الفلسطينية إكرام.. بالزواج كسرت قيد السجان الإسرائيلي

316 ‎مشاهدات Leave a comment
الفلسطينية إكرام.. بالزواج كسرت قيد السجان الإسرائيلي

عاطف دغلس-نابلس

لطرفة تحوَّل الأمر، ولوقت قصير ضجت الغرفة بضحكات الحاضرين من ذوي الزوج والزوجة، وحتى العروس نفسها عندما قال شقيقها لشقيق العريس “زوجتك موكلتي” وتوقف، ونسي أن يتبعها بكلمة “لموكلك” كي يتم الزواج ويستوفي شروطه، فالزوج أسير بسجون الاحتلال.

هكذا عقدت إكرام أبو عيشة قبل أيام قرانها بابن قريتها “بيت وزن” شمال الضفة الغربية الأسير إسماعيل أبو عيشة (44 عاما) بحضور بسيط من الأهل والأقارب حاولوا الفرح رغم غياب طقوس تحبها كل فتاة بمكانها.

الزواج انتصارا
بهذا الزواج تُسطِّر إكرام انتصارا على الاحتلال الذي يحاول باعتقاله آلاف الفلسطينيين والزج بهم في غياهب سجونه أنه يوقف عجلة حياتهم ويعزلهم عن محيطهم بالخارج والحياة بتفاصيلها المختلفة.

 إكرام بجانب والدتها وأقاربها خلال عقد قرانها بمنزلها قبل أيام في نابلس بالضفة (الجزيرة)
حين عملت إكرام ناشطة بالدفاع عن الأسرى تعرفت على إسماعيل، وكان أحدهم يزودها بأخبار المعتقلين ليقوم الشخص نفسه بإخبار إسماعيل بأن إكرام ابنة قريته لا تدخر جهدا بمناصرتهم ونقل معاناتهم للعالم، فعاجل إسماعيل التعرف عليها وصار يزودها بأخبار السجن تباعا.
إكرام وإسماعيل
في أغسطس/آب الماضي أخذ الحديث بين إكرام وإسماعيل -المعتقل منذ 2002 ومحكوم بالسجن 18 عاما- منحى آخر غير موضوع الأسرى، ليخبرها بأنه يعكف على خطبتها إذا أرادت، وفعلا كان الرد بالإيجاب وحسمت الفتاة أمرها، ليتم عقد القران قبل أيام.

لم يكن اختيار إكرام لزوجها الأسير هربا من العزوبية أو وضع حد لكثرة الخطاب الذين يطرقون الباب، وتقول: إنه الشخص الذي التقت معه أفكارها، وزاد قناعتها أكثر قضيته العادلة والوطنية، وهي لا ترى أن الأمر مجرد عواطف ومشاعر جياشة بقدر ما هو قرار “عقلاني”.

شقيق الأسير يوقع كوكيل عن إسماعيل بإتمام الزواج (الجزيرة)

الهم الوطني
وجدت إكرام بخطيبها ما كانت تحلم به كشريك للعمر لا سيما “الانسجام” في الهم الوطني الذي يعيشه الفلسطينيون برمتهم، وهذا هو “السلاح” -حسب وصفها- الذي حاربت به من حاول تثبيط عزيمتها والتشكيك بصواب قرارها.

وترد على من يسألها -حول سر ارتباطها بأسير قضى نصف عمره في السجون وليس بمأمن عن الاعتقال بعد تحرره- أن الاحتلال يريد عزل عائلات المقاومين من الأسرى والشهداء اجتماعيا “وتحميلهم الذنب وكأنهم عار بفعل نضالهم”.

هي أيضا لم يفتها القطار كما وشى البعض بالقول، فهي لم تزل في ريعان شبابها وبإمكانها أن تحظى بغيره زوجا، وتقول إنها ارتبطت به للتأكيد بأن الأسرى يستحقون كل تقدير واحترام.

فرح بالسجن
لثلاثة أشهر انتظرت إكرام بين طلبها للزواج وعقد القران، حيث بعث خطيبها بورقة يوكل فيها شقيقه الأكبر للقيام بهذه المهمة، إذ لم يكن سهلا نقل الوكالة عبر المحامين، فهذه المهمة منوطة باللجنة الدولية للصليب الأحمر.

في قرارة نفسها تعرف إكرام أن أمورا كثيرة ستغيب عن حفل إشهار زواجها، وأن لا متسع للفرح كنظيراتها اللواتي يحضرن أنفسهن حفلات الخطوبة، لكن ذلك لم يحل دون “حفل صغير” أعدته نسوة العائلتين وارتدت فيه إكرام ثوبا فلسطينيا مطرزا وصدحت الحناجر بالزغاريد وأغاني التراث الفلسطيني.

 العروس والحلم قد أصبح حقيقة (الجزيرة)

دموع الفرح
للحظات خيَّم الصمت وذرفت إكرام دموع الفرح عندما وضعت شقيقة خطيبها الدبلة (الخاتم) في إصبعها كعرف لتأكيد الزواج، لكن سرعان ما تلاشى ذلك وعاد الفرح وبطلب من العروس نفسها ليحل بالمكان، فالفلسطيني كما تقول “يبحث عن السعادة بحثا”.

لبرهة من الزمن طافت روح إكرام وهي تجلس وحيدة فوق المنصة نحو الحبيب في المعتقل، وتساءلت ما إذا كان هو الآخر فرحا، ليأتي الرد بعد وقت قصير أن حفلا مهيبا أعد داخل خيام سجن النقب حيث العريس المعتقل، وأن حلوى الفطائر قدمت للأسرى الذين أشعلوا الأرض بالدبكة الفلسطينية.

إسماعيل يستعد
بهذا الزواج لم يعد إسماعيل يشعر بالفراغ، وصار يهتم بصحته ومظهره الخارجي بممارسة الرياضة وتصفيف شعره، وصار يفكر أيضا بالتحضير لبناء “عش الزوجية” حسب وصفها.

ومثل إكرام لم تمانع عائلتها بهذا الزواج ورحبت به، فإسماعيل -كما تقول والدتها وفيقة أبو عيشة- أسير ضحى بزهرة شبابه لأجل وطنه وهي “تطمئن” لزواج ابنتها منه.

ولا ترى الحاجة وفيقة أن بهذا الزواج خروجا عن الأعراف والتقاليد، وتقول “الأسرى جزء أصيل من الشعب القابع تحت نير الاحتلال وظلمه”.

إحدى الفعاليات المناصرة وسط نابلس (الجزيرة)

انتصارات نوعية
لم يستسلم الأسرى الفلسطينيون لانتهاكات الاحتلال وأساليبه القهرية بحقهم، وارتبط العشرات منهم بزوجاتهم من داخل السجون، كما تجاوزت إرادتهم أسوار المعتقلات بعدما نجحوا في تهريب نطفهم وإنجاب نحو سبعين مولودا من “أطفال الحرية” كما أطلق عليهم.

وتقول أمينة الطويل الباحثة بمركز أسرى فلسطين للدراسات أن زواج الأسرى داخل المعتقل يشكل “قفزة نوعية” وتحديا للاحتلال الذي يعمل على “إعدامهم” معنويا وجسديا، كما أنها خطوة توقد “شمعة الأمل” بالحرية والحياة لدى الأسير.

وأمينة نفسها جربت هذا الأمر، وتقول إنها تعيش حياة سعيدة مع زوجها الذي انتظرته لنحو ثلاث سنوات بعدما تقدم لخطبتها وهو داخل الأسر، وتقول “عشرات الحالات تمت ونجحت، وأخرى تنتظر رغم حكم الأسير بالمؤبدات”.

 الفلسطينيون يطالبون طوال الوقت بالإفراج عن أسراهم (الجزيرة)

“سنظل نحلم
وتضيف الباحثة أنهم -وكجهة إنسانية وحقوقية- يعززون هذا الزواج عبر تواصلهم مع الأسرى وتلبية مطالبهم بالبحث عن معلومات حول شريكات حياتهم أو العكس، وتؤكد ضرورة موافقة الطرفين بشكل “عقلاني” وليس لمجرد الشعور بالذنب تجاه الأسير كي “لا تفسد مشاريع زواج أخرى”.

“سنظل نحلم أن تكون لنا بهؤلاء الرجال قرابة، أمهات أو بنات، زوجات أو حبيبات” هذا ما خطته إكرام بيدها على حائطها في فيسبوك، وأرفقت صورة لبطاقة هويتها الجديدة وقد تحولت حالتها الاجتماعية من عزباء لمتزوجة تمهيدا لمشروع زواجها حال تحرر خطيبها بعد سنة ونصف السنة.

المصدر : الجزيرة