مرضى سوريون بالأردن.. خوف من الموت وآخر من الترحيل

411 ‎مشاهدات Leave a comment
مرضى سوريون بالأردن.. خوف من الموت وآخر من الترحيل

محمود الشرعان-عمّان

لاجئون مرضى يخافون من الموت أو الترحيل القسري من المستشفيات حتى إن لم تكتمل فترة علاجهم، يحرقهم الشوق لعائلاتهم بيد أن المرض أقوى من الشوق؛ إنها حال المئات من اللاجئين السوريين في المستشفيات الأردنية.

لم تكن الحرب رفيقا كافيا لهم في رحلة اللجوء، بل انضم المرض إليها، فقد هربوا من حرب بطشت بهم في بيوتهم إلى خيم وسط الصحراء أكلت من أجسادهم، تاركة مرضا لا يفهم المسكنات البدائية التي يحصلون عليها من النقاط الطبية في مخيمات، أوجب عليهم رحلة لجوء أخرى، من بين عائلاتهم في الخيام إلى المستشفيات، تاركين خلفهم ما تبقى من رحلة الموت.

وصلت أعداد اللاجئين السوريين في الأردن إلى 671 ألفا، يقطن 79 ألفا منهم في مخيم الزعتري، و40 ألفا في مخيم الأزرق، بحسب أرقام مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.

السورية ماريا رُحّلت قسرا إلى مخيم الركبان قبيل انتهاء علاجها (الجزيرة نت)

حرقة القلب
الحروق أكلت جسد ماريا دحوح ذات الثلاثين عاما، نتيجة انفجار “بابور الكاز” في خيمتها في مخيم الركبان بسوريا قرب الحدود مع الأردن.

ماريا أم لأربعة أبناء، نقلت إلى مشافي الأردن بعد تشخيص حالتها، دون مرافق معها، لتستقر أخيرا في مشفى المقاصد الخيرية بالعاصمة، وتبدأ رحلة علاج استمرت تسعة أشهر.

“حرقة القلب على أطفالي أصعب من حروق الجسد كلها”، بهذه العبارة تصف حالتها النفسية، خوفها على أبنائها الأربعة يوازي تماما قلقها من ترحيلها قبل انتهاء العلاج.

ينقطع حديث ماريا للجزيرة نت، فتسكت تارة لتتذكر مدينتها “حمص“، وتارة أخرى تستذكر وضع المخيم الكارثي المفتقر للطعام ووسائل التدفئة، لتشعر بقلق أكبر من هذه الفكرة على أبنائها وزوجها.

مؤخرا، صدر قرار بترحيل ماريا قسريا إلى المخيم قبل انتهاء مدة علاجها، ودون معرفة الجهة المسؤولة عن هذا القرار، إذ نفى كل من المشفى ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في الأردن طلبهما ترحيلها.

ماريا واحدةٌ من بين مئات المرضى والمصابين السوريين في مخيم الركبان، الذين يعانون من سوء التغذية وعدم وجود رعاية طبية كافية لهم.

يقع مخيم الركبان داخل الأراضي السورية بالقرب من المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، ضمن منطقة الـ55 الخاضعة لسيطرة قوات التحالف الدولي المتمركزة في قاعدة التنف على الحدود السورية الأردنية، ويضم أكثر من خمسين ألف لاجئ سوري غالبيتهم نساء وأطفال.

ويقول الناطق باسم مفوضية اللاجئين السوريين محمد حواري إن عيادة الأمم المتحدة داخل المخيم تعمل بكل طاقتها لتلبية الاحتياجات الطبية للنازحين داخل الركبان، وتقدم العلاج الأولي اللازم، أما الحالات المتقدمة التي تحتاج إلى تدخل جراحي أو علاج متقدم فيتم تحويلها إلى المستشفيات الأردنية.

مصابو الحرب
وكان من بين الذين استقر بهم الحال في مستشفى المقاصد الخيرية أبو تامر، أحد المصابين في قصف روسي على درعا، وهو يعاني من كسور متفرقة في جسده بعد تنقله بين مجموعة من المستشفيات.

وبحسب تقديرات أبي تامر فقد أدخل إلى المستشفيات الأردنية أكثر من 140 مصابا بالتنسيق بين السلطات الأردنية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، رغم إعلان عمّان إغلاق حدودها بشكل كامل، رافضة استقبال مزيد من اللاجئين، وفقا لبيان الحكومة.

تعتري ملامح الخوف وجه السوري أبي تامر أثناء حديثه مع الجزيرة نت، إذ يخشى عودة محتملة إلى سوريا، خاصة أن اسمه في قوائم المطلوبين للنظام هناك، كما لا يُخفي قلقه على عائلته التي تركها خلفه في الحرب.

مخاوف أبي تامر وماريا لا تختلف عن مخاوف المئات من المرضى والمصابين السوريين الذين تلقوا العلاج في المستشفيات الأردنية، مخاوف أحلاها مُرّ: الموت، أو العودة إلى خيمة في صحراء، أو سجن النظام.

جهةٌ غير معروفة تصدر قرار الترحيل، لا يعرف أحدٌ من تكون أو لمَ تقوم بهذه الخطوة، خاصة في ظل تأكيد الناطق باسم المفوضية محمد الحواري استكمال المرضى للعلاج، وعليه تتم إعادتهم إلى منطقة مجيئهم، و”لم يتم ترحيل أي من المرضى من داخل المستشفيات”.

ويشير الحواري للجزيرة نت إلى أن التكاليف الصحية للاجئين قد تضاعفت أكثر بثلاث مرات، مما جعلهم يواجهون صعوبة في العلاج، بل إن كثيرا منهم انقطعوا عن علاج أمراض مؤذية بسبب التكلفة.

ويتابع “الأمر يضعنا أمام مسؤولية أخلاقية صعبة توجب علينا مطالبة المانحين بتخصيص أموال لدعم القطاع الصحي، وهو واحد من برامج عدة خاصة لمساعدة اللاجئين تجعلنا قلقين من تمويل العام 2019”.

متطوعة
المتطوعة شذا العدل تقول إن “المرضى يأتون دون مرافقين، تُحزنني رغبتهم في أن يكون معهم أهل أو معين، يتمسكون بأي شخص يرونه من سوريا”.

تروي شذا للجزيرة نت تفاصيل مساعدتها للمرضى، قائلة إنها تحاول تأمين الملابس والطعام للمرضى الذين يحتاجون لذلك، بالإضافة لكون المشفى يقوم بذلك، وقد “قمت بطرح فكرة مساعدة المرضى بالملابس وما يحتاجون له، وتطورنا حتى باتوا يخبروننا عن المجاعة التي يُعانون منها في الركبان أو حتى سوء الأحول في المخيمات الأخرى، وبدأنا تأمين كل مريض بمبلغ مادي زهيد، ما يُقارب خمسة دنانير (سبعة دولارات) أو أقل، بيد أنه كان يعني الكثير لهم”.

قبل أن تبدأ هي ومن معها مناشدة الناس أن يمنحوا المرضى “ربطة خبز”، فتجد إقبالا كبيرا على ذلك، و”رويدا رويدا بدأنا بتوعيّة الآخرين، ووجدنا أن أفضل الطرق لذلك إخبارهم عن احتياجات المخيم ومعاناة الناس فيه”.

تبرعات
أما مستشفى المقاصد الخيرية فهو من مشافي الأردن الحكومية الخيرية التي تستقبل المرضى والمصابين السوريين، معتمدة على التبرعات من قبل الجمعيات والمنظمات الدولية، بحسب مديرها العام الدكتور علي السعد.

ويقول السعد للجزيرة نت إن المستشفى بدأ استقبال اللاجئين السوريين بعد أحداث عام 2011، مؤكدا أن المرضى لا يمكن ترحيلهم دون انتهاء علاجهم بشكل كامل.

واعتمد الاتحاد الأوروبي أكبر ميزانية إنسانية سنوية أولية على الإطلاق بقيمة 1.6 مليار يورو لعام 2019، ستخصص النسبة الكبرى منها للأزمة في سوريا ودعم اللاجئين في دول مجاورة، منها الأردن.

وخصّص الاتحاد 860 مليون يورو لدعم اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا ومصر، والنازحين في سوريا.

المصدر : الجزيرة