اعتبر تقرير نشره مركز بحثي روسي أن استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي وموافقة البرلمان السريعة عليها بمثابة انتصار، من شأنه أن تكون تكلفته باهظة على المتظاهرين، ولا سيما في ظل فقدان القوات المسلحة لقائدها الأعلى، وفقدان مجلس الوزراء رئيسه ودخول البلاد في حالة فوضى.
وقال الصحفي أنطون فيسيلوف -في تقرير نشره “المركز الإستراتيجي للثقافات” الروسي- إن المتظاهرين طالبوا بحل البرلمان واستقالة الرئيس العراقي برهم صالح فور نجاحهم في دفع عبد المهدي للتنحي عن منصبه.
وأضاف فيسيلوف أن مصير البلاد يعتمد كثيرا على الطرف الذي سيشغل منصب رئاسة الوزراء ومدى سرعته في اتخاذ وتنفيذ القرارات، لأن هذا المنصب هو أحد مراكز صنع القرار في البلاد، علما بأن السلطة في العراق اليوم شبيهة بكرة الريشة التي يتقاذفها اللاعبون دون أي قواعد.
بحر العلوم
وكان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي قال إن الرئيس برهم صالح سيعهد مهمة تقديم مرشح جديد لأكبر كتلة في البرلمان، وهي كتلة سائرون برئاسة مقتدى الصدر، التي رفضت هذه الفكرة، قائلة إن هذه المهمة يتكفل بها الشعب.
وقد أجبر ذلك رئيس البرلمان على دعوة صالح إلى تعيين مرشح لمنصب رئيس الوزراء في غضون 15 يوما. وذكرت بعض وسائل الإعلام الرسمية أن الرئيس العراقي بدأ مشاورات مع الأطراف السياسية من أجل التوصل إلى توافق في الآراء. وفي الوقت نفسه، أعلن كل من رئيسي الوزراء السابقين نوري المالكي، وحيدر العبادي رفضهما الترشح لهذا المنصب.
وظهرت تسريبات تفيد بإمكانية ترشيح وزير النفط الأسبق إبراهيم محمد بحر العلوم، لتولي مسؤولية تشكيل الحكومة الجديدة. وأفاد الكاتب بأن بحر العلوم يحظى بقبول لدى كل من إيران والولايات المتحدة.
فحسابات طهران، التي تستند إلى اللوبي الشيعي القوي في بغداد، تعول على حقيقة انتماء إبراهيم بحر العلوم إلى عائلة متدينة للغاية، وبقاء والده 25 عاما في المنفى بإيران، وقوة علاقاته مع النافذين في حزب الدعوة. إلى جانب ذلك، تلعب طهران على التناقضات بين الصدر والمرجع الديني علي السيستاني.
ونوه الكاتب بأن بحر العلوم درس في الولايات المتحدة، وعمل في المملكة المتحدة بالعديد من شركات النفط، مما أهله لتولي حقيبة وزارة النفط العراقية في وقت سابق. ولم يدل بحر العلوم بأي تصريحات بشأن هذا الترشيح. وفي المستقبل القريب، سيصبح واضحا ما إذا كان هذا المنصب ما زال مطلوبا، أم أنه لم يتبق من العراق سوى القليل من الذكريات.
صراع إيراني أميركي
وعلى صعيد آخر، لا يمكن أن تبقى الهجمات على المقار الدبلوماسية الإيرانية وإهانة كبار رجال الدين في إيران دون عواقب، حيث أجبرت استقالة عبد المهدي طهران على الرد بسرعة.
في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، زار قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بغداد، في مهمة سرية. ومن المتعارف عليه أن سليماني له كلمة لدى فصائل شيعية بارزة مثل فيلق بدر وعصائب أهل الحق وحزب الله، التي لها تأثير على الأحداث، حيث ذكرت تقارير إعلامية أن المليشيات أطلقت النار على المتظاهرين إلى جانب أفراد الجيش وضباط الشرطة.
وأشار الكاتب إلى أنه في خضم هذه الأحداث، تنامت وتيرة القصف الصاروخي بشكل كبير وإطلاق قذائف الهاون على الأهداف الأميركية مثل السفارة الأميركية والمواقع العسكرية من بينها قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار. وفي التاسع من ديسمبر/كانون الأول، تعرضت قاعدة عسكرية تقع على أراضي مطار بغداد الدولي لإطلاق الصواريخ، مما أصاب ستة أشخاص لم تعرف جنسياتهم. وبشكل عام، تعتبر هذه القاعدة نقطة طوارئ رئيسية لإخلاء الرعايا الأميركيين.
وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني، وصل رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي إلى العراق، وطلب من الوحدات العسكرية الأميركية التي يتجاوز عددها خمسة آلاف جندي، بأن تكون في حال التأهب القصوى. وفي التاسع من ديسمبر/كانون الأول، نُقل حوالي خمسمئة جندي أميركي من الأردن إلى قاعدة عين الأسد الجوية.
وعلى خلفية استهداف المتظاهرين العراقيين، ومقتل وجرح العديد منهم في ساحاحات الاحتجاج، اعتبر وزير العدل الأميركي جيف سيشنز “محاولات إيران لقمع المطالب المشروعة للشعب العراقي بإصلاح الحكومة عن طريق قتل المتظاهرين، أمرا مروعا”، وبهذا يكون الغرب قد حدد الجهة التي تقف وراء حمام الدم في العراق.
علاوة على ذلك، اتصل مايك بنس نائب الرئيس الأميركي بالرئيس العراقي برهم صالح، وأكد له أهمية احترام مطالب المتظاهرين من قبل السلطات العراقية.
وأشار الكاتب إلى أن وزارة الخارجية العراقية استدعت سفراء أربع دول أوروبية، مؤكدة أن مهمة السفراء لدى بغداد هي تعزيز العلاقات، وبناء قاعدة مصالح مشتركة من دون التدخُّل في شؤونه الداخلية.
وأفاد الكاتب بأن الإعلان عن اعتزام المتظاهرين القدوم من مختلف المحافظات إلى بغداد والتوجه إلى المنطقة الخضراء قبل أيام، ما دفع الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي إلى التحذير من العواقب المدمرة لهذه الخطوة، وما سيترتب عنها من تعميق حالة الفوضى داخل البلاد.
المصدر : الصحافة الروسية