مشايخ من الخارج وبكاء وغسل أدمغة.. تحقيق: لماذا يترك الشباب جنة المالديف للقتال بسوريا؟

296 ‎مشاهدات Leave a comment
مشايخ من الخارج وبكاء وغسل أدمغة.. تحقيق: لماذا يترك الشباب جنة المالديف للقتال بسوريا؟

“لا نريد أن نتكلم عن أي شيء يتعلق به. لقد أجبرنا أنفسنا على نسيانه إلى الأبد، والله وحده يعلم كم بكينا وكم حزنّا” للمصير الذي لقيه.

 

هذه والدة الشاب عبد الله ناصير الذي كان يعمل في الهيئة الانتخابية المالديفية، وبالكاد أكمل عامه الثالث والعشرين عندما استقل طائرة في 2015 واختفى إلى الأبد.

وقد تعقب فيلم تحقيقي للجزيرة الإنجليزية أثر عبد الله ناصير وعندما وصل لعائلته رفضت كليا التعليق على قصته.

يحمل الفيلم عنوان “قلاقل في الجنة” ويجيب عن سؤال، لماذا يترك الشباب جنة المالديف ويذهبون للقتال في سوريا؟ وبث في الحلقة الأخيرة من برنامج “101 إيست”.

وعلى خلاف العائلة، قبل آخرون الحديث لفريق التحقيق على قارب صيد في جزيرة ديدو وكشفوا ما بحوزتهم من معلومات عن عبد الله ناصير وشباب آخرين التحقوا بالمعارك في سوريا وقتلوا هناك.

يقول أحدهم “إنه صديقي، كان شخصا طبيعيا. وذهب فجأة إلى سوريا ولا أحد يعلم لماذا ذهب إلى هناك.. أعتقد أنه اتصل بوالديه. لقد صدمهما وحزنا على مصيره”.

ويروي آخر “أعتقد أن لدينا مشاكل تطرفية. المتطرفون هنا يشكلون مشكلة كبيرة. بعض المشايخ قدموا إلى هنا وأعطونا فتاوى.. ومشايخ آخرون انتقوا الأشخاص المناسبين.. وغسلوا أدمغتهم وأرسلوهم لسوريا”.

 

المئات من شباب المالديف التحقوا بجبهات القتال في سوريا (الجزيرة)

تغيرات سلبية 
تستقطب المالديف 1.5 مليون سائح سنويا وتبدو جنة بشواطئها الرملية ومناظرها الخلابة وجزرها الجميلة.

ولكن الحياة على الشواطئ والمناطق السياحية تختلف جذريا عن الأحياء السكنية، إذ تغيب أجواء السياحة والترف ويحدق الشباب في الأفق فلا يرون سوى القلق والشك والضياع.

وفي جزيرة ديدو يبلغ السكان أربعة آلاف نسمة، وتفرض السلطات قيودا على تناول الكحول، فيما ترتفع منارات المساجد وينادي المؤذنون: “حي على الصلاة”.

ورسميا، تعتبر الشريعة الإسلامية هي القانون الذي يحكم شؤون المالديف، ويؤكد الدستور الطابع الديني للجمهورية المكونة من جزر أرخبيلية.

وتظهر في البرنامج صور من الطلاب والطالبات المحجبات في المدارس، فيما يحضر العمدة علي هشيم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للطفل.

وفيما يبدو الطلاب سعداء بالمناسبة، يعبر هشيم لفريق التحقيق عن قلقه إزاء التغيرات السلبية التي طرأت على الجزيرة خلال السنوات الأخيرة.

ويوضح أن هذه التغيرات تتعلق أساسا بازدياد التطرف “والذي نتعاطى معه الآن، وهذه إشارة ليست جيدة”.

“ثقافيا وتقليديا، تعتبر المالديف منطقة مسالمة وآمنة ويعتبر ذلك أمرا بديهيا ولكن يجب ألا ننظر دائما إلى هذا الأمر بهذه الطريقة، لأن العالم تغير وهذا البلد تغير” أيضا.

وبالفعل فقد تغيرت المالديف، وهناك أسرار يكشفها السكان والمسؤولون وتتعلق بشباب ذهبوا إلى سوريا “ونحن نحاول أن نفهم السبب الذي حفزهم للذهاب إلى هناك”.

إلى الموت
وإذا كانت والدة ناصير رفضت الحديث عنه، فإن السيدة رفاع أحمد ديدي قبلت أن تسرد مأساتها للجزيرة فتحدثت عن بداية ابنها مونسي مع التطرف وإلى أين قاده وكيف انتهت قصته.

“لقد قال إن لديه صديقا في السجن يدرسه شؤون الدين. وأعتقد أنه شرب التطرف هناك. في البداية لم ألاحظ أي تغير كبير.. كان يحافظ على الصلوات ويحب ممارسة الشعائر”.

“تدريجيا بدأ يشتكي من أن الشريعة الإسلامية ليست مطبقة بما يكفي في المالديف. كان يقول إن الأمور ستتطور إلى الأحسن عندما يواجه اللصوص العقوبات المنصوص عليها في الدين الإسلامي”.

“وكان يشرح لنا أن العالم سيكون أفضل إذا ما قطعت أيدي السارقين وأعدم القتلة، طبقا لما ورد في القرآن الكريم”.

وفي صورة تجمعهما ظهرت زوجة مونسي سعيدة ومتهللة الأسارير، بينما بدا هو شاردا وكأنما يفكر في أمر خطير.

وبعد أشهر قليلة من إطلاق سراحه غادر المالديف مع زوجته.. كان حينها في عامه الـ 28، وقال لذويه إن لديه موعدا طبيا في سريلانكا، ولم تتوفر عنه أية معلومة لمدة سبعة أيام.

وتتابع الأم المكلومة “أوضح لنا ضابط شرطة أنه لم يغادر إلى سريلانكا. لقد سافر عند الساعة الحادية عشرة مساء في طائرة متجهة مباشرة إلى إسطنبول”.

وتروي أن ضابط الشرطة أخبرها بأنها خامس أُم تراجعهم خلال أسبوع في قضية ذهاب أبنائهن إلى سوريا.

ولا تزال رفاع تتذكر المرة الأولى التي تحدث إليها مونسي هاتفيا، إذ “كنت أزور بعض الأقارب ولم أستطع الحديث في البداية. كنت أبكي وهو أيضا بكى بشدة”.

رفاع التي بكت أثناء الحديث للبرنامج، قالت إنها سألته أثناء المكالمة: لماذا تترك أمك وتغادر إلى تلك الأرض؟

“تدربوا في سوريا وخضعوا لدورة قتالية مدتها ثلاثة أشهر وتلقوا دروسا في التوحيد والقرآن وكيفية ممارسة الشعائر الدينية.. كانوا يذهبون إلى أماكن مختلفة ولكني أتذكر الرقّة”.

“قال لي أماه لقد نجوت من هجوم هذا اليوم، وذلك لأنه لا تزال هناك بقية في عمري”.

وفي صور حصل عليها البرنامج يظهر مونسي في سوريا يرتدي زيا عسكريا ويمسك بندقية.

ولكنه لم ينج مرة أخرى فقد قتل بعد مرور ثمانية أشهر من وصوله لسوريا. وتقول رفاع “لا أدري من فعل هذا بولدي. لن أسامح مدى الدهر من ساعده هو وزوجته في المغادرة” إلى هناك.

عرابون سعوديون
ووفق الرئيس السابق للمالديف محمد نشيد، فإن هذه القضية تمثل طاعونا ينتشر في عموم الأرخبيل.

“ووفقا لتعداد السكان فإن لدينا أكبر نسبة من الملتحقين بسوريا أكثر من أي بلد آخر في العالم، حوالي ثلاثمئة فرد، ولكن وكالات الاستخبارات حول العالم تقدر الأرقام بألف”.

هذه القضية تناولها الكاتب شريش ثورات في كتاب بعنوان “تذكرة إلى سوريا: قصة تنظيم الدولة في المالديف”.

يقول ثورات إن العديد من المالديفيين بدأوا يتبعون “نمطا متشددا” من الإسلام بعد تسونامي الذي ضرب الأرخبيل في ديسمبر/كانون الأول 2004.

“وعلى نحو مفاجئ، نما عدد العرابين السعوديين ورجال المنظمات الخيرية في المالديف بذريعة مساعدة الناس”.

“وإنه من السهل جدا الانفراد بالناس الذين يعيشون تحت خط الفقر وأن تخبرهم بأن سبب ما حل بهم هو بُعدهم عن الإسلام”.

“وطوال عقد ونصف العقد حصلت عملية غسل أدمغة وتشرّب الوهابية السلفية، وهذا ما قاد إلى انتشار التطرف بكامل البلاد”.

ويوضح أن النفوذ السعودي في المالديف قاد إلى تبني نسخة متشددة من الإسلام، وهذا ما سهّل تجنيد مقاتلين.

الحياة في إدلب
“وهناك نشرات ومجلات تمجد أداء المقاتلين المالديف في سوريا وتعتبرهم نموذجا يحتذى في جبهات القتال. 90% منهم، إما التحقوا بتنظيم الدولة أو جبهة النصرة”.

ويعرض الفيلم التحقيقي تدريبات لمقاتلي جبهة النصرة التي ظهرت في سوريا 2012 وتحولت لاحقا إلى “هيئة تحرير الشام”.

وفي الفيلم يظهر المواطن الأميركي بلال عبد الكريم الذي يزعم أنه صحفي ويقدم نشرات أخبار ميدانية عن القتال في سوريا لقناة تسمى (أو جي أن).

أجرى بلال عبد الكريم العديد من المقابلات مع المسلحين وتحدث إلى مقاتلين من المالديف وعرض جانبا من حياتهم اليومية وواجباتهم وكيف يقضون يومهم في إدلب.

وفي هذه المقابلات تحدث مونسي قائلا “مقارنة مع المالديف، الحياة في سوريا سيئة جدا وهنا ما يشبه عملية مستمرة ضد المسلمين”.

المشايخ والمدمنون
ومن إدلب يعود فريق التحقيق إلى المالديف ويثير مشاكل البطالة بين الشباب والإدمان وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الجيل الجديد مما يجعلهم هدفا سهلا للتجنيد.

أحد الشاب في عامه 24 وهو مدمن سابق للمخدرات، وقد تحدث بشرط إخفاء هويته: “ليس هناك الكثير مما يمكننا فعله من أجل التسلية أو الترفيه. يمكننا الذهاب ولعب كرة القدم، ولكن جزيرة ماليه (عاصمة جمهورية جزر المالديف) مزدحمة. قضيت حياتي مع المخدرات مذ كنت مراهقا”.

ومرة اقترب مني بعض الأشخاص وبدؤوا يقدمون لي نصائح حول أشياء من قبيل ارتكابي بعض الأخطاء أثناء أداء الصلاة.

ولاحقا طلبوا منا الانضمام لمجموعتهم وهم يعلمون أننا ضائعون ونحاول العثور على أي مخرج من المشاكل التي تدمر حياتنا.

استغلوا تلك الفرصة للعمل على غسل أدمغتنا وبدؤوا الحديث إلينا حول الأزمات المستمرة في البلدان الإسلامية وكيف يمكننا نحن المسلمين، تحمل المسؤولية والالتحاق بالجهاد.

هذه الأمور كانت مقنعة نظرا لأنهم أخرجوا آيات قرآنية من سياقها واستدلوا بها لحث الشباب على الالتحاق بجبهات القتال، ولدي أصدقاء غادروا إلى سوريا وقُتلوا هناك ومعظم هؤلاء التحقوا بتنظيم الدولة.

وبالنسبة للأجانب تبدو المالديف جنة ولكن بالنسبة لنا نحن الذين نعيش هنا في جزيرة ماليه، لا نرتاد الشواطئ الرملية البيضاء، وكل ما نراه هو الغابات الإسمنتية حيث يوجد العديد من المشاكل السياسية والاجتماعية.

سلفيون في الشرطة
هذه المشاكل قادت لاحقا إلى خروج أنصار تنظيم الدولة للعلن حيث رفعوا الأعلام السوداء في ناحية من العاصمة ماليه.

وعند هذه النقطة يعود فريق التحقيق إلى الرئيس السابق محمد نشيد حيث يقول، “الحرية لجميع المواطنين بمن فيهم الإسلاميون. لا يمكنك أن تقمع فكرة. ما قلناه هو نعم: لقد قلتم ما تريدون قوله، وسنقول ما نعتقده”.

ويوضح الرئيس السابق أن المشكلة عميقة ومعقدة فـ “داخل قوى الأمن هناك أشخاص في مناصب مهمة. سلفيون متطرفون ولديهم رؤية متطرفة للمجتمع والإسلام”.

“يوجد هؤلاء في سلطات الهجرة والجمارك. لقد رسخوا أنفسهم، وجندوا المالديفيين ولا تزال لديهم شبكة تجنيد تواصل عملها حتى وهم يهزمون في سوريا.. لا يزال مواطنونا يذهبون” إلى هناك.

وليس هذا فقط، بل “تمكنوا من نقل أفكارهم إلى العصابات وحولوها إلى شرطة دينية. وتسيطر هذه العصابات على حيز من العاصمة ماليه”.

ويكشف البرنامج أن الذين تصدوا لهذه العصابات واجهوا الموت، فقد قتل المتطرفون الصحفي أحمد ريل وان، في أغسطس/آب 2014.

وبعد ثلاث سنوات، أسكتوا صوتا آخر. إنه يمين رشيد الذي كان يصف نفسه بأنه كاتب متمرد. وطبقا للشرطة فقد قتلته مجموعة تعتقد بأنه أساء للإسلام.

وعّاظ الحكومة
وتقول وزارة الشؤون الإسلامية إن هناك 229 داعية لديهم ترخيص بأنشطة الوعظ الديني في عموم الأرخبيل.

ومن هؤلاء الشيخ محمد إبراهيم الذي تزامن تصوير البرنامج مع حضوره إلى جزيرة ديدو حيث احتفى به أنصاره.

ويقول العمدة علي هشيم “بحثنا عن خلفيته. ولديه أفكار متطرفة ومع ذلك لديه تفويض من الحكومة بالتحدث للجمهور.. وعبر هذه الطريقة يتمكن الشيوخ من إذكاء التطرف في المجتمع”.

“يمكننا القيام بأي شيء هنا، ولكن المشكلة هي الشيوخ المرخص لهم من السلطات، وعندما نحاول إيقافهم سنتعرض لمتاعب”.

ويوضح مدير مركز مكافحة الإرهاب الجنرال زكرياء منصور أن هؤلاء المشايخ لديهم ترخيص من وزارة الشؤون الإسلامية “بناء على الجدارة والمؤهلات والسلوك”.

أما وزير الداخلية السابق عمر نصير فيتحدث عن مشكلة أخرى في المالديف وتتعلق بالتعامل مع العائدين من جبهات القتال.

ويقول إنه قدم أشخاصا إلى المحاكمة عندما كان في منصبه “ولكن بعض هذه الدعاوي لم تكن ناجحة لأنهم ينفون ذهابهم إلى سوريا. وذلك لأنهم ذهبوا لتركيا بشكل طبيعي وعبروا لسوريا دون جوازات سفر وهذا يتعذر إثباته” في بعض الأحيان.

الإرث الثقيل
فريق التحقيق تحدث أيضا إلى السلطات التركية وكان ردها بأن الأعداد كبيرة وأنها رحلت 25 مالديفيا للاشتباه في علاقتهم بمناطق الصراع، وهناك 130 مالديفيا تضعهم تركيا على القائمة السوداء.

هذه التركة الأمنية الثقيلة ورثتها الحكومة المالديفية التي انتخبت في أبريل/نيسان 2019 وقد تعهد الرئيس الجديد إبراهيم سولي بتعزيز الديمقراطية في المالديف.

ولكن بعض الناس في الجزر يلازمهم القلق من استمرار الترخيص للشيوخ بالحديث للجمهور ولا يتوقعون حصول تغيير على هذا المستوى في المستقبل القريب.

ومما يعكس نفوذ “المتطرفين”، إجبار العمدة علي هشيم على الاستقالة بعد وقت قصير من حديثه للبرنامج، وذلك إثر تعرضه لانتقادات لاذعة لكونه يدافع عن الليبرالية على تويتر.

ويقول الرئيس الحالي، إنه لن يسمح بحصول اضطرابات دينية في البلاد، ولكن لا تزال هناك معركة طويلة قبل أن تتعافى هذه الجنة من المتاعب.

المصدر : الجزيرة