أحمد فضل-الخرطوم
ككرة الثلج تبنت الجهات الحكومية في السودان فرضية الرئيس عمر البشير بشأن مقتل طبيب ضاحية بري بالخرطوم الخميس الماضي، دون انتظار تقرير لجنة التقصي الحكومية، في محاولة لعزل تجمع المهنيين.
“طبيب بري قتله مندسون داخل المظاهرات بسلاح لا يملكه الجيش والشرطة والأمن”.. هذه هي الفرضية التي ساقها الرئيس أثناء خطاب له أمام متصوفة في منطقة الكريدة بولاية النيل الأبيض يوم الأحد.
ولم يلبث أن انجرت إلى ذات الفرضية وتبنتها بعد ساعات فقط إدارة الطب الشرعي في ولاية الخرطوم ومدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش.
وفي اليوم ذاته روجت واجهات محسوبة على السلطة فيديو يظهر قنص أحد المتظاهرين في احتجاجات بري الخميس الماضي، على أن فتاة محتجة قريبة منه هي من أطلق النار عليه.
الحكومة في قمة هرمها ومؤسساتها الأمنية والصحية اهتمت بالتبرؤ من جريرة مقتل الطبيب بابكر عبد الحميد، رغم أن حصيلة ضحايا الاحتجاجات تفوق الأربعين قتيلا بحسب منظمات حقوقية، و26 قتيلا وفقا للحكومة، وهو ما يفتح تساؤلات حول سر هذا الاهتمام.
|
|
فرضية القتل
مساء الأحد خرج مدير جهاز الأمن بتصريح قال فيه إن طبيب بري -وفقا لتقرير الطب الشرعي- أصيب من الخلف ببندقية خرطوش من طراز “موريس”، وليس بكلاشنكوف.
وقال قوش في تسجيل صوتي مسرب إن السلطات لديها صور للحادثة تظهر فتاة خلف الطبيب “فتحت حقيبتها ونفذت العملية.. سننشر صورتها ونأتي بها ونعدمها”.
ومضى إلى أن الشيوعيين ليس لهم دين وأخلاق ويقتلون الناس لإلصاق الجرائم بالإسلاميين، وذكر أن من يدير الاحتجاجات شيوعيون سيؤدون بالبلد إلى الهاوية.
وعاتب مدير الأمن الأطباء الموالين للحكومة قائلا إنهم غير راضين عن أدائهم لانهزامهم وتركهم القطاع الطبي مرتعا خصبا لليساريين، قبل أن يطالبهم بقيادة المعركة والعمل على إخراج الأطباء من هذه “الحفرة”.
ويعكس ما ذهب إليه قوش معاناة الحكومة من إضراب الأطباء الذي تعزز بعد مقتل طبيب بري، بسحب الكادر الطبي من مستشفيات تابعة للقوات النظامية وأخرى خاصة، حيث تعد لجنة أطباء السودان المركزية أكثر لجان المهنيين نجاحا في تنفيذ الإضراب.
|
|
نتائج التشريح
وبالنهج ذاته، قالت وزارة الصحة بولاية الخرطوم في مؤتمر صحفي مساء الأحد إن الطبيب قتل ببندقية خرطوش، أصابته من الخلف وليس من الأمام.
وأوضح مدير مشرحة المستشفى الأكاديمي طارق عساكر أن تشريح جثمان الطبيب أثبت أن الإصابة من مسافة 4 إلى 10 أمتار بواسطة بندقية خرطوش.
كما قال وزير الدولة بالإعلام مأمون حسن في مؤتمر صحفي إن ثمة استهدافا نوعيا من داخل الاحتجاجات -مثل استهداف طبيب أو طفل أو امرأة- لتوسيع دائرة الاحتجاجات.
وتسببت هذه الفرضية في موجة سخط عارم على مواقع التواصل الاجتماعي، وسارع كثيرون إلى تفنيدها عبر تسجيلات صوتية، منها عضو حزب المؤتمر الشعبي عمار السجاد الذي سخر من حديث قوش، متسائلا عن الدوافع التي تجعل فتاة تغتال الطبيب، ومشيرا إلى أنه بحكم مشاركته في احتجاجات بري يصعب عليه تصديق هذه الرواية. كما رفض السجاد اتهام الشيوعيين بتدبير الاحتجاجات.
بدوره، دحض مقدم الشرطة متقاعد عوض كرنديس عبر حسابه على فيسبوك إفادات مسؤولي وزارة الصحة، مؤكدا استحالة إصابة الطبيب ببندقية خرطوش.
إحراج للحكومة
وعن سر اهتمام النظام والحكومة السودانية بمقتل الطبيب، يرى الصحفي فيصل محمد صالح أن مقتله شكل حرجا وضغطا بالغا على الحكومة، خاصة مع ظهور أصوات محسوبة على النظام الحاكم انتقدت الحادثة.
وأشار إلى أن الفيديو الذي احتجت به الحكومة بأن الطبيب قتل على يد فتاة داخل المظاهرة ليس للطبيب المغدور، ولكنه لمصاب آخر تم قنصه من قبل قوات نظامية.
وأعرب صالح عن أسفه لعدم انتظار الرئيس والحكومة صدور تقرير لجنة التقصي، رغم أن لجان التحقيق التي تشكلها الحكومة أصلا سيئة السمعة، بحسب قوله.
بضاعة قوش
ويبدو أن تركيز الجهات الحكومية على تبرئة السلطة من مقتل الطبيب، يهدف إلى عدم منح تجمع المهنيين السودانيين المزيد من تعاطف الشارع، خاصة أن الأطباء يمثلون عصب التجمع الذي يتبنى الاحتجاجات.
ويمثل إضراب الأطباء اختبارا حقيقيا للحكومة التي سبق أن اختبرت إضرابا ناجحا نفذته لجنة أطباء السودان المركزية عام 2016، إذ شل حينها المستشفيات العامة وأجبر الحكومة على التفاوض مع اللجنة.
واضطر تجمع المهنيين للرد على مدير الأمن عبر حسابيه على فيسبوك وتويتر، قائلا إن الرجل “يريد أن يحافظ على صورة زاهية عند رؤسائه، ويريد أن يعرض بضاعته للمجتمع الإقليمي والدولي كبديل متوازن ومقبول”.
وشدد التجمع في بيان أن “الثورة بسلميتها لن تتراجع حتى تزيل النظام بكل قبحه وسوء خطابه ووضاعة ممارساته بالقتل والسحل والاعتقال”.
المصدر : الجزيرة