محمد ثابت-القاهرة
تحل الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وسط محاولات أدبية للتعبير عنها، فيها من التألق الشعري والروائي جانب كبير، وفيها من الحيرة والتذبذب الفني جانب غير قليل.
بل إن من المدهش أن نجد في ثنايا العمل الفني الروائي الواحد أو الديوان الشعري أشكالا فنية ومضامين نابعة من حرارة الاعتزاز بالحدث الثوري، وأيضا قلقا إبداعيا ناتجا عن عمق الانكسار، بسبب قسوة الأسباب الدافعة للثورة، ثم للنهاية والمآل اللذين صارت إليهما الثورة.
اغتراب شعري
الشاعر المصري محمد فؤاد علي مثال لقلق وأمل شعراء هذه الفترة معا، خصّ الشاعر الجزيرة نت بقصيدة “يمامات شعرية”، وفيها يبدو الاغتراب الشعري بصورة واضحة بين الواقع المعتم والآمال الكبرى المزهرة، خاصة حيال مذبحة رابعة العدوية التي راح ضحيتها المئات من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي يوم 14 أغسطس/آب 2013.
يقول فؤاد:
شعري يمامات الجمال الرائعه.. حطت على غصن الجلال برابعه
شعري شهيد مات ملء دمائه.. مـــــــــتهللا يحـــكي مآثر رائـعه
شعري فتاة حين طلّ نجيعها.. فتفتـــــــــحت وردا بحقل الجــامعه
بقع الدماء تهللت فوق الثرى.. طفل هنا يبكي وثكـــــــــلى دامـعه
رغم التضحيات الكبرى التي يشير الشاعر إليها في الأبيات بين ميداني رابعة والنهضة أو “حقل الجامعة”، في إشارة إلى ميدان النهضة أمام جامعة القاهرة بمحافظة الجيزة المواكب لاعتصام رابعة، فإن المآثر الرائعة لم تؤد لدى الشاعر إلا إلى الشعر الشهيد “مات ملء دمائه”، في حين كان الشاعر يحلم أن يكون شعره “يمامات الجمال الرائعة”.
أما ديوان الشاعر الثالث والأخير “وردة أخيرة للجرح” فاسمه في حد ذاته شهادة على اغتراب مبدعه بين الآمال الثورية والواقع المحبط المرير، ورغم الألم يخاطب الشاعر الشعب المصري في القصيدة المسماة باسمه قائلا:
ثرْ أيّها العملاق ثر..
ثرْ واقتلع جذر الطغاة الجائرين..
ومزِّقْ الأوهام ثرْ..
خذْ دمعتي الحرّى..
أن تحبك جيهان
إذا انتقلنا لعالم الرواية وتعبيرها عن الثورة المصرية وتحدياتها، لم نجد عوالمها أفضل من الشعر بكثير، وإن جاءت رؤى أبطالها ومعالجاتهم للواقع والآمال أكثر تفصيلا.
البداية مع رواية “أن تحبك جيهان” (2015، دار النشر المصرية اللبنانية) للكاتب مكاوي سعيد، الذي رحل يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 2017 مخلفا أيضا 6 مجموعات قصصية و3 كتب سردية وقصصا للأطفال.
الرواية هي الثالثة والأخيرة للكاتب الراحل، وفيها يبرز معاناة الطبقة الوسطى من صعوبات، وأحيانا استحالة الحياة، عبر معاناة وأصوات أبطالها الثلاثة أحمد الضوي وريم مطر وجيهان العرابي، وبينهم ضابط الشرطة الفاسد بحذر عماد صدقي.
عبر تعاقب أصوات الثلاثة، تدور فصول الرواية المقاربة للسبعين فصلا، بين شغف الروائي الراحل بالسرد، بل افتتانه بتفاصيل الحياة الدقيقة للبطل وعشرات الأشخاص الثانويين، ثم عشق ملامح أحياء القاهرة ومقاهيها العتيقة والجديدة، يجعلنا نسبح مع الكاتب في عالم من آلاف التفاصيل الدقيقة الدالة على تغير الحياة بالكلية، الموجب للثورة بحسب حس الكاتب.
يعيش أحمد الضوي مهندس المقاولات وحيدا بعد طلاقه “أحلام”، وكتعويض عن ضياع حلم جيله اليساري، يغرق الضوي حتى أذنيه في علاقة حسية مع “ريم مطر”، التي يقول عنها “لقد عاشرت ريم وأكاد أحفظها غيبا ويفتنني منها تناقضها المرعب… منظرها وسلوكها الخارجي ولسانها الأرستقراطي وما يستتر خلفه من وقاحة”.
ريم من بقايا طبقة وسطى، لا تعرف إلا المتعة، ولما يصعب عليها مجاراة البطل تحاول اغتياله معنويا.
أما جيهان العرابي فتجسد رمزا أكبر من شخصية روائية، فهي الأرملة دارسة السينما التي تكتفي بالتصوير الفوتغرافي، وهي مثال العفة المتحرزة من كل رجل، ولا تجد نفسها إلا في ثورة يناير، فتقرب إليها البطل أخيرا، لكنه يستشهد أثناء الثورة، في إشارة لضياع الحلم الثوري.
في “جمهورية كأن” تصدى علاء الأسواني لثورة 25 يناير من منظور بعيد عن الصدق في التعبير عن الواقع (الجزيرة) |
جمهورية الأسواني
إن كانت رواية مكاوي عرفت طريقها حينا للمباشرة بذكر أشخاص حقيقيين وموقفهم من الثورة، فإن إيغال الرواية في الخيال برر ذلك إلى حد ما، وهو ما أبحرت فيه “جمهورية كأن”، الرواية الرابعة للكاتب والروائي علاء الأسواني، الصادرة العام الماضي عن “دار الآداب” في بيروت، في ذكرى تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك.
الرواية الممنوعة من التداول في مصر، تقع في 521 صفحة و73 فصلا، موزعة بين أربعة أصوات أهمها “أحمد عطواني” مسؤول أمن الدولة المصري وقت الثورة.
النص الروائي تجنى على الواقع بتصوير أن جهاز أمن الدولة دبر لتنحي مبارك والانقضاض على الثورة بمعاونة مرشد جماعة الإخوان المسلمين حتى قبل تنحي المخلوع، وهو ما أوقع الرواية فنيا في المباشرة وأبعدها عن الصدق في التعبير عن الواقع.
في “الأرض الحائرة” جمع أحمد حافظ بين مفردات الشعر ورؤيته واستسلم لفتنة اللغة ورمزيتها ومثالية المعاني (الجزيرة) |
“الأرض الحائرة” والانتصار للحلم:
في روايته “الأرض الحائرة” (دار “إي كتب” البريطانية) يعبر الكاتب أحمد حافظ عن رؤية تختصر الواقع وتنتصر للمستقبل، برواية تجمع بين مفردات الشعر ورؤيته، وإن لم تخل من فتنة اللغة ورمزيتها ومثالية المعاني.
تدور فصول الرواية الثمانية في ظل أجواء غائمة ملبدة بالحيرة، وفي دولة مجهولة يعاني الوطن احتلال جزء من أرضه، وبدلا من تحريره يسعى العسكريون لفصل الجزء المحتل بإقامة دولة أخرى جديدة بالاتفاق مع المحتل، وهو ما لا يرضي الأبطال المتعطشين للحرية، وهم: هاشم وسالم وشقيقته أمل، في حين يعبر المؤلف عن الجموع المثالية الثائرة المتعطشة للتحرر بصوت 1، 2، 3.
جميع أفراد الشعب متعطشون للحرية، والخونة هم المسؤولون المستفيدون فحسب، وأسماء الأبطال جميعها تعبر عن دلالة رمزية حالمة بالنصر الذي يتحقق أخيرا.
المصدر : الجزيرة