القاهرة-أحمد حسن
في مثل هذا اليوم، قبل 61 عامًا، استيقظ العرب على إعلان قيام أول وحدة عربية جمعت آنذاك مصر وسوريا تحت لواء “الجمهورية العربية المتحدة” كنواة لوحدة عربية شاملة.
ورغم أن تلك الوحدة لم يكتب لها الحياة سوى لثلاث سنوات فقط، ظل الحلم العربي حتى وقت قريب يراود الأجيال المتعاقبة، قبل أن تتكالب عليه أنظمة الحكم بالتودد للاحتلال الإسرائيلي، وتغتاله الصراعات العربية العربية في السنوات الأخيرة.
ويبقى التساؤل هل ما زالت الوحدة حلم الشباب العربي، وكيف يمكن تحقيقها أم أنها غير واقعية بسبب النظام العالمي الجديد، أم تكون تجربة الاتحاد الأوروبي هي البديل؟
من التوهج للخفوت
توهج حلم الوحدة في خمسينيات القرن الماضي، حين غزت الشعارات الاشتراكية والقومية الدول العربية، لتنحاز نخب وأنظمة تلك الفترة للثورات ودعوات التوحد والاندماج.
وتمخض عن ذلك توقيع ميثاق الجمهورية العربية المتحدة في 22 فبراير/شباط 1958، من قبل الرئيسين السوري شكري القوتلي والمصري جمال عبد الناصر ليتم تنصيب الأخير رئيسًا لهذه الجمهورية عبر الاستفتاء واعتماد القاهرة عاصمة لها.
وعام 1960 تم توحيد برلماني البلدين في مجلس للأمة كان مقره القاهرة، بجانب إلغاء الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة، وحل الأحزاب.
غير أن ثمار تلك الوحدة ولدت من بذور الفشل، إذ انتهت بانقلاب عسكري في دمشق يوم 28 سبتمبر/أيلول 1961، أعلن فك ارتباطه بالقاهرة وقيام الجمهورية العربية السورية.
ورأى الضباط السوريون -الذي خططوا ونفذوا الانقلاب- في التجربة غياب العدل بحق السوريين.
ورضخت القاهرة أمام انقلاب دمشق واحتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1971، عندما سميت باسمها الحالي “جمهورية مصر العربية” مع خلافة أنور السادات لعبد الناصر في الحكم.
ورغم عدم نجاح التجربة، يرى مفكرون ناصريون بمصر أن الوحدة كان لها إنجازات كبيرة منها التعاون العسكري بين البلدين وتكاملهما اقتصاديًا، الأمر الذي كان هدفًا للتفكيك من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل العدو الأساس للعرب في تلك الفترة.
ووفق مراقبين، فشلت تلك الوحدة لأسباب عدة من بينها، اعتبار السوريين مواطنين من الدرجة الثانية، وسيطرة القاهرة على مفاصل الدولة السورية وتأميم بنوكها الخاصة ومؤسساتها الصناعية الكبرى، مما أدى إلى تدمير البنية الاقتصادية لسوريا وقتها.
كما نشأت حركة هجرة للعمالة المصرية نحو سوريا، مما أحدث خللاً في توازن قوى العمل، وإحلال المصريين بالسوريين في بلد الأخير.
هذا بخلاف سعي عبد الناصر لتطبيق سياسته في مصر على الإقليم الشمالي (سوريا) بحل الأحزاب السياسية، وتدمير كوادرها كما حدث مع حزب البعث، بجانب إحلال الضباط المصريين محل نظرائهم السوريين الذين كان يرسلهم عبد الناصر إلى أماكن بعيدة داخل مصر أو يحيلهم للتقاعد.
القوتلي تنازل عن السلطة لصالح عبد الناصر من أجل الوحدة |
تجارب لم يكتب لها النجاح
كما فشلت الوحدة العربية بين مصر وسوريا، لم ترتق التجارب الوحدوية اللاحقة إلى تكتلات قوية فاعلة ومؤثرة، حتى تجربة الجامعة العربية -التي تشكلت منذ عام 1945- لم تشهد اختراقًا كبيرًا في القضايا القومية الكبرى وعلى رأسها تحقيق توافق عربي حيال النزاع العربي الإسرائيلي.
وحاول العرب تجسيد الوحدة مرات عدة أبرزها تشكيل اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وليبيا وسوريا، وميثاق طرابلس بين مصر والسودان وليبيا، والوحدة الاندماجية بين ليبيا ومصر، ومجلس التعاون العربي بين الأردن ومصر والعراق واليمن، لكنها محاولات انتهت جلها بالفشل.
ومع الألفية الجديدة، خرجت دعوات بوحدة عربية شبيهة بمشروع الاتحاد الأوروبي تقوم على تكتلات سياسية خارجية موحدة ذات ثقل اقتصادي، غير أنها اقتصرت على كيانات إقليمية ذات أبعاد جيوسياسية وديموغرافية، لم ينجح منها سوى مجلس التعاون الخليجي (يضم قطر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان) وتلك التجربة تشهد حاليًا أزمة تهدد وحدة الكيان.
ثقوب بجدار التطبيع
كان الهدف الرئيس لمساعي الوحدة العربية في العقود الماضية قائمًا على مواجهة إسرائيل، غير أن الفترة الأخيرة شهدت هرولة عربية رسمية نحو التطبيع مع هذا الكيان المحتل، بعد سنوات من التواصل السري، بخلاف القاهرة وعمَّان اللتين تقيمان علاقات دبلوماسية مع تل أبيب.
كما طفت على السطح أحاديث عربية وغربية عن إمكانية تشكيل تحالف عربي يضم إسرائيل لمواجهة الأعداء المشتركين والذين تدرجهم تل أبيب وعواصم عربية أخرى في إيران وما ينعتونه “الإسلام المتطرف“.
وفي المقابل لا تزال تتمسك شعوب المنطقة بعدم الاعتراف بإسرائيل كونها محتلة لفلسطين وأراضٍ عربية أخرى.
وبهذا الصدد، رأى الناشط المصري باسم الجنوبي مدير مبادرات سوريا الأهل وثقافة للحياة (أهلية) أنه بغض النظر عن حسابات السياسة الحالية والمتغيرة للأنظمة تبقى وحدة الشعوب وتضامنها على المستوى الإنساني والعروبي والديني واللغوي أقوى وأبقى من أية حسابات أخرى.
ودلل الجنوبي للجزيرة نت على ذلك بوجود ما يزيد يوميا عن ربع مليون سوري بمصر (بحسب الإحصاء الرسمي للمقيدين) يعيشون ظروفًا تتطابق مع حياة المصريين في الاقتصاد والتعليم والعلاج والفرص والإغاثة والرعاية.
وقال “الشباب العربي لا يتوقف عن أحلامه التحررية والوحدة العربية أحد هذه الأحلام التي تشتد في ليل الاستبداد والظلام السياسي وسطوة التطبيع الرسمي، وستبقى هذه الأحلام تراوده إلى أن تتحول واقعا“.
وأضاف “سؤال متى؟ ستحدده الإرادة، وسؤال كيف؟ يحدده مدى الوعي العام والإحساس بألم الفرقة بين الأشقاء واستعلاء العدو عليهم“.
في المقابل، استبعد الناشط الحقوقي السوري عمر السماعيل فكرة إحياء تجارب الوحدة العربية.
وقال للجزيرة نت إن الزمن الحالي لن يشهد وحدة عربية بل مصالح دول في زمن سلاطين تتجزأ.
المصدر : الجزيرة