مع دخول الاحتجاجات في السودان شهرها الثاني، برزت المساجد لاعبا جديدا في تغذية حراك الشارع بعد أن ظلت لعقود حواضن للفئة التي تحكم السودان منذ 30 يونيو/حزيران 1989.
وترك السودانيون ما ظنوه تأدبا في الإنصات للأئمة أيا كانت خطبهم، في وقت أصبح فيه من المجازفة أن يدافع خطباء الجمعة عن الحكومة على المنابر.
وشهدت مساجد في الخرطوم وولاية الجزيرة أمس الجمعة ملاسنات بين المصلين وخطباء حاولوا إبداء مواقف ضد الاحتجاجات، في حين شهدت مساجد أخرى انتقادات حادة لحوادث قتل المحتجين.
وعقب صلاة الجمعة في مسجد بمربع 8 في حي المربعات في أم درمان، تصدى المصلون بقوة لمتحدث طلب من الناس مراعاة الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وانتظار معالجات الحكومة لمشكلات شح الوقود والنقود.
ودوى في المسجد الهتاف بشعار “تسقط بس”، ولم يسلم المتحدث -الذي أجبر على مغادرة المنبر- من الشتائم.
إحدى مظاهرات الخرطوم (رويترز) |
تنحية إمام
ومنذ بدء الاحتجاجات الشهر الماضي كان لافتا ظهور حالات رفض للسلطة داخل المساجد، لكن حركة الرفض تنامت بشكل لافت منذ الجمعة الماضية وتحولت إلى ما يشبه الظاهرة.
لكن ما حدث في مسجد الكاملين العتيق بولاية الجزيرة كان لافتا، حيث أنزل المصلون الخطيب وأكملوا الخطبة والصلاة بإمام آخر بعد أن أورد الأول من الآيات والأحاديث ما يحرم الخروج على الحاكم.
وعلى إثر ذلك صاح أحد المصلين بأن الصلاة لا تجوز خلفه، قبل أن يتبعه آخرون في كيل الانتقادات للإمام الذي أجبر مع ارتفاع الأصوات على التنحي عن المنبر.
وفي مسجد الملك القدوس بضاحية “ود البخيت” في أم درمان، تعرض إمام المسجد للطرد بعد أن رفض طلبا من المصلين بأداء صلاة الغائب على أرواح “الشهداء” الذين سقطوا خلال الاحتجاجات. وفور طرده اصطف المصلون مكبرين لأداء صلاة الغائب على ضحايا الاحتجاجات.
وبلغ عدد القتلى في الاحتجاجات التي يشهدها السودان منذ 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، 31 قتيلا وفقا لإحصاءات الحكومة، غير أن جهات حقوقية تحصي أكثر من 50 قتيلا.
انتقادات المنابر
وباتت المساجد تشكل نقاطا لانطلاق الاحتجاجات كما يحدث كل جمعة منذ انطلاق المظاهرات في مسجد أنصار حزب الأمة في حي ود نوباوي في أم درمان، وفي مسجد خاتم المرسلين بحي جبرة جنوبي الخرطوم.
وشن خطيب مسجد السلام مهران ماهر في خطبته أمس انتقادات قاسية لتعامل السلطات مع المحتجين، وقال إن خروج سيارات بلا لوحات عليها ملثمون لقتل المتظاهرين ليس من الدين، كما أن التنكيل بهم لأنهم هتفوا ضد الحكومة مخالف لشرع الله.
وبعد صلاة الجمعة أمّ مهران المصلين في صلاة الغائب على أرواح الذين سقطوا قتلى خلال الاحتجاجات.
أما في مسجد خاتم المرسلين، فنّد الداعية المعروف عبد الحي يوسف ما ذهب إليه مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش بأن أسباب الاحتجاجات هي التضييق على الشباب في ارتياد شارع النيل وتعاطي “الشيشة”، وقال يوسف إن الشباب خرجوا بسبب انتقاص الدين وانتشار الفساد وتفشي الظلم وانسداد آفاق المستقبل.
وافتتح الرئيس عمر البشير مسجد خاتم المرسلين الذي يسع 13 ألف مصلٍ في أغسطس/آب 2010، وحينها أثنى على عبد الحي يوسف بقوله إنه “أصبح مؤسسة دعوية شاملة”.
أما آدم إبراهيم الشين خطيب وإمام مسجد الرحمة بضاحية الحاج يوسف الوحد شرقي الخرطوم، فوجّه انتقادات حادة للبشير، مشيرا إلى تفشي الفساد وانهيار المشاريع الزراعية، كما تم بث خطبته مباشرة على فيسبوك.
ومنذ وصول البشير إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1989 مدعوما من الجبهة الإسلامية القومية، شكلت المساجد حواضن لاستقطاب الشباب في الأحياء والقرى لنظام الحكم.
المصدر : الجزيرة