محمد سيف الدين-القاهرة
على أطراف أرضه الزراعية وقف رضوان السعدي ينظر إلى سنابل القمح ويداعبها بيده وعلامات الحزن تكسو وجهه المجعد نتيجة لثقل المأزق الذي يواجهه، على عكس أبنائه الثلاثة الفرحين بموسم حصاد القمح (يبدأ في أبريل/نيسان من كل عام في دلتا النيل بمصر) الذي يعد يوم عيد للمزارع.
أما حزن المزارع السبعيني فيرجع إلى اقتراب موعد زراعة المحاصيل الصيفية وفي مقدمتها الأرز الذي اعتاد زراعته لخمسة عقود متتالية، لكنه محروم من زراعته هذا العام بحسب تعليمات مديرية الزراعة، كما يقول للجزيرة نت.
فللعام الثاني على التوالي، تواصل مصر خفض المساحة المزروعة من محصول الأرز الإستراتيجي من مليون ومئة ألف فدان إلى 724 ألفا ومئتي فدان بمحافظات الدلتا التسع، رغم إعلان الحكومة في وقت سابق توفير ثلاثة أصناف جديدة من الأرز تعطي إنتاجية أعلى وتستهلك مياها أقل.
وفي أبريل/نيسان 2018 وافق البرلمان المصري على مشروع قانون يقضي بتعديل أحكام قانون الزراعة لمنع زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكا للمياه مثل الأرز وقصب السكر والكتان، بسبب التأثيرات المحتملة لسد النهضة الإثيوبي على حصة مصر من مياه نهر النيل.
وتبلغ حصة مصر من مياه النيل 55 مليار متر مكعب سنويا، ويوفر النيل نحو 90% من احتياجات البلاد من المياه، بينما تأتي النسبة المتبقية من المياه الجوفية والأمطار وتحلية مياه البحر.
مخاطر سد النهضة
وجاءت الذكرى الثامنة لبدء إنشاء سد النهضة الإثيوبي أمس الثلاثاء الثاني من أبريل/نيسان، لتدفع إلى السطح مباعث الخوف من الفقر المائي في مصر، خاصة في السنوات الأولى التي سيمتلئ السد فيها.
وتسعى إثيوبيا لتخزين 74 مليار متر مكعب من مياه النيل خلف سد النهضة وسط توقعات خبراء بأنها سترتفع إلى 100 مليار متر مكعب، وذلك بعد إضافة حجم الفواقد المائية نتيجة تشبع قاع البحيرة والتسريب من خلال الشقوق الجيولوجية العميقة، مما قد يؤثر في حصة مصر المائية.
ووفق تقديرات حكومية وصلت نسبة الإجهاد المائي في مصر إلى 140%، مما يعني أن حصة المواطن المصري من مياه النيل انخفضت لنحو 600 متر مكعب سنويا، بعدما كانت 2500، وهذه النسبة تعتبر أقل 40% من خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة عند 1000 متر مكعب للفرد سنويا.
ورغم هذه الصورة التشاؤمية التي أظهرتها تصريحات المسؤولين، فإن الحقائق لم تكشف بعد عن مستقبل مصر بعد تشغيل سد النهضة في بداية ديسمبر/كانون الأول 2020، وفق ما أوضح الخبير محمد حافظ.
وعن الآثار السلبية لسد النهضة، يرى أستاذ هندسة السدود محمد حافظ أنه في حال نجاح إثيوبيا في تشغيل السد بداية ديسمبر/كانون الأول 2020 (أي بعد فيضان أغسطس/آب 2020) ستصل نسبة العجز في حصة مصر المائية إلى 33 مليار متر مكعب فقط.
وقال حافظ في حديثه للجزيرة نت إن حرمان مصر من 33 مليار متر مكعب خلال فترة التخزين (أغسطس/آب 2020 حتى الشهر نفسه من عام 2022) يعني دخولها في واقع جديد لم تألفه منذ تأسيسها قبل 7000 عام، مشددا على أن الحكومة المصرية تعرف جيدا مدى خطورة هذا الكلام منذ عام 2014، وذلك بعد الاستعانة بخبير مائي من معهد جورجيا للتكنولوجيا الذي صمم نماذج هيدروليكية لمستقبل مصر بعد تشغيل سد النهضة.
|
تحلية المياه
وتتوسع مصر منذ عام 2014 في إنشاء محطات تحلية مياه البحر، حيث بلغ عددها حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي 47 محطة، تنتج ما يقرب من 254 ألف متر مكعب يوميا، وتستهدف قبل نهاية عام 2020 (موعد ملء سد النهضة) مضاعفة أعداد محطات تحلية المياه، ليقترب الإنتاج من مليون متر مكعب يوميا، وفق أوضح معاون وزير الإسكان لقطاع المرافق طارق الرفاعي.
وقلل خبير السدود محمد حافظ من قدرة مصر على تعويض العجز المائي المنتظر من خلال تحلية مياه البحر، موضحا أن مصر بحاجة إلى تحلية قرابة 90 مليون متر مكعب يوميا لتعويض النقص الناتج عن سد النهضة، وهو ما يجعله أمرا مستحيلا تنفيذه.
ويرى حافظ أن مصر لا تمتلك رفاهية بناء محطات تحلية مليارية بسبب الأوضاع الاقتصادية، وليس أمامها غير البدء في إيجاد تكنولوجيا ري جديدة تخفض الاستهلاك المائي في الزراعة.
وفي يناير/كانون الثاني 2018، تعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه لن يسمح بوجود أزمة مياه في مصر، وقال إن الحكومة تعمل على تنفيذ أكبر مشروع لمعالجة مياه الصرف لحل أي مشكلة متوقعة (في إشارة لسد النهضة)، بتكلفة تتجاوز 70 مليار جنيه.
ما أعلنه السيسي ليس بالأمر الجديد، ولكنه يعتبر إحياء لخطة 2050 التي وضعتها مصر عام 2010 في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وكانت معدة لمواجهة احتمالات الفقر المائي، بميزانية تقدر بـ 900 مليار جنيه، وأطلق عليها “إستراتيجية 4 ت”، وتعني تنقية وتحسين نوعية المياه، وترشيد استخدامات المياه، وتنمية الموارد المائية، وتهيئة البيئة الملائمة.
وتتضمن “إستراتيجية 4 ت” إنشاء مجموعة من السدود في أسوان وشمال سيناء وجنوب سيناء، لحجز مياه الأمطار وتحلية مياه البحر، خاصة بمناطق العلمين وجنوب سيناء والبحر الأحمر، لمواجهة العجز في مصادر المياه.
تعثر المفاوضات
وفي يونيو/حزيران 2018 اتفق السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد في القاهرة على تبني “رؤية مشتركة” بين الدولتين حول سد النهضة تسمح لكل منهما بالتنمية “دون المساس بحقوق الطرف الآخر”، ولكن ألغي اجتماع كان مقررا عقده في القاهرة في مارس/آذار الماضي، على مستوى وزراء مياه وخارجية مصر والسودان وإثيوبيا، لتحريك ملف سد النهضة.
وعلى مدار السنوات الثماني الماضية لم تشهد المفاوضات بشأن سد النهضة أي تقدم ملحوظ سوى في تصريحات المسؤولين التي تتحدث دائما عن وجود بوادر انفراجة قريبة ثم تليها جولة أخرى من المفاوضات، ليخرج المجتمعون معلنين تعثرها، وبعد فترة يبدأ إعلان جلسة أخرى.
المصدر : الجزيرة