ماذا حققت الحرب على الفساد في تونس؟

450 ‎مشاهدات Leave a comment
ماذا حققت الحرب على الفساد في تونس؟

خميس بن بريك-تونس

لم تتقدم تونس في التصنيف العالمي لمؤشر الفساد لسنة 2018 سوى بمرتبة وحيدة، وهو أمر اعتبره البعض مخيبا للآمال بينما قال آخرون إنه يعكس غياب الإرادة السياسية واستمرار معضلة الإفلات من العقاب، بالرغم من أن الحكومة تؤكد على محاربة الفساد.

وجاءت تونس في التصنيف الصادر مؤخرا من منظمة الشفافية الدولية في المركز الـ 73 من مجموع 180 دولة. أما عربيا فحلت سابعا بـ 43 نقطة خلف الإمارات (70) وقطر (62) وعمان (52) والأردن (49) والسعودية (49) والمغرب (43).

ويقول أشرف العوادي رئيس منظمة “أنا يقظ” فرع منظمة الشفافية الدولية في تونس إن تقدم البلد بمركز وحيد “مخيب للآمال” مؤكدا للجزيرة نت أن الحرب الحقيقية على الفساد “لم تترجم بعد على أرض الواقع بسبب غياب إرادة سياسية فعلية للسلطات”.

وتتهم “أنا يقظ” رئاستي الحكومة والجمهورية بالتستر على رجال أعمال فاسدين والإضرار بمصالح الدولة من خلال تكريس الإفلات من العقاب. كما انتقدت القضاء بسبب البطء في البت بقضايا مرفوعة مما أوحى أن الحرب على الفساد “مجرد وهم”.

  العوادي (وسط): تقدم تونس بمركز وحيد مخيب للآمال (الجزيرة)

دعوى قضائية
ومؤخرا رفعت المنظمة دعوى قضائية ضد الرئيس الباجي قايد السبسي بعد إصداره عفوا على المستشار السياسي بحركة نداء تونس وأحد رموز النظام السابق برهان بسيس رغم صدور حكم ضده يدينه بسنتين سجنا نافذا العام الماضي في قضية فساد تتعلق بشركة “صوتيتال”.

كما رفعت قضية ضد رئيس الحكومة يوسف الشاهد متهمة إياه بالتدخل لدى الاتحاد الأوروبي لرفع التجميد على الممتلكات المصادرة لمروان المبروك رجل الأعمال والصهر السابق للرئيس المخلوع. ويقول العوادي إن هناك تسترا حكوميا “لحماية مصالح بعض الفاسدين”.

وأرجع التقدم الطفيف الذي حققته تونس في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2018 إلى عدة تشريعات تمّ التصديق عليها من البرلمان آخرها القانون المتعلق بالتصريح على المكاسب والمصالح، والإثراء غير المشروع الذي يضاف إلى قوانين أخرى متعلقة بمكافحة الفساد.

 عبو: هناك سياسات فاسدة بأكملها بصدد الإضرار بالدولة (الجزيرة)

أمر مخجل
وتقول النائبة المعارضة عن حزب التيار الديمقراطي سامية عبو للجزيرة نت إن تقدم تونس بنقطة وحيدة في مؤشر محاربة الفساد “أمر مخجل” مؤكدة بأن هذا يؤشر إلى “غياب المحاسبة وتفشي الفساد في أجهزة الدولة وتورط الحكومة في تبييض الفاسدين”.

وتطالب عبو بمحاكمة رئيس الحكومة بتهمة “استغلال النفوذ خدمة لمصالح لوبيات اقتصادية” مشيرة إلى أن الشاهد “يرفع شعار محاربة الفساد لإيهام الشعب بأنه رجل صالح لكنه في حقيقة الأمر يسعى لخدمة مصالحه السياسية الضيقة”.

ويواجه رئيس الحكومة انتقادات لاذعة من قبل المعارضة بسبب تأسيس حزب “تحيا تونس” المحسوب عليه حيث يتداول معارضون على شبكات التواصل تهما له بأنه يمول الحزب عبر رجال أعمال لديهم مصالح مشتركة ومتقاطعة معه.

وتقول عبو إن هناك سياسات فاسدة بأكملها بصدد الإضرار بالدولة من خلال السماح لبعض اللوبيات الاقتصادية بالتوريد العشوائي رغم ارتفاع عجز الميزان التجاري، وشح رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة، وتراجع قيمة الدينار (العملة الوطنية) وارتفاع التضخم.

 الطبيب أقر بتفشي الفساد داخل أجهزة الدولة (الجزيرة)

تصنيف وجهود
من جهة أخرى، يقول رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب للجزيرة نت إن تقدم تونس بمركز واحد ضمن هذا التصنيف العالمي يعكس الجهود المبذولة لوقف نزف الانهيار على مستوى هذا التصنيف بالسنوات الأولى التي أعقبت ثورة 2011.

ويؤكد أن هناك تحسنا منذ سنة 2016 في تصنيف تونس لتصل للمركز 73 عالميا بعدما كانت بالترتيب الثمانين، مرجعا ذلك للمصادقة على مجموعة من القوانين أبرزها الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين والتصريح على المكاسب والمصالح والإثراء غير المشروع.

وكان بالإمكان -حسب الطبيب- تحقيق نتائج أفضل لو أخذت كافة السلطات العمومية بتوصيات هيئة مكافحة الفساد ومختلف الهيئات الرقابية، وعلى رأسها دائرة المحاسبات الجهاز الرقابي التابع للدولة الذي طالما كشفت تقاريره عن وجود الكثير من التجاوزات بأجهزة الدولة ومؤسساتها.

ويقر الطبيب بتفشي الفساد داخل أجهزة الدولة، داعيا إلى تنسيق العمل بين مختلف الهيئات الرقابية ومؤسسات الدولة في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد وتقليص آجال البت في القضايا المرفوعة سواء من قبل الهيئة أو منظمات المجتمع المدني لتكريس سياسة المحاسبة والمساءلة.

وقد أحالت هيئة مكافحة الفساد المئات من قضايا الفساد المرفوعة ضد مسؤولين بالدولة وغيرهم منذ سنة لكن غياب المساءلة والمحاسبة الإدارية والقضائية للمسؤولين المورطين في الفساد -حسب الطيبيب- جعل البعض يظن أن الحرب على الفساد مجرد شعارات وهمية.

قام الشاهد بحملة اعتقالات طالت بعض رجال الأعمال (رويترز)

محاربة الفساد
وكان الشاهد أكد -خلال المؤتمر السنوي الثالث لمكافحة الفساد يومي 7 و8 ديسمبر/كانون الثاني 2018- أن حكومته ماضية في جهودها لمحاربة الفساد باعتباره أولوية وطنية، مشيرا إلى أنه تم تدعيم ترسانة القوانين في هذا المجال بما يتماشى مع المعايير الدولية.

وفي مايو/أيار 2017 قام الشاهد بحملة اعتقالات طالت بعض رجال الأعمال مازالوا بحالة إيقاف على ذمة القضاء. كما أعلن الشاهد عن بعض الإجراءات التي من شأنها التقليص في شبهات الفساد على غرار إجبار المؤسسات العمومية بالتعامل بمنظومة “تونابس” الرقمية بمجال الصفقات العمومية منذ 2018.

ورغم بعض الجهود الحكومية المبذولة في الحد من الفساد الذي يبلغ كلفته بين 1 و2% من الناتج الإجمالي المحلي حسب بعض الخبراء، فإن ثقافة التصدي للفساد والإبلاغ عنه ما تزال في مستويات ضعيفة لاسيما في غياب إصدار الحكومة نصوصا تطبيقية لحماية المبلغين.

المصدر : الجزيرة