خالد شمت-برلين
أعطى الخلاف بين الحكومة الإيطالية الشعبوية والمفوضية الأوروبية بشأن مشروع الميزانة الجديدة للبلاد؛ زخما للمخاوف المثارة منذ سنوات بخصوص تسارع وتيرة إفلاس ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا، وتحطيم مشروع العملة الأوروبية الموحدة (يورو).
وفي إجراء يعتبر الأول بتاريخ الاتحاد الأوروبي، رفضت المفوضية الأوروبية قبل أيام، مشروع الائتلاف الحاكم في روما لميزانية عام 2019، واعتبرت أنه يتجاوز المعايير الأوروبية لحد بعيد، ويرفع معدلات العجز إلى 2.9% العام المقبل وإلى 3.1% عام 2020، وبذلك يهدد بإغراق إيطاليا في عدم الاستقرار.
ورفضت الحكومة الإيطالية -المشكلة من اتحاد الشمال اليميني المتطرف وحركة “خمسة نجوم” الشعبوية- مطالبة بروكسل لها بتصحيح ميزانيتها، فردت المفوضية بتمهيد الطريق لفرض عقوبات مالية على إيطاليا يمكن أن تصل إلى 0.2% من ناتجها المحلي الإجمالي.
فشل اقتصادي
وتتربع إيطاليا على ما يوصف بجبل هائل من الديون، إذ تجاوزت ديونها البالغة 2.3 تريليون يورو نسبة 132% من إجمالي ناتجها المحلي، وتعادل ثلث الديون السيادية لكافة دول منطقة اليورو.
وبموازاة اقترابها من حافة العجز عن خدمة هذه الديون، تعاني إيطاليا من هبوط كبير في إنتاجها الصناعي، وانكماش اقتصادي مستمر، وتراجع موارد الدولة مقابل زيادة كبيرة ومستمرة في الرواتب، وفشل في تحقيق نمو اقتصادي وفي إصلاح ميزانيتها.
ودفع هذا الأداء السيئ الذي وضع البلاد في مواجهة الإفلاس عام 2012 ونشوء أزمات اجتماعية حادة، حكومات روما السابقة إلى التعهد بالتزام المعايير التي وضعتها لها المفوضية الأوروبية، وهو ما تجاهر الحكومة الشعبوية الحالية بنقضه بإعلانها عزمها تنفيذ برنامج إنفاق حكومي باهظ الكلفة.
وبدلا من تعهدها بخفض نفقاتها وتنفيذ إصلاحات، ضمّنت الحكومة الإيطالية مشروع ميزانيتها لعام 2019، خفضا لسن التقاعد وزيادة الرواتب التقاعدية، ومنح راتب أساسي للفقراء والعاطلين، وخفض الضرائب وزيادة النفقات الحكومية والتوسع في تمويلها عبر زيادة الديون.
بالمقابل ومع تمسك الائتلاف الشعبوي الإيطالي الحاكم بمشروع ميزانيته الجديدة ورفضه تصحيحها، وتلويح بعض سياسييه بخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، طالب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الاتحاد بالحزم مع إيطاليا لتجنب تعريض مشروع اليورو للخطر.
أزمة خطيرة
وحذر عدد من أبرز الخبراء الاقتصاديين الألمان من أن تفضي هذه المواجهة بين روما وبروكسل، بموازاة اقتراب وكالات التصنيف الائتماني من خفض تصنيف إيطاليا، إلى زيادة فوائد الديون المتراكمة على هذا البلد، وتسريع وتيرة إفلاسه، ووضع الاتحاد الأوروبي في مواجهة تداعيات أزمة مالية خطيرة، تتضاءل أمامها أزمة الديون السيادية اليونانية عام 2010.
ويؤشر الحجم الكبير للاقتصاد الإيطالي البالغ عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني؛ على صعوبة بل واستحالة قدرة الاتحاد الأوروبي على إنقاذه مثلما فعل مع أثينا.
ويهدد خروج بريطانيا المتوقع من الاتحاد الأوروبي يوم 29 مارس/آذار 2019 بتراجع ترتيب الاتحاد من ثاني إلى ثالث قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
وإضافة إلى هذا الضرر المفترض، مُني الاتحاد حاليا بخسارة كبيرة في إيطاليا حيث تراجع التأييد له بين السكان إلى حدود غير مسبوقة.
ولفت خبيران اقتصاديان ألمانيان إلى أن العجز الكبير في الموازنة الإيطالية، يمكن أن يؤدي سريعا إلى عجز حكومة الائتلاف الشعبوي عن الاقتراض من الأسواق العالمية لتمويل خطط إنفاقها الكبير، وانتقال تداعيات أزمة إفلاس البلد إلى دول أوروبية أخرى أقرضت إيطاليا مئات مليارات اليوروات.
ورأى خبير البورصات البروفيسور ماكس أوته أن تفجير الاقتصاد الإيطالي العليل لأزمة مالية أوروبية جديدة تسفر عن تحطيم اليورو، بات مسألة وقت.
وقال أوته في مقابلة مع مجلة “فوكوس موني” الاقتصادية الألمانية إن صندوق النقد الدولي رفض مساعدة إيطاليا، بينما لا يمكن لآلية الإنقاذ الأوروبي الدائم بسبب محدودية ميزانيتها؛ من تقديم مساعدة.
المصرف المركزي الأوروبي طالب إيطاليا بالالتزام بقواعد التقشف كشرط لشرائه سنداتها الحكومية (الجزيرة) |
خياران مستحيلان
وأشار أوته إلى أن مطالبة المصرف المركزي الأوروبي إيطاليا بالالتزام بقواعد التقشف كشرط لشرائه سنداتها الحكومية، مرفوض من الائتلاف الحاكم.
وذكر أن حدوث هلع في الأسواق المالية تجاه هذه السندات الحكومية التي أصبحت مرتفعة المخاطر وغير مرغوب فيها عالميا؛ من شأنه تسريع إفلاس إيطاليا، وتحول قروض بمئات المليارات مستحقة لألمانيا وفرنسا وإسبانيا على روما إلى ديون معدومة.
من جانبه اعتبر الخبير بالشؤون الاقتصادية للاتحاد الأوروبي ديريك بونزا أن وصفة المفوضية الأوروبية من شأنها أن تفاقم الأزمة الإيطالية لأنها لا تقدم إلا الخطوط الحمراء.
وأوضح أن الحكومة الإيطالية الشعبوية ليس أمامها إلا خياران مستحيلان، هما الاستسلام وقبول برنامج التقشف الأوروبي الذي سيزيد البؤس، أو الهلاك.
وخلص بونزا إلى أن العقوبات المالية التي أعلنت عنها المفوضية إن لم تثر هلع الأسواق المالية وإفلاس روما نتيجة لذلك، فإنها ستؤدي إلى ضرر سياسي خطير هو تقوية شوكة اليمينيين والشعبويين الإيطاليين في انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة في مايو/أيار المقبل.
المصدر : الجزيرة