عوض الرجوب-عرب الهذالين (الخليل)
ورث الحاج يوسف الهذالين مسؤولية ثقيلة عن والده مختار العشيرة الراحل عودة الهذالين، فالرجل السبعيني أخذ على عاتقه منذ عام 1979 المضي في طريق والده والدفاع عن عشيرته في منطقة “خشم الدرج” جنوب شرق مدينة الخليل، وحقها في ممارسة حياتها الطبيعية.
عندما تولى الحاج يوسف (أبو عودة) شؤون عشيرة الهذالين لم يكن مضى إلا 12 عاما على الاحتلال الإسرائيلي للضفة، فكانت بدايات معركة طويلة مع احتلال هدفها السيطرة على أكبر مساحة من الأرض، فواصل رفض الاحتلال وحلوله الجزئية لعشيرته التي سبق أن رفضها والده إذ تهدف لمنع حرية التنقل التي تتطلبها حياة البدو.
أول عرض تلقاه أبو عودة بعد وفاة والده كان عام 1981 حين استدعاه رئيس بلدية رهط (داخل الخط الأخضر) ومعه ثلاثة مخاتير آخرين لعشائر النجادة والفقير والزويدين، وعرض عليهم تجميع العشائر الأربع في تجمع واحد شرق بلدة يطا، ومنحهم الخدمات اللازمة.
عروض مرفوضة
قوبل العرض الأول بالرفض الشديد كونه يحظر على البدو التمتع بالمساحات الشاسعة من المراعي والأراضي ويبعدهم عن منطقة سكنهم، فواصل الاحتلال سياسة التضييق عليهم بهدم المساكن وإغلاق المراعي ومنع البنية التحتية، وواصل السكان بدورهم معركة البقاء والتقاضي في محاكم الاحتلال.
وفي عام 1984 جاء العرض الثاني وتضمن إقامة ثلاثة تجمعات لعشائر النجادة والفقير والزويدين، واشترط على مختار عشيرة الهذالين الرجوع أربعة كيلومترات عن موقعهم الحالي مقابل الحصول على اعتراف ومخطط هيكلي لقريتهم.
ويعني الاعتراف حق القرية المعترف بها في البناء ووقف الملاحقات والهدم بحجة عدم الترخيص، والإقرار بحقها في خدمات البنية التحتية كافة من كهرباء ومياه وطرق ومؤسسات.
تحقيق الاعتراف
واصل الحاج أبو عودة رفضه لمحاولة اقتلاعه وعشيرته من أراضيهم، وتحمل عنف الاحتلال والتدريبات العسكرية الحية بين البيوت، ومصادرة الأغنام واعتقال الرعاة وإخطارات الهدم، والملاحقات القضائية وإغلاق المراعي حتى عام 2009، حيث جاء ما يصفه أبو عودة بالانتصار.
ففي ذلك العام حصلت القرية على اعتراف من الاحتلال بمسطّح مساحته 2500 دونم يسكنه اليوم نحو 1200 نسمة، أي أغلب المناطق المأهولة في منطقة خشم الدرج، لكن باقي المناطق المحيطة صنفت على أنها مناطق إطلاق نار، وحظر على السكان دخولها أو البناء فيها.
ويعيش جزء من أفراد عشيرة الهذالين حياة قاسية ومعاناة مستمرة على بعد سبعة كيلومترات غربا وتحديدا قرب مستوطنة كرمئيل إلى الشرق من بلدة يطا.
ويقول المختار أبو عودة “صحيح أننا خسرنا المراعي لكننا ضحينا بالكثير وانتصرنا بثباتنا واستطعنا خلال 11 عاما بناء قرية كاملة الخدمات والبنية التحتية ولدينا شوارع وأربعة مساجد ومدرسة ومجلس محلي وكهرباء ومياه”.
عجلة البناء
ويلمس الزائر لقرية خشم الدرج فرقا شاسعا بين أحوال القرية اليوم وأحوالها قبل عشرة أعوام، فمن مسجد واحد صغير مبني من الإسمنت أصبح في القرية أربعة مساجد من الحجر الأبيض، كما تشهد القرية حركة تحوّل نشطة من البيوت البدائية من الصفيح والزينكو والشوادر إلى بيوت مزخرفة من الحجر والإسمنت، لكن مع تراجع ملحوظ في تربية الأغنام.
وعلى أطراف القرية، يلاحظ الزائر واجهات إسمنتية مثبتة مكتوبا عليها منطقة إطلاق نار يحظر على السكان دخولها، كما يتم هدم أي بناء فيها.
ويقول رئيس المجلس المحلي لقرية خشم الدرج إبراهيم الهذالين إن وجود عشيرة الهذالين في موقعها الحالي ضارب في القدم ويعود للعهد العثماني ولاحقا البريطاني ثم الأردني ثم الاحتلال، لكن المعاناة حدثت في ظل الاحتلال وما زالت مستمرة.
ويضيف أنه منذ الحصول على الاعتراف الرسمي بالقرية تم تعبيد الشوارع الرئيسية وبناء مدرسة ومجلس محلي، وتطوير العيادة الصحية وترميم عدد من البيوت، وبناء شبكتي مياه وكهرباء.
إبراهيم الهذالين: المواطن الفلسطيني عندما يحصل على حقه في البناء والتعمير فإنه يبدع ويبني (الجزيرة) |
مقاومة مستمرة
وأوضح إبراهيم الهذالين أن المواطن الفلسطيني عندما يحصل على حقه في البناء والتعمير فإنه يبدع ويبني ويواكب التطورات، وبالتالي فإن منطقة خشم الدرج تجربة يحتذى بها لتثبيت وتعزيز بقاء الفلسطينيين في أراضيهم.
وذكر أنه في الوقت الذي منح فيه السكان مسطّح قرية مُنعت عنهم مساحات شاسعة من الأراضي الرعوية بذريعة تصنيفها أراضي عسكرية أو مناطق إطلاق نار.
ويلفت إبراهيم الهذالين إلى استمرار معاناة أغلب التجمعات البدوية في الضفة من إجراءات الاحتلال ومنها “ادقيقة، خشم الكرم، جزء من خشم الدرج، أم الخير، الخان الأحمر، واد أبو هندي العيزرية، عرب الهذالين شرق السواحرة، الأغوار، التجمعات السكانية البدوية المحيطة بمستوطنة معالي أدميم (شرق القدس)، التجمعات السكانية شرق رام الله مثل تجمع سكان جبع، والطيبة”.
ويقول إنه لا يكاد يخلو أسبوع من تدريبات عسكرية أو عملية هدم أو إخطار بالهدم في هذه المناطق، لكن الرهان هو استمرار وثبات السكان في مناطقهم.
ويعيش في بادية الضفة الغربية (مناطق شرق الضفة) أربعون ألف بدوي انتقل إليها أكثرهم في النكبة من منطقة عراد داخل الخط الأخضر عام 1948، لكن ملاحقتهم استأنفت بعد احتلال عام 1967، واليوم تعاني أغلب التجمعات من الملاحقة والاستهداف.
المصدر : الجزيرة