كيف عاش الملا عمر سنواته الأخيرة بالقرب من قاعدة أميركية؟

740 views Leave a comment
كيف عاش الملا عمر سنواته الأخيرة بالقرب من قاعدة أميركية؟

أظهر تقرير جديد أن مؤسس حركة طالبان أفغانستان الملا محمد عمر عاش سنوات حياته بعد الغزو الأميركي لأفغانستان داخل بلاده حتى وفاته، ولم يذهب لباكستان كما كانت تعلن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجهات أخرى.

وخلص التقرير إلى أن الملا عاش مختبئا قرب قاعدة أميركية في جنوب أفغانستان حتى وفاته، مما يناقض تماما ما كان يروجه منذ فترة طويلة موظفون أميركيون عن زعيم طالبان المشهور.

وفي مقال بصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، كتبت جيسيكا دوناتي مقالا حاولت فيه إلقاء الضوء على الأيام الأخيرة من حياة القائد الأفغاني، وذلك استنادا إلى تقرير أصدره مركز زوميا بنيويورك التابع لمؤسسة “أميركا الجديدة” الفكرية المستقلة ومقرها واشنطن.

وقالت الصحفية إن تقرير زوميا يستند إلى مجموعة من المقابلات مع مصادر لم يكن التواصل معها ممكنا في السابق، من ضمنها أعضاء حاليون وسابقون بالحكومة الأفغانية، إضافة إلى وكالة الاستخبارات الأفغانية، وعضو طالبان جبار عمري وهو حارس الملا الشخصي الذي حماه حتى وفاته وهو يقيم الآن بكابل تحت الإقامة الجبرية.

معلومات خاطئة
وكان الخبراء قد اتفقوا -ومعهم وكالة الاستخبارات المركزية- على أن الملا فر إلى باكستان بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بحكم طالبان في أعقاب هجمات الـ 11 من سبتمبر.

ويقدم التقرير الجديد صورة مفصلة عن السنوات الأخيرة من حياة الملا التي قضاها في عزلة بأفغانستان لا باكستان، كما تؤكد الكاتبة. ويوضح التقرير أنه كان يعيش مع عمري، وكان يتلقى زيارات نادرة كل عدة شهور من قبل مبعوثين يتنقلون بينه وبين هيئة صنع القرار التابعة لطالبان بمدينة كويتا في باكستان.

وهذا ما يظهر أن نظريات وتقديرات الاستخبارات الأميركية حول الملا عمر كانت خاطئة، في الوقت الذي تجري فيه واشنطن محادثات مع طالبان لإنهاء الحرب التي بدأت مع الغزو الأميركي في سبتمبر/أيلول 2001.

وقد أخفت طالبان وفاة الملا لأكثر من عامين -تقول الكاتبة- إلى أن كشفت عنها وكالة المخابرات الأفغانية عام 2015، مضيفة أن هذا القائد أثبت أنه بعيد المنال بالنسبة للباحثين الأميركيين، خاصة أنه حتى الإعلان عن وفاته لم يظهر بتسجيلات صوتية ولا فيديوهات لعدة سنوات.

الجهل الأميركي
وبحسب الكاتبة فقد أظهر هذا التقرير مدى الجهل الأميركي بطالبان، كما جاء في مقابلة مع كاتبة التقرير الصحفية الهولندية بيتي دام التي قضت سنوات بأفغانستان وأجرت بحوثا حول زعيم طالبان وأصدرت كتابا عن تجربتها بعنوان “البحث عن عدو” صدر هذا الشهر في هولندا.

قوات أميركية في زابل التي عاش بها الملا بقية حياته بعد الغزو الأميركي (غيتي)

وكان ديفيد بترايوس مدير وكالة المخابرات المركزية السابق والقائد العسكري السابق بأفغانستان والعراق قال في الماضي إنه من غير المرجح بقاء الملا في أفغانستان لأنه من الممكن استهدافه بسهولة هناك، وأضاف في مقابلة أنه يمكن الوصول عند الحاجة إلى أي مكان داخل أفغانستان، مستغربا أن يكون الملا يخاطر باحتمال القبض الأكيد عليه.

وقد ذهب بترايوس إلى أبعد من ذلك -كما تقول الكاتبة- حين أشار مرة إلى أن الملا عمر ليس فقط في باكستان كما كان يعتقد، بل إنه يتحرك في منطقة بين بلوشستان ومدينة كراتشي على الساحل الجنوبي، حيث يعتقد أنه عولج مرة في مستشفى هناك.

بمنزل السائق
ونبهت الكاتبة إلى أن أميركا كثيرا ما كانت تلقي باللوم على باكستان لإيوائها من تطاردهم من قادة القاعدة وطالبان، ولكن باكستان تنكر ذلك، ورغم ذلك عثر الأميركيون على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان وقتلوه عام 2011، كما قتلوا زعيم طالبان الملا أختر منصور بطائرة دون طيار في باكستان عام 2016.

ويقول تقرير مركز زوميا إن الملا عمر سلم عمليات طالبان اليومية أواخر عام 2001 إلى وزير دفاعه السابق الملا عبيد الله، وفر من قندهار إلى مسقط رأسه بولاية زابل بالجنوب، حيث أمضى عدة سنوات في عاصمة الولاية مختبئا في منزل سائقه عبد الصمد أستاذ، كما نقل التقرير عن عمري.

ووفقا لما ذكره التقرير، فإن قوات العمليات الخاصة الأمريكية فتشت المنزل المذكور ولكنها لم تدخل الغرفة السرية التي كان يعيش فيها الملا حتى عام 2004، ورفضت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) التعليق على هذه المعلومات.

وقال برهان عثمان كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية إن الملا كان متشككا بشدة في نوايا باكستان لوضعها مسؤولين كبارا من طالبان تحت الإقامة الجبرية، وأكد أنه ظل في مقاطعة زابل.

وأضاف أن ما توصل إليه من مصادر متسقة يفيد أن الملا كان يخشى أن يتلاعب به القادة الباكستانيون أو أن يستخدموا حضوره لتحوير اتجاه الحركة.

وبعد أن أنشأ الجيش الأمريكي قاعدة لا تبعد إلا بضع دقائق مشيا من المنزل الذي يسكن فيه، انتقل الملا إلى منطقة أبعد هي سيوراي التي تنحدر منها عائلته، ووجد له حارسه الشخصي بيتا من الطوب ظل يرعاه فيه حتى وفاته عام 2013.

المخبأ الثاني
وكان المنزل الآمن الثاني أيضا على بعد بضعة أميال من قاعدة أميركية أصغر تعرف باسم قاعدة العمليات المتقدمة “ولفرين” التي تقع جنوب عاصمة زابل، وحولها العديد من القرى التي يقال إن طالبان تسيطر عليها، وذكر أحد من خدموا بالقاعدة أن العديد من الجنود الأميركيين قتلوا هناك أثناء دورياتهم.

وأفاد مركز زوميا أن مسؤولي الاستخبارات الأفغانية حاولوا عدة مرات استجواب سائق الملا ولكن مسؤولين محليين كانوا يحمونه، فقد قال الزعيم القبلي محمد داود غلزار لكاتبة التقرير “الشرطة السرية ابتعدت لأنني قلت لهم إن عبد الصمد أستاذ بريء” في إشارة إلى سائق الملا. وأضاف “في وقت لاحق علمت أن عبد الصمد أستاذ كان يحمي الملا. لم أكن أعلم بذلك من قبل”.

وكان الملا يعيش في عزلة في سيوراي بصحبة عمري في ضيافة أسرة نادرا ما كان يختلط بها -وفق وصف التقرير- ولم يكن يغادر المسكن إلا للتعرض للشمس، ولا يطلب سوى الحناء لصبغ لحيته و”النسوار” وهو تبغ محلي.

وقالت الكاتبة إن عمري أخبرها أن الملا مرض عام 2013 ورفض مقابلة طبيب أو السفر للعلاج في باكستان وتوفي في زابل، ودفنته عائلته واتفقت مع مجموعة من قادة طالبان على إبقاء وفاته سرا، في وقت كان فيه الجيش الأميركي يستعد للانسحاب الكامل وفق ما خططت إدارة الرئيس باراك أوباما.

وختم التقرير بأن تسليط الضوء على هذه القصص الخفية من هذه الحرب سيكون أمرا مهما في هذه اللحظة التي أصبحت فيها احتمالات السلام مطروحة على الطاولة، وخاصة إذا كانت فرص نجاح التسوية التفاوضية كبيرة.

المصدر : وول ستريت جورنال