا عن المخدر لإيجاد لحظة التحول السحرية تلك مرة أخرى.
ولكن خلف هذه الإجابة التي قد تكون مرضية بصورة أولية تقبع إجابات أخرى مخفية نستكشفها خلال الأحداث بشأن دور الأسرة في توجه نك إلى الإدمان، هل كان لطلاق أبويه يد في ذلك؟ والأهم دور ذات الأسرة في إخراجه من هذه الهوة التي تجذبهم جميعا إليها.
دائرة مكتملة من المعاناة
على الرغم من أن الأزمة الحقيقية للفيلم تنبع من نك شيف الابن المدمن فإن السرد أغلب الوقت يأتي من وجهة نظر الأب ديفد الذي يعاني من مشاعر عدة تمثل ما يشبه الدائرة المكتملة، بدأت بالإنكار عندما عرف بإدمان ابنه، ثم الشعور بالذنب لأنه لم يشعر بالأمر إلا بعدما تحول إلى كارثة وخرج نك عن السيطرة، ثم محاولات مساعدة الصغير وإرساله إلى مصحة لعلاج المدمنين، ليغلب عليه الشعور بالأمل قبل أن ينكسر مرة أخرى عندما يتعرف على حقيقة ستصبح راسخة في عالمه بعد ذلك وهي “الانتكاس” لتبدأ الدائرة من جديد هكذا دواليك حتى يصل في النهاية إلى النقطة التي كسر بها هذا النمط الذي كاد يكلفه عائلته، ويعرف أن المساعدة الدائمة التي يقدمها لولده في هذه المرحلة لم تعد مجدية، والرغبة في الخلاص يجب أن تنبع من نك ذاته.
ولكن جروينيجن لم يكن هدفه فقط متابعة محاولات علاج نك، بل مساعدة المشاهد في إيجاد إجابة للسؤال الأهم “لماذا؟”، لذلك عبر المونتاج المتوازي انتقلنا بالزمن مرارا وتكرارا بين الماضي والحاضر لتكوين صلات بين النتائج والأفعال.
فعندما يكتشف الأب إدمان ابنه على المخدرات نعود بالزمن عبر “فلاش باك” إلى ذكرى إصرار الابن على تدخين الماريغوانا معه احتفالا بأحد إنجازاته المدرسية وقبوله بعد تردد ذلك مخالفا لدوره كوالد من المفترض أن يمنع ابنه من القيام بذلك سواء في غيابه أو حضوره، بالنسبة لديفد في الماضي هي محاولة للتواصل مع ابنه البارز الناضج، وفي الحاضر تلك سقطة كبيرة اعتبرها حجر الأساس في شعوره بالذنب تجاه صغيره.
يتم إيضاح قوة علاقة الأب والابن أيضا باستخدام المونتاج “والفلاش باك” فنجد كلمات صغيرة تقال في الحاضر لها تأصيل في الماضي، فكلمة “كل شيء” (Everything) التي يرددها الأب وابنه في كل مرة يلتقيان أو يفترقان فيها ليست مجرد لزمة تتكرر بينهما، بل بالرجوع إلى الماضي نتتبعها ونعرف أن الأب والأم منفصلان، وكان على الصغير التنقل بين سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس من حين لآخر، وفراق الأب كان أليما على الصغير فجاءت هذه الكلمة في إحدى المرات تعبيرا عن حب الأب لابنه حبا يفوق حبه لأي شيء آخر في الحياة.
لم يكن هدف المخرج متابعة محاولات العلاج بل المساعدة في إيجاد إجابة “لماذا؟” (مواقع التواصل الاجتماعي) |
الأسرة هي السؤال والجواب
قدم الفيلم صورة صادقة للكتابين المقتبس منهما، أخذ أهم التفاصيل ووضعها عبر رؤيته الخاصة للحالة التي يقدمها، لكنه التزم نهج طرح الأسئلة دون تقديم إجابات شافية لها، وترك مساحة للتفاعل والتفكير للمشاهد، خاصة عند إجابة السؤال “لماذا؟”، فهو لم يخبرنا بصورة واضحة هل يرجع الأمر لانفصال الوالدين، والحياة الممزقة التي عاشها أم كانت هناك أسباب أخرى؟
بينما في الكتابين واللقاءات التلفزيونية نجد الأمر أوضح من ذلك، فقد عانى نك من النوع الأسوأ من الاكتئاب الذي فيه يتصرف الشخص بصورة عادية، بل قد تكون ممتازة لكن من الداخل هو ممزق وحزين.
ففي سن الرابعة انفصل والدا نك وعانى من التنقل والحيرة بين المنزلين والأبوين، ولكن ظل ظاهريا يحرز أفضل الدرجات المدرسية وكابتن فريق البولو المائي، ولكنه في سن الـ11 تناول الكحول لأول مرة ليبدأ من ذلك الوقت رحلة إدمانه مختلف الكحوليات والمخدرات حتى وصل إلى الميث الذي كان بداية النهاية والتدهور واكتشاف والده.
يقول نك عن نفسه في طفولته “العالم بالنسبة لي كان قاسيا وصعب التعامل معه، شعرت باليأس وبدأت أشرب الكحول ولم أستطع التوقف بعد ذلك، لقد أحسست دوما بأنني قبيح وضعيف ومثير للشفقة، مريض وكأن هناك شيء خطأ بي، كرهت نفسي واحتجت دوما إلى النشوة فقط لأهرب من هذا الإحساس”.
وفي حديث تلفزيوني أشار ديفد شيف إلى شعوره الدائم بالذنب تجاه ابنه، وقال إن ذلك أمر طبيعي بالنسبة للوالد الذي يشعر دوما أن أي خطب يصاب به الابن هو خطؤه في البداية، واعترف خلال كتابه بأنه تمنى لو اكتشف إدمان ابنه مبكرا، ولكن في ذات الوقت فقد قدم أكبر قدر ممكن من الدعم لصغيره حتى استطاع الخروج من الأزمة بعد سنوات من الشقاء.
يذكر أن فيلم “ولد جميل” عرض لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي، ثم في الولايات المتحدة في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومن المتوقع أن يحظى تشالاميت بالترشيح الثاني للأوسكار للعام الثاني على التوالي بعد ترشحه العام الماضي عن فيلم “نادني باسمك” (Call Me By Your Name).
المصدر : الجزيرة