أعلنت القاهرة في سبتمبر/أيلول الماضي تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بعد الارتفاع التدريجي في إنتاجه العام المنصرم، وأنها ستستغنى عن استيراد كميات كبيرة منه.
ومع ذلك يقول الكاتب ريكارد غونزاليس في مقال بصحيفة “ألباييس” الإسبانية إن بعض المراقبين يخشون تكرار السيناريو ذاته الذي حدث بداية العقد الماضي. ففي تلك الفترة، أعلن نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك اكتشاف العديد من حقول الغاز التي تجعل مصر مصدرة لهذه المادة.
وفي السنوات التي تلت ذلك الإعلان، ارتفع الاستهلاك الداخلي، وبعد فترة وجيزة من ثورة يناير 2011، اضطرت مصر إلى وقف بيع الغاز للخارج، والذي كان موجها بشكل أساسي إلى إسرائيل والأردن ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي.
مرحلة في الطريق
وأوضح غونزاليس إن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي يعتقد أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز يعد مجرد مرحلة على طريق طموحه في أن تصبح مصر قوة إقليمية في مجال الطاقة. فبعد الإعلان عن التوسع في قناة السويس، وبناء عاصمة جديدة في الصحراء، بات السيسي يحلم الآن بفوائد الغاز الطبيعي.
وأشار الكاتب إلى أن الإنتاج المصري ارتفع بفضل استغلال “حقل غاز ظهر” منذ نهاية السنة الماضية، من الكمية المحدودة البالغة 114 مليون متر مكعب يوميا، التي جرى إنتاجها نهاية سنة 2016، إلى نحو 168 مليون متر مكعب.
وتعتمد مصر بشكل كبير على الاتفاقيات التي أبرمتها مع إسرائيل خلال فبراير/شباط الماضي، ومع قبرص في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لمضاعفة قدرتها التصديرية، علما بأن هاتين الدولتين قد استفادتا أيضا من اكتشافات الغاز بشرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة.
إسرائيل وقبرص
وأشار غونزاليس إلى أنه من مصلحة إسرائيل وقبرص ضخ الغاز إلى الساحل المصري، حيث تتمركز محطتان كبيرتان للتسييل، وإذا لم يتم تصديره عبر الأنابيب المخصصة لذلك، فلا يمكن تخزينه إلا عبر عملية التسييل.
ريكارد غونزاليس: جهاز المخابرات المصري هو المستفيد من صفقة مصر مع إسرائيل وقبرص |
وتم التخطيط لكل تفاصيل هذا المشروع، حيث ستبدأ إسرائيل بتصدير الغاز إلى مصر بالفعل في يناير/كانون الثاني القادم، بينما تشرع قبرص في ذلك في 2020، بعد بناء خط أنابيب جديد للتصدير لمحطات الإسالة المصرية قبل إعادة تصديره.
ويضيف بأن جهاز المخابرات المصري هو المستفيد من صفقة مصر مع إسرائيل وقبرص، مبينا أن السيسي يعتبر هذه الصفقة التجارية مع إسرائيل بمثابة إنجاز سيجلب الكثير من الرخاء الاقتصادي لمصر.
شكوك
وينقل غونزاليس عن إعلامي مصري قوله إن ثمة شكوكا تحوم حول فوائد هذا المشروع، فهي لن تذهب إلى ميزانية الدولة، بل إلى شركة غامضة تملكها أجهزة المخابرات التي ستشتري وتبيع الغاز، مضيفا أن السعر الذي ستدفعه مصر مقابل الغاز الإسرائيلي أعلى من ذاك الذي يدفعه المستهلكون الأوروبيون. لذلك، سيكون من الصعب تصديره.
وقال إن المنفعة الأولى بالنسبة لمصر ربما تتمثل في نجاتها من دفع غرامات تبلغ قيمتها الملايين من اليوروهات، لأنها أخلّت ببعض العقود في الماضي.
فرصة ذهبية لإسرائيل
وأوضح غونزاليس أن إسرائيل ترى في مشروع الغاز الذي يجمعها بمصر الفرصة الذهبية لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان. ورغم أن مصر أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل سنة 1979 فإن هذه العلاقة وُصفت “بالسلام البارد”.
واختتم الكاتب بأن القاهرة تعتقد أن الطاقة أداة لتعزيز موقعها كقوة إقليمية، بالإضافة إلى توطيد علاقاتها مع أوروبا، لكن مراقبين يرون أن التوترات بين دول المنطقة، خاصة تركيا وقبرص ولبنان، فضلا عن مصر وإسرائيل، لا تسمح بإقامة سوق غاز إقليمية مستقرة.
ويقول هؤلاء المراقبون إنه يبدو من غير المحتمل أن يتغير دور مصر في المنطقة، ولم يعد بإمكانها لعب دور حاسم كما في العقد الماضي.
المصدر : الباييس الإسبانيّة