هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة – الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
فيما ما زال البحث مستمراً عن جثمان الصحافي السعودي المغدور جمال خاشقجي، طفت إلى سطح نهر هدسون في مدينة نيويورك جثتا الأختين المفقودتين السعوديتين روتانا وتالا الفارع. قنصلية المملكة العربية السعودية في نيويورك سارعت إلى حث الرأي العام والإعلام الأميركي على عدم التسرع في إصدار التحليلات قبل انتهاء التحقيق، فيما أكّدت سفارة المملكة في واشنطن في بيان مقتضب، مبادرتها إلى الاتصال بأسرة الفتاتين “لتقديم ما يلزم من الدعم في هذا الوقت العصيب”.
البيان لم يرد على ما تناقلته وسائل الإعلام الأميركية والعالمية، بأن والدتهما كشفت قبل العثور على الجثمانين بيوم واحد تلقيها اتصالا “غامضا” من السفارة “أمر” الأسرة بمغادرة الولايات المتحدة على الفور والعودة إلى السعودية، إذ ادّعت بعض الوسائل الإعلامية أن روتانا (٢٢ ربيعا) وتالا (١٦ ربيعا) قد طلبتا اللجوء “السياسي” إلى أميركا، وهو ما لم يتم تأكيده حتى الساعة.
الإعلام السعودي على نحو مغاير لقضية خاشقجي، سارع إلى تغطية الحدث من بداياته الأولى، لكن الصور التي اختارها للفقيدتين كانتا مغايرتين لهيئة وحالة الصور التي نشرتها شرطة نيويورك والصحافة الأميركية، بلباس غير تقليدي.
ففي الخامس والعشرين من شهر أكتوبر / تشرين الأول، نشرت شرطة نيويورك رسمين تقريبيين للمفقودتين (حينها) روتانا وتالا. أما الصورة الأكثر وضوحا في تفاصيلها وهيئتها، فكانت “سيلفي” عبر مرآة، اتخذته إحدى الأختين لهما سويا وهما في حال تبدو فيها السعادة.
تعقبت الأمور من موقع الحدث – نيويورك – حتى عادت إلى منطقة سكن الأختين ووالدتهما مقاطعتي فيرفاكس وفولز تشيرش بضواحي العاصمة الأميركية واشنطن. فالأخت الكبرى طالبة في جامعة جورج ميسون بمدينة فيرفاكس، وسجلات المقاطعة أشارت إلى أن الأختين منحتا في السابق ملاذا آمنا لضحايا العنف المنزلي أو من يخشون على أنفسهم من وقوع عنف أسري. السلطات المحلية لم تفصح عن أي معلومات بخصوص الشقيقة الصغرى كون الأمر محظورا من الناحية القانونية في الولايات المتحدة، احتراما لخصوصية من هو أقل من 18 عاما في حال التحقيق الجنائي.
المسألة كما اتضح من تصريحات وما تناقله الاعلام خليط مثير أضفى على اللغز مزيدا من الغموض، سيما وأن من بين التعليقات الواردة على سلسلة التغريدات الطويلة باللغتين العربية والإنجليزية لتغريدة شرطة نيويورك، ربط جثماني الفقيدتين على هيئة صليب فيما قالت الشرطة إنهما كانتا مشدودتي الوثاق بشريط لاصق عند القدمين والخصرين..
كما وأن التحقيقات الأولية سارعت إلى نفي فرضية ألمح بها البعض وهو الانتحار الثنائي. السقوط من على جسر جورج واشنطن الشهير على نهر هدسون أحد معالم نيويورك الرئيسية سيتسبب بإحداث علامات لا سبيل إلى طمسها من الجثة، الأمر الذي يعني أن من أراد تضليل العدالة بسيناريو الانتحار يفتقد إلى أبسط قواعد علم الطب الشرعي. والمسألة بذلك لا تكون انتحاراً عبر السقوط وإنما انتحار على ضفاف النهر بعد انتهائهما من توثيق جسديهما!
أما مسألة هيئة الصليب، فتلك مفتوحة على تفسيرات متضاربة تدخل هي أيضا بدوافع القاتل.
لكن خيالا مريضا من هذا النوع يعيد إلى الأذهان قصة العراقية المغدورة في ولاية كاليفورنيا قبل 6 سنوات شيماء العوادي التي اتضح قتلها بيدي زوجها ضربا حتى الموت وقد أوحى كذبا وتضليلا يومها للصحافة – المتعطشة لقصص الوافدين والمهاجرين – بأن المغدورة ضحية العنصريين البيض الكارهين للمهاجرين المسلمين. حتى أبناء المغدورة الخمسة انخدعوا مع “فورة الدم وتحت وطأة الفاجعة” بالرواية المشفوعة ببيان تهديد ووعيد “مفبرك” عُثر عليه إلى جانب جثة شيماء والتي جاء فيها “أنتم إرهابيون عودوا إلى بلادكم”.
الفيصل بين هذه السيناريوهات في نظري، هو ذلك الاتصال الذي كشفت عنه الأم من السفارة السعودية في واشنطن، لكن وفي ضوء احتمال تغير روايتها أو تغييرها، فإن صور كاميرات المراقبة في نيويورك باعتقادي تحفظ ذاكرتها لا تشطبها ذاتيا كما قيل في “مشاجرة” القنصلية في إسطنبول!
أخيرا، وفي محاولة الإجابة على التساؤل المطروح بقوة هل هي حملة ظالمة ضد السعودية أم جرائم “مارقين” هواة أم مجرد حظ عاثر؟ أقول إن ما بعد السادس من نوفمبر سيحمل الكثير من الإجابات التي قد تغادر عالم التلميح إلى التصريح. ثمة شيء ما في الأفق.. ربنا يستر!