صفوان جولاق-كييف
ما إن أعلنت أوكرانيا “حالة الحرب” أو تطبيق قانون الأحكام العرفية نهاية الشهر الماضي حتى تسارعت إجراءاتها العسكرية على الأرض تحسبا لمواجهة آتية لا محالة مع روسيا، كما صرح مسؤولون.
وتضمنت هذه الإجراءات مناورات عسكرية تجري في ثلاث مناطق غرب العاصمة كييف، وتسليم قوات الجيش عشرين طائرة محدثة من طراز ميغ وسوخوي، واستدعاء جزئي لقوات الاحتياط، وانتشار وحالة تأهب قصوى في عشر مناطق تخضع لقوانين الأحكام العرفية.
كما أعطت قيادة القوات البحرية الأوكرانية إذنا لوحداتها بإطلاق النار “دون تحذير” على أي “جهات معادية تظهر العدوان، أو تنتهك مياه البلاد الإقليمية”.
وخلال إحدى المناورات بمنطقة جيتومير، صرح الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو بأن الجيش بات مستعدا للرد بشكل سريع وفعال على أي تهديد.
وكانت أوكرانيا قد أعلنت “حالة الحرب” بعد استهداف ثلاث سفن حربية تابعة من قبل سفن حربية روسية في 25 من الشهر الماضي قرب مضيق كيرتش الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف، لتحتجز روسيا بعدها السفن الأوكرانية وتعتقل طواقمها المكونة من 24 بحارا.
الناتو وأوكرانيا
ويرى مراقبون أن هناك إجراءات أوكرانية تجمع بين الجدية والتصعيد، وتفوق بجرأتها ما خرج عن اجتماع “أوكرانيا والناتو” مطلع الأسبوع الماضي.
ولم يأت الاجتماع بجديد -كما يرى المراقبون- فقد اقتصرت تصريحات الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ على تكرار عبارات دعم وحدة وسيادة أوكرانيا، والمساعدة على تطوير قدرات جيشها من خلال تدريبات مشتركة، ودعوات إطلاق البحارة والسفن الأوكرانية المحتجزة، وتوفير حرية الملاحة الدولية بمضيق كيرتش وبحر آزوف.
أما الدعم الحقيقي المعلن فذهب لصالح الدول الأعضاء، وجاء من خلال تأكيد ستولتنبرغ أن الحلفاء سيعززون الأمن الجماعي كرد فعل مباشر على العدوان الروسي الأخير على أوكرانيا مشيرا إلى “تشكيل قوات الرد السريع، والكتيبة متعددة الجنسيات على الحدود الشرقية”.
أوكرانيا تريد أن يدعمها الناتو في توفير أسلحة دفاعية (غيتي) |
الأولوية للأعضاء
ومن الواضح أن الناتو لا يريد التصعيد والمواجهة المباشرة مع روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، ولهذا ما يفسره لدى شريحة واسعة من المسؤولين والمحللين معا.
فمن جانبه، يرى مدير مركز “التحليل السياسي” في كييف إيهور كوهوت أن مخرجات اجتماع الناتو وأوكرانيا كانت متوقعة، فالأخيرة ليست عضوا بالحلف ليلتزم بدعمها، ودول الناتو منقسمة بشدة إزاء طرق ووسائل التعامل مع موسكو والأزمة الأوكرانية.
وأضاف كوهوت -في حديثه للجزيرة نت- أن الناتو ودول الغرب عموما تدرك خطورة تفاقم الأزمة الأوكرانية مستقبلا عليها لكنها غارقة في أزماتها أيضا، ولهذا تتجنب التصعيد المباشر مع روسيا، وهو ما يضع أوكرانيا وحيدة عمليا بالمواجهة معها.
حائط دفاع
ولكن ثمة رأيا آخر يرى نقيض ذلك تماما، ويعتبر أن التصعيد الأوكراني يرتبط بتنسيق أكيد مع الشركاء الغربيين الذين باتوا يدركون أكثر حجم التهديد الروسي.
وفي حديث مع الجزيرة نت، يقول الكاتب والمحلل السياسي آيدير موجدابايف “نحن أمام موقفين، فإما أن الرئيس الأوكراني اتخذ إجراءات التصعيد بعد التنسيق مع الغرب والتعويل عليه، أو اتخذ قرارا ليُشعر الغرب بحقيقة الخطر الروسي”.
وأضاف موجدابايف أنه يميل بشدة إلى الخيار الأول، فبوروشينكو لم ينتهج مع الغرب سياسية الأمر الواقع مسبقا، بل إنه كثيرا ما أكد أن بلاده حائط الدفاع الأول عن أمن أوروبا.
ويرى موجدابايف أن زيادة مساحة سيطرة روسيا بشرق أوكرانيا والبحر الأسود وبحر آزوف وأراضي القرم ومنطقة الشرق الأوسط، ثم مستقبلا بحر البلطيق حيث تتمركز قواتها وتجري مناورات ضخمة، كلها عوامل ستؤدي عاجلا إلى المواجهة وحرب عالمية، أو إلى التسليم بقوة ونفوذ روسيا المتمدد، وهذا ما لا يريده الغرب.
وحول ماهية الدعم المطلوب لأوكرانيا، قال موجدابايف إنه يبدأ بتزويد أوكرانيا بالأسلحة الدفاعية النوعية التي تفتقر إليها، ثم فرض عقوبات سياسية واقتصادية جدية على موسكو.
المصدر : الجزيرة