مروان الجبوري-بغداد
لم يكد صيف العراق ينقضي وتخف وطأة الاحتجاجات التي فجرها سوء ملف الخدمات حتى أعلنت الحكومة العراقية توقيعها اتفاقيتين مع كل من شركتي سيمنز الألمانية وجنرال إلكتريك الأميركية، لتطوير قطاع الطاقة الكهربائية في البلاد.
ويأمل العراقيون أن تسهم هذه الاتفاقيات في حل أزمة الكهرباء التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من 15 عاما، غير أن الكثيرين منهم لا يبدون تفاؤلا بهذه الخطوة، بسبب فشل التجارب السابقة، التي صاحبتها وعود كثيرة لم تثمر عن إنجاز ذي شأن، كما يقولون.
ويقول الخبير الاقتصادي صالح الهماشي للجزيرة نت إن الحكومة العراقية ليست لديها إستراتيجية للنهوض بقطاع الطاقة، مضيفا أن العراق بحاجة إلى عشرة آلاف ميغاواط من الكهرباء، بتكلفة قدرها 15 مليار دولار، لكن المشكلة الحقيقية داخل مؤسسات الدولة نفسها.
ويتساءل “هل ستستطيع الحكومة الاستفادة من هاتين الشركتين لإصلاح هذا القطاع، ووضع خطة زمنية للإنجاز من دون تدخلات حزبية وسياسية أو حتى عشائرية؟”.
ويعتقد الهاشمي أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي هو رجل اقتصاد بالدرجة الأولى، ووفقا للبرنامج الحكومي الذي طرحه جاء تطوير الاقتصاد في مقدمة أولوياته، إلا أنه “لن ينجح على الأغلب” إذا بقي الحال على ما هو عليه اليوم.
موظفون في وزارة الكهرباء أثناء تجهيزهم لمحطة جديدة (الجزيرة) |
تحديات ومخاوف
وتواجه الحكومة العراقية الجديدة تحديات في عدد من المجالات، على رأسها ملف الخدمات الذي لم تنجح سابقاتها في حله، وكان سببا في كثير من الاضطرابات وحركات الاحتجاج الشعبية في الشارع.
ولم تعلن وزارة الكهرباء حتى الآن عن قيمة العقدين اللذين أبرمهما وزير الكهرباء السابق قاسم الفهداوي مع الشركتين، إلا أن خبراء اقتصاديين يؤكدون أن العراق بحاجة إلى إنفاق نحو 15 مليار دولار لإصلاح هذا القطاع الحيوي.
لكن الخبير الاقتصادي همام الشماع يؤكد أن ما تم التوقيع عليه حتى الآن هي مذكرات تفاهم لم ترق لتصبح عقودا، وهي عبارة عن “خريطة طريق” لكيفية معالجة مشكلة الكهرباء.
وتقول وزارة الكهرباء إنها وضعت برنامجا زمنيا لإصلاح قطاع الكهرباء يقوم على ثلاثة آماد، قصير ومتوسط وبعيد.
ويوفر هذا البرنامج حوالي عشرين ساعة من الكهرباء يوميا على المدى القصير، و24 ساعة على المدى المتوسط، أما الأمد البعيد فسيتضمن تغطية الاحتياجات بشكل متكامل وربما تصدير الطاقة إلى دول الجوار.
ويبقى نجاح هذه المهمة مرهونا بتوفير البنى التحتية الكاملة، من غاز ومشتقات نفطية وتهيئة المحطات الكهربائية بكافة مستلزماتها، كما يؤكد الشماع.
ضغوط أميركية
ولا يعتقد الصحفي الاقتصادي أحمد الطائي أن أزمة الكهرباء ستشهد حلا قريبا لعدة أسباب، فهذه المشكلة لا تتعلق بقلة التوليد والتجهيز فقط، وحتى لو تمكن العراق من توليد أكثر من ثلاثين ألف ميغاواط، فإن الكهرباء لن تصل إلى المواطنين باستمرار، على حد قوله.
ويعلل الطائي ذلك بالضعف الشديد للبنية التحتية للكهرباء، التي تفتقر إلى عناصر الإنتاج والنقل والتوزيع، فشبكات النقل والتوزيع مهترئة وقديمة جدا، و”أي عاصفة خفيفة ستطيح بأعداد هائلة من أبراج الكهرباء”.
فضلا عن أن خطوط النقل العالي الناقلة للكهرباء محدودة الطاقة والاستيعاب، وحتى لو زادت كمية الإنتاج فإن الكهرباء لن تتحسن ما لم تشمل المعالجة مرتكزات قطاع الطاقة بشكل عام.
وقد أشار تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إلى ضغوط مارستها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على بغداد من أجل الموافقة على الاتفاق مع شركة جنرال إلكتريك، للحد من فرص حصول الشركة الألمانية على قيمة العقد وحدها.
ورغم أنه لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن الموضوع يشير الطائي إلى أن جنرال إلكتريك فوضت جماعات ضغط أميركية للقيام بحملة إعلامية في بعض الصحف ووسائل الإعلام داخل الولايات المتحدة.
هذا الأمر لفت إدارة ترمب إلى أهمية توقيع العقد، وما ستجنيه الولايات المتحدة على مستوى التوظيف والأرباح وتسويق قطع الغيار، بينما سلكت شركة سيمنز طريق التفاوض المباشر مع الحكومة العراقية من دون أي ضغوط، حسب المصادر الحكومية.
فساد إداري
وينعكس ضعف التجهيز بالطاقة الكهربائية سلبيا على قطاعات واسعة في الدولة العراقية، خاصة الصحة والتعليم، إذ يعاني كثير من المستشفيات والمدارس من الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، رغم استثناء الحكومة لهما من تناوب القطع اليومي.
وتشير مصادر طبية محلية إلى وفاة أعداد من المرضى كل عام بسبب انقطاع التيار الكهربائي أثناء إجراء عمليات جراحية، أو بسبب الحر الشديد وانقطاع أجهزة التكييف في غرف المرضى، كما أن طلبة المدارس يشتكون باستمرار من كثرة القطع التي تحيل فصولهم إلى “حمامات ساخنة”.
وحسب الطبيب في مستشفى اليرموك الحكومي علي ياسر فإن التجهيز الحكومي للمستشفيات يبلغ حوالي 18 ساعة يوميا، وما يتبقى من ساعات تعوضها المولدات الكهربائية، إلا أن تعرضها للعطل أحيانا يشكل خطورة على حياة المرضى.
وفضلا عن ذلك فإن كثيرا من المستشفيات تشتكي من قلة تزويدها بمادة الكاز لتشغيل المولدات، وغالبا يكون ذلك بسبب الإجراءات الروتينية التي تعاني منها دوائر الدولة في العراق، وتعيق صرف استحقاقات المؤسسات الحكومية إلا عبر سلسلة طويلة من المراجعات والإجراءات، كما يشير الطبيب.
ويرى خبراء أن مشكلة الفساد المستشري في وزارات الدولة ومؤسساتها من أهم أسباب فشل مشاريع التنمية والخدمات في العراق وفي مقدمتها قطاع الطاقة، وما لم تتخذ الحكومة إجراءات رادعة بحق الفاسدين في وزارة الكهرباء فإن هذا القطاع لن يشهد أي تحسن.
المصدر : الجزيرة