تنظيم الدولة في الرؤى الأميركية.. اتفاق على الوجود واختلاف على النفوذ

329 ‎مشاهدات Leave a comment
تنظيم الدولة في الرؤى الأميركية.. اتفاق على الوجود واختلاف على النفوذ

محمود العدم

في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، معتبرا أن ذلك سبب كافٍ لسحب قواته من هناك، وهو ما وافقته عليه وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) التي أعلنت أنها بدأت عملية سحب قواتها من سوريا.

قرار الرئيس ترامب أثار سجالا واسعا في الولايات المتحدة، واعترض عليه حلفاء للولايات المتحدة ومسؤولون عسكريون أميركيون كبار، ودفع وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى تقديم استقالته.

لكن المفاجأة الكبرى حملها التقرير السنوي لوكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية بشأن تقييم التهديدات العالمية التي تواجهها الولايات المتحدة، والذي قدمه دان كوتس وقال فيه إن تنظيم الدولة لا يزال لديه آلاف المقاتلين في العراق وسوريا.

وأضاف كوتس في شهادته أن التنظيم له ثمانية فروع وأكثر من 12 شبكة، فضلا عن آلاف المناصرين المنتشرين حول العالم رغم خسائره الجسيمة في القياديين والأراضي.

وأكد أن التنظيم سيستغل تقلص الضغوط على الإرهاب لتعزيز وجوده السري وتسريع إعادة بناء قدراته، مثل الإنتاج الإعلامي والعمليات الخارجية.

من جانبها، أشارت مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) جينا هاسبل إلى وجود آلاف المقاتلين من تنظيم الدولة، مؤكدة أن الوكالة تعمل جاهدة لمنع عودة عناصر التنظيم لنشاطها.

ويأتي هذا التحذير القوي رغم أن وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان أعلن أن التنظيم أوشك أن يخسر جميع مناطقه المتبقية في سوريا، وأن خطر الإرهاب “تم تقليصه بشكل كبير”.

ترامب أعلن في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي عزمه سحب قواته من سوريا (رويترز)

تكتيك
المواقف الأميركية المتباينة تؤكد وجود خلافات عميقة تمس أسلوب تعاطي كل فريق مع الملفات الخارجية -كما يشير تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية- إذ يعبر كل منهم عن رأيه وموقفه دون الأخذ في الاعتبار آراء ومواقف الأطراف الأخرى الفاعلة داخل البيت الأبيض بمن فيها الرئيس.

غير أن تقرير الوكالة نفسه يتحدث عن أن التضارب بين المسؤولين الأميركيين فيما يتعلق بتقدير قوة تنظيم الدولة وسحب القوات من سوريا، يؤكد أن الإعلان عن عملية الانسحاب ما هو إلا تكتيك يستهدف تحقيق عدة مصالح لواشنطن.

ومن أهم تلك المصالح إثارة الخلافات، وإحداث نوع من الفوضى والانشقاق في مسار أستانا بين روسيا وإيران وتركيا، الثلاثي الفاعل في الملف السوري.

إذ جاء الاقتراح الأميركي الخاص بإقامة منطقة آمنة على الحدود السورية التركية بعمق 20 ميلا الذي وافقت عليه أنقرة دون استشارة حليفتيها، ليثير بوادر أزمة مع موسكو التي أعلنت أنها ستناقش ملف إنشاء المنطقة الآمنة وتقييمه من منظور وحدة الأراضي السورية، وقدرة النظام السوري على فرض سيطرته على أراضيه بأسرع وقت.

ماتيس قدّم استقالته من منصبه وزيرا للدفاع بعد إعلان ترامب الانسحاب من سوريا (الأناضول)

تباين قديم
ويبدو أن التضارب بين مواقف الرئيس ترامب والمؤسسات الأمنية ليس الأول من نوعه، وهو ليس جديدا على السياسية الأميركية، كما يقول ستيفن روجرز عضو مجلس المستشارين في حملة ترامب الرئاسية.

فقد سبق أن انتقد الرئيس رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي رواية تلك الأجهزة في ما يتعلق بمحاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني، وشككك في رواية سي آي أي، كما أن الرئيس جورج بوش شكك في معلومات أجهزة الاستخبارات فيما يتعلق بالعراق.

ويضيف روجرز في مقابلة مع الجزيرة أن هذا لا يعني أن الأجهزة الاستخباراتية لا تقوم بمهامها، وإنما للرئيس الحق في أن يقول ما يريد في تقييم عمل هذه الأجهزة، وله الحق في التصحيح والتشكيك فيما تقول هذه المؤسسات.

وفي تفسيره لذلك، يقول روجرز إن الجهات الاستخباراتية تتعامل مع المعلومات التي تصلها فقط، لكن هناك احتمالات كبيرة لوجود معلومات لم تصل إليها، لذا فإن من واجب الرئيس أن يفعل ما يرى فيه مصلحة الشعب والأمن القومي، وسياسة الرئيس هي التي ستسود وتنتصر في النهاية.

وبهذا الصدد يقول المحقق السابق في لجنة الخارجية بمجلس الشيوخ جون كيرياكو -في مقابلة مع الجزيرة- إن الرئيس ترامب يقول ما يعتقده ولا يهمه طبيعة المعلومات التي يحصل عليها من الأجهزة الاستخباراتية.

ويؤكد كيرياكو -الضابط السابق في السي آي أي- أن للرئيس الحق في أن يقول إن الأجهزة الاستخباراتية ترتكب كثيرا من الأخطاء، لكن فيما يتعلق بالتقرير الأخير الذي قدمه كوتس فإنه كان يمثل كل الوكالات الاستخباراتية في البلاد وعددها 19، وقد خرجت بتقرير مشترك، ولم يكن تقييما من المخابرات المركزية فقط.

ويضيف أن للرئيس ترامب أبوابا خلفية يحصل منها على مشورة من أطراف متعددة خارجيا وداخليا، فهو يستمع لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولزعماء من الشرق الأوسط ومن السعودية والإمارات، وهو “ما يطرح إشكالية تضارب الصلاحيات والسلطات في تدبير ملفات تتعلق بالأمن القومي”.

ويفسر ذلك بقوله إن الصراع بين البيت الأبيض والمؤسسات الاستخباراتية يرجع إلى أن ترامب جاء من خارج هذه المؤسسات التي تعودت على تجنيد الرؤساء ووضعهم في الصدارة، أما بالنسبة لترامب فالأمر ليس كذلك، لذلك فهو لا يستمع لها.

ويتابع أن المشكلة في ذلك تكمن في أن قادة المؤسسات الاستخباراتية باقون بينما الرؤساء يتغيرون، لذلك فإن الفريق الاستخباري الحالي سيعمل فقط على إعاقة عمل الرئيس لجعل سياساته تتباطأ إلى أن يذهب ويأتي رئيس جديد، وهذا محل خطر لأنه سيقيد عمل الرئيس ولن يسمح له بإنفاذ سياساته الخاصة.

المصدر : الجزيرة + وكالات