“الإرباك الليلي”.. غزة تقاوم جنود الاحتلال بحرمانهم من النوم

856 views Leave a comment
“الإرباك الليلي”.. غزة تقاوم جنود الاحتلال بحرمانهم من النوم

أيمن الجرجاوي-غزة

يتقدم الشاب يوسف أبو الوليد (29 عامًا) بحذر شديد تحت جنح الظلام إلى المنطقة الحدودية بين قطاع غزة وإسرائيل شرقي رفح، ويرصد بعينيه حركة الجنود الإسرائيليين في المنطقة، قبل أن يُعطي لرفاقه إشارة للتقدم نحو ألفي متر، وهي مسافة أقرب منزل سكني إليه.

ما هي إلا خمس دقائق بعد التاسعة ليلًا حتى وصل نحو خمسين شابًا وفتى على متن ثلاثة “تكاتك” (دراجات نارية بثلاث عجلات)، وفور نزولهم بدأ بعضهم إشعال إطارات مطاطية على بُعد نحو مئتي متر من الحدود، في حين أطلق آخرون أصواتًا مزعجة من أبواق جلبوها معهم.

في تلك الأثناء، كان أبو الوليد يُوجّه خمسة أشخاص بإطلاق الألعاب النارية صوب الجنود المتمركزين خلف تلة رملية داخل الحدود الإسرائيلية، وآخرين لإشعال “سلك الجلي” والتُلويح به بحركة دائرية بأيديهم، ثم إطلاقه باتجاه الجنود.

يستعين الشاب بقضيب حديدي لنقل إطار مطاطي مشتعل قرب الحدود، ويُشجّع رفاقه على التقدم بحذر داخل أراضي المزارعين الفلسطينيين، لكن فجأة سُمع صوت انفجار، تبعه إطلاق نار كثيف؛ فاستلقى جميع الشبان على الأرض لوقت قصير، قبل نهوضهم لإكمال فعالياتهم.

شبان “الإرباك الليلي” يُشعلون الإطارات المطاطية ويُطلقون الألعاب النارية وألعاب الليزر باتجاه جنود الاحتلال (الجزيرة)

المهمة: الإزعاج
كانت تلك أصوات إطلاق قوات الاحتلال الرصاص الحي وقنابل الصوت والإنارة تجاه الشبان، وهم ضمن ما يُعرف بوحدة “الإرباك الليلي”، وتلك مجموعات تشكلت مؤخرًا لإزعاج الجنود الإسرائيليين على الحدود، وكسر الهدوء الليلي في المنطقة.

هذه الفعاليات جاءت ضمن تصاعد مسيرات العودة وكسر الحصار، بعد تعثّر جهود التهدئة التي ترعاها مصر، بين فصائل المقاومة وإسرائيل، عقب حديث عن قرب التوصل لاتفاق لتثبيت وقف النار مقابل رفع الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ 12 عامًا.

يقول “أبو الوليد” -الأب لطفلين- للجزيرة نت بعد عودته من وضع إطار مشتعل قرب الحدود؛ “هدفنا إرباك العدو، نريده ألا يعرف طعم النوم. كان الجنود يعودون إلى ثكناتهم بعد العصر، لكنهم الآن مضطرون للمبيت خلف التلال الرملية على الحدود خوفًا منا”.

ويُضيف “أودّع أولادي وزوجتي قبل مجيئي؛ فعودتي إلى المنزل ليست مضمونة. لدي شقيقان أُصيبا برصاص الاحتلال أثناء مشاركتهما بمسيرة العودة، لكن كل ذلك لا يُثنيني عن إرباك الاحتلال ليلا”.

تمويل ذاتي
يتقاسم شبان “الإرباك الليلي” ليالي الأسبوع؛ إذ يأتي الشخص يومًا بعد يوم، أو مرتين في الأسبوع، ويقولون إنهم لا يتبعون للتنظيمات، ويُموّلون أنشطتهم من جيبوهم الخاصة، أو عن طريق متبرعين.

أعضاء “الإرباك الليلي” يقولون إنهم لا يتبعون أي فصيل فلسطيني وإن تمويلهم ذاتي (الجزيرة)

أحمد أبو النور يقول إنه باع بعض الطيور التي يُربيها في منزله لشراء بعض مستلزمات “الإرباك الليلي”، ويبدو متيقنًا أن هذه الفعاليات ستؤتي أُكلها يومًا ما. 

يرتدي أبو النور (ثلاثون عامًا) حذاءً رياضيًّا وملابس فضفاضة ليكون على استعداد دائم للركض إما إلى الأمام أو الخلف، ويقود مجموعة من الشبان تردد على مقربة من الجنود شعارات منددة بالاحتلال.

ورغم تعلّق الشاب كثيرًا بطفله الوحيد، الذي جاءه بعد ست سنوات من الزواج، فإنه يقول للجزيرة نت إن “الأرواح تهون من أجل العيش بكرامة، وكسر الحصار عن المرضى والجرحى والطلاب”.

لا يُحبذ الشبان الاقتراب كثيرًا من الحدود للحفاظ على حياتهم، فمهمتهم إزعاج الجنود، وليس اقتحام الحدود، وتلك فعاليات لن تتوقف، وفق “أبو النور”، حتى يُرفع الحصار، مضيفًا “نحن طلاب حياة وليس الموت، وإما العيش بكرامة أو الموت شهداء”.

ويُسلط الجنود أضواء مركباتهم العسكرية تجاه الشبان لكشف تحركاتهم، لكن مقابل ذلك يُطلق شبان يعملون ضمن ما تُعرف “بوحدة الزواري” قنابل إنارة محلية الصنع فوق الجنود، وبالونات تحمل شعلة نارية، ويُوجهون ألعاب الليزر باتجاه أعين الجنود.

وقبيل مغادرة الشبان المنطقة بعد حالة كر وفر مع جنود الاحتلال استمرت حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل؛ اتفق الشبان على تشكيل وحدة جديدة أطلقوا عليها “الضباب”، لبدء فعاليات مماثلة بعد صلاة الفجر.

نضال مبتكر
ويُعد “الإرباك الليلي” إحدى أدوات النضال المُبتكرة التي تطورت مع تصاعد المقاومة الشعبية بعيدًا عن المسار السياسي، كما يرى الكاتب والمحلل السياسي حمزة أبو شنب.

وتهدف فعاليات حراك “الإرباك الليلي” إلى توسيع الشرائح المنخرطة في المقاومة الشعبية فلسطينيًّا، وإبقاء الجنود الإسرائيليين في حالة استنفار دائم على الحدود، وهو ما يخلق ضغطا على الاحتلال ويُزعجه، وفق ما تحدث به أبو شنب للجزيرة نت.

ويربط المحلل السياسي بين الحراك ومباحثات التهدئة، مضيفًا “عندما تعلو فرص التوصل لاتفاق تعيش الجماهير حالة من الركود، وفي حال فشلت الفرص يعود الزخم مرة أخرى”.

وكان من اللافت تصاعد الحراك خلال الأسبوعين الماضيين بعد تعثر مباحثات التهدئة بين المقاومة وإسرائيل في القاهرة، وشهدت الفعاليات مشاركة واسعة ووضع نقاط احتكاك جديدة قرب الحدود البرية والبحرية.

وقتل جيش الاحتلال 186 فلسطينيًّا، وأصاب أكثر من ألفين خلال قمعه مسيرات العودة وكسر الحصار، التي انطلقت منذ الثلاثين من مارس/آذار الماضي في المناطق الحدودية للقطاع، للتأكيد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والمطالبة بكسر الحصار.

المصدر : الجزيرة