عالم علي بابا تونس.. متحف أدوات تراثية حوّله صاحبه إلى مزار

1776 views Leave a comment
عالم علي بابا تونس.. متحف أدوات تراثية حوّله صاحبه إلى مزار

ويقع البيت الذي يحتضن هذا العالم في قلب المدينة العتيقة بتونس، بمحاذاة جامع الزيتونة المعمور، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن 15 إبّان حكم الدولة الحفصيّة للبلاد، ويضمّ بين جدران غرفه كنزا تراثيا مهمّا من القطع والأدوات والآلات القديمة، التي جمعها علي الشمّاخي (سبعون عاما) منذ طفولته على امتداد أكثر من خمسة عقود.

وتضم مجموعة علي الشماخي -التي فتحها للعموم- تحفا خزفية قديمة ولوحات زيتية وسجّادا وأقمشة وأدوات منزلية وآلات موسيقية وحرفية وحليّا استعملها التونسيون منذ قرون في حياتهم اليومية، وقطعا أخرى تعدّ جزءا لا يتجزّأ من الذاكرة الشعبية وحتى العالمية في بعض الأحيان، ورتّبت جميعها في غرف البيت لتمنحه روحا جديدة تقاوم الاندثار.

 مطبخ تونسي تاريخي يعود للقرن 15 (الجزيرة)

الزائر الصغير
يقول علي الشمّاخي للجزيرة نت إنه أخفى ولعه بجمع القطع والتحف القديمة عن عائلته، التي كانت تصر على أن ينهي دراسته ويحصل على شهادة علمية تفتح أمامه آفاقا جديدة ورحبة كانت متاحة في بلد كان يخطو خطواته الأولى بمفرده بعد استقلال البلاد سنة 1956، وبحاجة إلى جميع الكفاءات.

ويضيف أنه كان دائما يسأل جدّه ووالديه عن غرف البيت العتيق، وعن تقسيمها واستعمالها اليومي، حتى يضع داخلها “الغنائم” التاريخية التي تقع بين يديه من موروث العائلة، ومما يشتريه من ماله الخاص من سكان المدينة العتيقة، أو من بعض الباعة الذين يجهلون قيمة بعض القطع.

وحافظت “الدّار” التي تحتضن متحف الأدوات القديمة على جميع مكوّناتها دون استثناء؛ من بلاط وزخارف وتوزيع للغرف والمساحات منذ قرون، وتعدّ من التحف المعمارية النادرة التي تعجّ بها المدينة العتيقة بتونس، ووقع إدراجها منذ سنة 1979 في قائمة التراث العالمي لليونسكو، الذي تحميه مواثيق القسم الثقافي العالمي للمنظّمة.

 حلي وإكسسوارات نسائية قديمة من التراث التونسي (الجزيرة)

كنوز وتاريخ
يتجاوز العمر التقديري لأصغر قطعة من مجموعات علي الشمّاخي قرنا من الزمن وأقدمها ثلاثة قرون، وتعود في أغلبها إلى الموروث التراثي التونسي، وتعود بعض جذور القطع الأخرى إلى أوروبا؛ مما جعل البيت يتميّز بثراء محتوياته وتعدد حقبه التاريخية.

ويصنّف علي الشماخي مجموعاته إلى صنف أول معروض للبيع، ويشتمل على تحف وصناعات تقليدية تونسية عمل في السنوات الأخيرة على إحيائها عن طريق دعم بعض الحرفيين القدامى الذين بدأت مهنهم تندثر، ويشترط عليهم استعمال التقنيات اليدوية القديمة، بل ويحرص على متابعتهم في أعمالهم.

 تحف متنوعة داخل المتحف (الجزيرة)

أما الصنف الثاني فيشتمل على قطع نادرة ضاربة في القدم للعرض فقط، ومنها مجموعة آلات موسيقية وأدوات لصناعة الشاشية التونسية تجاوز عمرها مئتي عام، إضافة إلى حليّ وإكسسوارات نسائية صنعت من الفضّة تعود أيضا لفترات قديمة من تاريخ تونس.

ويقول الشماخي في هذا الصدد إنه على يقين بأن هذا المخزون التاريخي يستحقّ عملية جرد وتصنيف تقوم على أسس علمية، ومن قبل أهل الاختصاص والباحثين، مثل المعهد الوطنيّ للتراث في تونس لتصنيف وتبويب مجموعاته، مضيفا أن هناك اتصالات مبدئية في هذا السياق.

هبة لمتحف وطني
يتلمّس محدّثنا إطارا للوحة زيتية تعود للرسام الفرنسي دولا كروا (1878-1934)، ويقول إنه يفكّر أحيانا في مصير مقتنياته التاريخية، خاصة التي يعتبرها مميزة ونادرة الوجود، ويتوقع إهداءها لمتحف لو لم يتعلّق أبناؤه بهذه الهواية، ولم يحافظوا على الإنجاز الذي حققه طيلة نصف قرن أو أكثر.

 أدوات لحرفيي الشاشية التونسية عمرها أكثر من مئتي سنة (الجزيرة)

وباح البيت بأسراره وأصبح مزارا للمولعين بتاريخ وأصالة تونس ومحطّات تاريخية متعدّدة تقبع بين الجدران، في حين لا تزال بيوت أخرى موصدة الأبواب في المدينة العتيقة بتونس، وربّما تحمل المزيد عن تاريخ البلاد والعباد، وتنتظر “علي بابا” آخر.