عكست قضية اعتقال نائبة رئيس شركة “هواوي” -بوضوح شديد- التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة والصين القائم حول قيادة مستقبل التنمية الاقتصادية والإستراتيجية في العالم.
وأوضح الكاتبان خافيير فوندلاغلوريا وماكرينا فيدال لي في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة “إلباييس” الإسبانية، أن الدولتين تخوضان صراعا من أجل ملء فراغ القيادة العالمية من خلال الحرب التجارية. وقد شمل هذا النزاع قضايا على غرار اعتقال نائبة رئيس شركة “هواوي” في غرة ديسمبر/كانون الأول في كندا بتهمة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران.
كما أن شركة “كوالكوم” التي تخلت عن صفقة شراء شركة “أن.إكس.بي” الهولندية بعدما فشلت في الحصول على موافقة الجهات التنظيمية في الصين، تعد من الضحايا البارزين للخلاف التجاري القائم بين واشنطن وبكين.
وقبل أيام، صعّدت بكين من حدة التوتر حين استدعت السفير الكندي جون ماكالوم للتحدث معه عن تحمس حكومة بلاده لاعتقال المديرة المالية لشركة “هواوي” الصينية منغ وان تشو. وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية، حذرت بكين العاصمة أوتاوا من العواقب الوخيمة التي قد تنجر عن رفض إطلاق سراح ابنة مؤسس الشركة.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه القضايا لن تكون الأخيرة، فحتى إذا وقّعت الصين والولايات المتحدة اتفاقية تجارية في الأشهر المقبلة، فمن غير المرجح أن يتراجع التوتر حول السيطرة على التكنولوجيا، لأن الأمر يتعلق بمستقبل الأمن القومي.
السلطات الكندية اعتقلت المديرة المالية لهواوي بذريعة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران (رويترز) |
وفي الحقيقة، كان التحديث الصناعي في الصين خلال العقد الماضي واضحا، ففي العام 2017 احتلت الصين المرتبة الأولى عالميا في براءات الاختراع بإجمالي 43.6%، أي ما يعادل ضعف ما حققته الولايات المتحدة، وذلك وفقا لبيانات المنظمة العالمية للملكية الفكرية.
وفي 2016، بلغ معدل الإنفاق على البحث والتطوير في الصين نحو 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبة 1.4% قبل عشر سنوات. إلى جانب ذلك، اكتسبت العديد من شركات التقنية الصينية مكانة على الساحة الدولية وأصبحت لاعبا رئيسيا في سلسلة التوريد العالمية، وفي طليعة التكنولوجيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، أو التشفير الكمي.
وأوضحت الصحيفة أن الصين كانت في أمس الحاجة إلى تحقيق الازدهار في القطاع التكنولوجي. ففي بلد يعاني من شيخوخة السكان، تعد الصين أسرع بلد في العالم من حيث النمو الاقتصادي. وبحلول 2030، يُتوقع أن يكون ربع سكانها قد تجاوز الستين من العمر، لذلك تحتاج إلى إيجاد بدائل للنموذج الاقتصادي الذي يتمسك حتى الآن باليد العاملة الوفيرة والرخيصة.
وأضافت أن الصين ترغب في تجنب ما يسمى “فخ الدخل المتوسط”، وهو العقبة التي فشلت العديد من الاقتصادات الناشئة الأخرى في تجنبها، لأنها كانت غير قادرة على زيادة نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي إلى مستوى معين. ومن جهتها، تدرك الصين مدى حاجتها إلى تطوير التكنولوجيات الخاصة بها، بطريقة تجعلها لا تعتمد على الدول الأخرى لتطوير شركاتها الكبرى.
وفي 2015، صادقت الصين على خطتها الإستراتيجية المعروفة باسم “صنع في الصين 2025″، وهي مبادرة مدتها أربع سنوات تهدف إلى تحديث قاعدتها الصناعية عبر تطوير عشرة قطاعات رئيسية للتكنولوجيا المتقدمة، من بينها الروبوتات والمركبات التي تعمل بالطاقة المتجددة، وعلوم الطيران الفضائية، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا المعلومات.
ووفقا للأهداف التي تم تحديدها، تطمح بكين إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 70% في قطاعات التكنولوجيا العالية بحلول العام 2025.
وبحلول العام 2049، تهدف بكين إلى اكتساب مكانة مهيمنة في الأسواق العالمية. ولتحقيق هذه الخطة التي تشجع على الاستثمار الصيني في القطاعات الإستراتيجية بالخارج، عبأت الصين مؤسساتها الحكومية الضخمة. وستشمل هذه الخطة الإعانات الكبيرة والحوافز الضريبية والقروض بأسعار فائدة مناسبة.
في المقابل، أثارت خطة “صنع في الصين 2025” شكوكا جدية لدى الدول الغربية، مما أدى إلى ورود موجة من الشكاوى بخصوص السيطرة الحكومية الكبيرة على الاقتصاد.
وأوضحت الصحيفة أن القواعد التي تجبر الشركات الأجنبية على الدخول في شراكة مع شركة محلية لدخول السوق الصينية تعد من بين أكثر القوانين المثيرة للجدل، نظرا لأن هذه الخطوة تفرض عليهم النقل القسري للتكنولوجيا. كما أن الإعانات والفوائد التي تعود إلى الشركات المملوكة من قبل الدولة ستجعل تنافس الشركات الأجنبية معها على قدم المساواة مستحيلا.
الولايات المتحدة أوصلت شركة زد تي إي إلى حافة الإفلاس بعدما منعتها من شراء أي مكونات من أميركا (غيتي) |
شكوك بشأن الدول الغربية
إلى جانب هذه الهواجس العامة، اتخذت الدول الغربية تدابير وقائية في القطاع التكنولوجي، ضد قانون الأمن السيبراني الجديد في الصين، الذي يُلزم الشركات الأجنبية بتخزين البيانات التي تحصل عليها في الصين على الخوادم الصينية التي غالبا ما تسيطر عليها الشركات ذات رأس المال العام.
وفي الوقت الحالي، لا تزال الصين غير مسيطرة على العديد من التكنولوجيات الرئيسية في صناعاتها، لذلك هي بحاجة إلى استيرادها من الخارج، وهو ما يمكن أن يضر بمصالحها خاصة عندما تتداخل الخلافات السياسية.
وفي أبريل/نيسان الماضي، منعت وزارة التجارة الأميركية شركة “زد.تي.إي” الصينية من شراء أي مكونات من الولايات المتحدة، نظرا لأنها تبيع منتجاتها إلى إيران وكوريا الشمالية، وهو ما يعد خرقا للعقوبات الأميركية.
وبسبب هذا الإجراء أصبحت شركة “زد.تي.إي” على حافة الإفلاس، إلا أنها تمكنت من تخطي هذه المرحلة في النهاية، لكن هذه الأحداث كانت بمثابة تحذير لبكين. وفي هذا السياق، صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ “في الماضي، عملنا بجدّ وصنعنا قنبلتين ذريتين وقمرا اصطناعيا، وفي الخطوة التالية بشأن هذه التكنولوجيات سنضع الأوهام جانبا ونعتمد على أنفسنا”.
وورد في تقرير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية بشأن طريق الحرير التي تعد أيضا ضمن الأولويات التكنولوجية لبكين، أنه “يمكن أن نتوقع ظهور قطبين متنافسين، أحدهما بقيادة الولايات المتحدة، والآخر بقيادة الصين، حيث يتمتع كل منهما بشبكات من البنى التحتية الخاصة”.
وأضاف التقرير أن ظهور قطبين مختلفين يتعايشان مع بعضهما البعض دون اندماج، أمر ممكن إذا أصبحت الولايات المتحدة والصين أقل اعتمادا على بعضهما البعض على المستوى الاقتصادي مقارنة بما هما عليه اليوم”. لكن يوما بعد يوم، يبدو أن هذا المستقبل بعيد المنال.
المصدر : مواقع إلكترونية