أوضح فضيلة د. علي القره داغي أن من أنفق تكاليف الحج على الفقراء في العالم الإسلامي، كُتب له أجر الحج التام، فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن عبدالله بن المبارك رحمه الله خرج مرة إلى الحج فاجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم فأمر بإلقائه على مزبلة هناك، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك الطائر الميت ثم لفته، ثم أسرعت به إلى الدار، فجاء فسألها عن أمرها وأخذها الميتة، فقالت: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ أيام، وكان أبونا له مال، فظُلم وأخذ ماله، وقتل، فأمر ابن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ قال: ألف دينار. فقال: عد منها 20 ديناراً تكفينا إلى مرو وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع.
وقال فضيلته: «أكرمنا الله تعالى بأيام معدودات وجعل فيها كثيراً من الخيرات والبركات، تلكم الأيام هي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، التي أقسم الله تعالى بها، فقال: (وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ*وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)، وقد قال ابن عباس وابن الزبير وغيرهما من كبار الصحابة، وقال مجاهد وغيره من التابعين: «إن هذ الأيام والليالي التي أقسم الله تعالى بها، هي الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة»، وقد سماها الله تعالى بأيام معلومات، حين بين أن الحج واجب على الناس، وأن الغاية من الحج والقصد فيها ذكر الله تعالى في أيام معلومات.
وأضاف: «روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن فضل العمل في هذه الأيام في كثير من الأحاديث الصحيحة الثابتة، منها قوله: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»، أي استشهد في سبيل الله تعالى وقد أنفق ماله وأزهق نفسه في سبيل الله تعالى.
أفضل أيام الدهر
أوضح فضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي في خطبة الجمعة أمس، أن يوم عرفة أفضل أيام الدهر على الإطلاق، فكما أن ليلة القدر هي أعظم الليالي على الإطلاق، فكذلك يوم عرفة أفضل أيام السنة على الإطلاق، وقد ورد في فضل اغتنامه بالصيام كثير من الأحاديث، منها حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: «وسُئل -أي النبي صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية»، لافتاً إلى أن هذه الأيام عظيمة الأجر والقدر، وفرصة نفيسة، ولا يجوز للعاقل أن يفرّط فيها، وينبغي عليه أن يغتنم إكرام الله تعالى له.
وأضاف أن هذه أيام تتجدد كل عام، ومن يضمن أن يعيشها مرة أخرى إن فرط أو قصر فيها؟ وقد جاء في حديث عن بعض أمهات المؤمنين، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم هذه الأيام التسع، ومن لم يستطع منا صيام الأيام التسع لعذر ما، فلا يفوته صوم يوم عرفة، فليحرص كل الحرص على صيامه، وقد تساءل العلماء عن الحكمة من تفضيل العمل في هذه الأيام، وكونه أحب إلى الله تعالى، فقد أجاب ابن حجر عن ذلك، وقال: لأنها أيام تجتمع فيها كل أركان الإسلام، من صلاة وصيام وزكاة وحج.
برنامج عملي.. وتحذير من التراخي
اقترح فضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي برنامجاً عملياً لاغتنام هذه الأيام العظيمة فيما يرضي الله تعالى، وأوضح أن أولى خطوات هذا البرنامج التوبة النصوح، والإقلاع عن المعاصي جميعها، والندم على فعل المعصية، والعزم على عدم العودة إلى المعاصي أبداً، والاستبراء من حق صاحبها، بطلب العفو والمسامحة ورد الحقوق المالية، وخاصة الخدم الذين جعلهم الله تعالى تحت أيدينا، فما نقدمه لهم لا يذكر بالنسبة لنا، أما بالنسبة لهم فهو يساوي الشيء الكثير.
وأضاف: أوجب الإسلام إعطاء الأجير حقه والمسارعة في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ». والتوبة من جميع المعاصي والذنوب واجبة على كل مسلم ومسلمة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً}، لما يترتب عليها من الفلاح والنجاح، قال تعالى:{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.فمن كان عليه حق لأي عبد من عباد الله تعالى فليسارع إلى أدائه قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وقبل أن يندم المرء في موقف لا تنفع فيه الندامة، وبالتالي يغدو مفلساً.
حذر القره داغي من تأجيل الاستفادة من هذه الأيام المباركة إلى الاقتصار على صوم يوم عرفة، مشدداً على ضرورة اغتنامها بصالح العمل، وإحياء سنن النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وقال: «عاصرت من كان يحيي هذه العشر الأوائل، بالتكبير والتهليل والتحميد، وهي سنة السلف الصالح، فقد ورد أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا إذا دخلا سوق المدينة رفعا صوتيهما بالتكبير والتهليل والتحميد فيكبر الناس لتكبيرهما».
توصيات
وأوصى فضيلته بالحرص على السنة بقوله: فلنحرص على إحياء هذه السنة في أسواقنا وبيوتنا ومجالسنا وغدونا ورواحنا، ولا نلتفت إلى الأفكار التي ترفضها وتأباها تحت ذريعة البدعة. كما علينا أن نغتنم هذه الأيام في الصيام وقراءة القرآن وحضور صلاة الجماعة، وقيام الليل، لافتاً إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يترك 11 أو 13 ركعة في كل ليلة. وأن كل أعمال البر مضاعفة، وسبيلها كثيرة، وقال: «فلنزين هذه الأيام العشر بأعمال البر، ولنكثر منها، ولنحيها ولنستثمرها لعلنا نكن من الفائزين المفلحين».;