وثائق وشهادت تكشف دور أبوظبي في تسريب بيوت مقدسية للمستوطنين

857 ‎مشاهدات Leave a comment
وثائق وشهادت تكشف دور أبوظبي في تسريب بيوت مقدسية للمستوطنين
كشف تحقيق وثائقي لقناة «الجزيرة» عن دور الأموال الإماراتية في مساعدة البؤر الاستيطانية في التوسع حول المسجد الأقصى والمناطق المحيطة به، عبر شراء المنازل من قِبل السماسرة وتسريبها إلى اليهود. وأوضح تحقيق «الجزيرة» بالوثائق والشهادات مسار بيوت عدة في البلدة القديمة وسلوان، وصلت كلها في النهاية إلى أيدي مستوطنين. ورصد التحقيق جمعيات وشركات وشخصيات تعمل على تسريب منازل فلسطينية، ويحظى بعض نشاطها بتغطية من شخصيات في السلطة الفلسطينية التي يُتهم بعض رموزها بالتواطؤ في ملف التسريب.
وعُرض عقار عائلة جودة -الذي يبعد عن المسجد الأقصى نحو 350 متراً- للبيع منذ عام 2012، طرحت العائلة فكرة بيع المنزل على إدارة الأوقاف ووزارة التربية الفلسطينية؛ لكن البيت بقي بلا مشترٍ لمدة عامين إلى أن ظهر فادي السلامين، وهو شاب فلسطيني مقرّب من محمد دحلان، ووقّع اتفاقية بيع أولية مع صاحب المنزل أديب جودة.
لكن تلك الاتفاقية فُسخت عند المحكمة المركزية بسبب عدم تمكّن السلامين من إتمام ثمن العقار -كما يشرح جودة- ليختفي السلامين، ويظهر خالد العطاري الذي قدّم على أنه رجل أعمال.
وعند ظهور العطاري تداول الأهالي خبر نيّة بيع منزل عائلة جودة، فاتصل كمال قويدر -وهو مواطن مقدسي حمل على عاتقه الوقوف في وجه تسريب المنازل- بمحافظ القدس عدنان الحسيني، الذي كان حينها على رأس عمله في المحافظة، محذراً من نية تسريب العقار.
ويصف قويدر -بلكنته المقدسية- جهود المستوطنين للاستحواذ على عقار عائلة جودة، قائلاً: «منيش عارف ليش اليهود مستلحمين على هالبيت الموجود بحارة السعدية».
ويواصل استغرابه: «كأن بهذا البيت القريب جداً من المسجد شيء ما يؤدي إلى الأقصى، لست أدري.. لقد جنّد اليهود ناساً كثيرين للاستيلاء على هذا البيت، من دحلان إلى الإمارات، إلى فادي السلامين، إلى خالد العطاري، إلى أديب جودة.. يوجد كثير من النافذين لهم علاقة ببيع هذا البيت».
طمأن الحسيني، كمال قويدر، في اتصال مسجّل حصلت عليه «الجزيرة» بأن البيت لن يُباع، قائلاً: «نحن نتابع الموضوع، لا تقلق حتى لو اشتراه العطاري فلن يستطيع بيعه في النهاية لأن العقار وقف».
بهذه الطمأنة سكنت نسبياً نفوس المقدسيين، وكانت الأمور تجري في صمت.
حصل خالد العطاري على تزكية من المحافظ عدنان الحسيني وافى بها آل جودة، وبدأت إجراءات نقل ملكية المنزل إلى العطاري.
ويدافع الحسيني عن نفسه بأن المحافظة ليست معنية بالبحث المباشر في خلفيات الشخصيات، وأنها تُحيل عملية البحث إلى أجهزة الأمن، وبعد أن تستكمل أجهزة الأمن بحثها وتحيل النتائج إلى المحافظة تُمنح الموافقة على البيع.
لن يواجه العطاري مشكلة في الحصول على تزكية من أجهزة الأمن، فهو صديق لمدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، كما تقول صحيفة «هآرتس»، وللمحافظ عدنان الحسيني أيضاً، وقد زكّاه الأخير في النهاية وزكّته شخصيات فلسطينية أخرى، كما يفيد صاحب المنزل المسرب أديب جودة.
وتُثبت الوثائق التي حصلت عليها «الجزيرة» أن اتفاقية بيع تمت بين عائلة جودة عن طريق لمياء جودة وخالد العطاري بتاريخ 28 ديسمبر 2016، وبعدها انتقل عقد كهرباء المنزل إلى اسم العطاري.
ويدافع العطاري عن نفسه بأن اتفاقية البيع تمت بين عائلة جودة وشركة «داهو هولينغز ليمتد» بشكل مباشر ولا دخل له فيها، ويرفع في وجه محدثيه ما قال إنها نسخة من الاتفاقية؛ لكن دائرة الأملاك الإسرائيلية قطعت الشك باليقين، فمن خلال وثيقة صادرة عنها نجد أن المنزل انتقل من ملكية عائلة جودة إلى ملكية خالد العطاري في 23 أبريل 2018 وانتقلت في اليوم نفسه من خالد العطاري إلى شركة «داهو هولينغز ليمتد».
وبعد ذلك حصلت جمعية عطيرد كهونيم الاستيطانية على المنزل مقابل دفع 17 مليون دولار للشركة التي اشترته بمبلغ 2.5 مليون دولار.
وما زاد تأكيد ارتباط العطاري بالصفقة التي تبّرأ منها في آخر مقابلة صحافية أجريناها معه قبيل اختفائه عن الأنظار هو كون أوراق الشركة التي تحوّل العقار إليها تحمل اسمه باعتباره متعهداً.
الشيخ كمال الخطيب -نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل- قال إن العطاري وماجد فرج من جهة، وفادي السلامين ومن خلفه محمد دحلان والإمارات من جهة أخرى «يتنافسون» لإيصال العقار إلى أيدي المستوطنين اليهود.
وأعلن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية رامي الحمدالله، في حسابه الشخصي على «تويتر»، أن السلطة شكّلت لجنة للتحقيق في تسريب العقار.
استيقظ المقدسيون على بيت آل جودة وقد تحوّل إلى بؤرة استيطانية في حارة تفصلها عن المسجد الأقصى بضع دقائق من السير على الأقدام، وهو ما يدل على أن «التزكيات التي حصل عليها العطاري من أجهزة السلطة لم تكن في محلها إذاً»، كما يقول أديب جودة.
في عام 2000، وضعت إسرائيل استراتيجية تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني في القدس إلى 12 % بحلول عام 2020.
وتوفّر سلطات الاحتلال الإسرائيلي أرضية ملائمة لتسريب المنازل عبر ترسانة من الإجراءات والقوانين، أبرزها قوانين «أملاك الغائبين»، و»تنظيم البناء»، و«الجيل الثالث»، التي تستهدف كلها إنهاء الوجود الفلسطيني في القدس.
أيضاً «بيت الأوزباشي» المعروف بين المقدسيين بأنه مقر لمدرسة الفتاة تراكمت عليه ديون الضرائب، ولم تجدِ محاولة وزارة التربية الفلسطينية لجدولة الديون، وتسرّب المبنى في النهاية إلى المستوطنين.
استطاعت سلطات الاحتلال بسياسة النفس الطويل والإجراءات المتلاحقة الاستحواذ على مبانٍ ذات رمزية تاريخية مثل مقرات بنوك، من بينها مقر البنك العربي، ومخفر الشرطة الأردنية بباب العامود، ومبنى البريد والهاتف المقابل لباب الساهرة.
وتنضاف إلى الأسباب التي يدبّرها المحتل للاستيلاء على المنازل وضغوط الحياة على المقدسيين عوامل أخرى ضاغطة، كما يشرح أديب جودة، وهو صاحب بيت مقدسي وصل في النهاية إلى المستوطنين «كبرت العائلة، وأصبح الورثة يريدون بيع حصصهم، وتعطل البيت، ولم يعد هناك مستفيد، لذلك قررنا بيعه».
وقال مدير صندوق الأراضي الإسرائيلية في بلدية القدس، لـ»الجزيرة»، إن مشاريعهم لتهويد القدس وشراء المنازل تتخفى خلف أسماء عربية، رافضاً إعطاء تفاصيل إضافية.
فريد الحاج يحيى وشمس الدين القواسمي وخالد العطاري نماذج ثلاثة تكشف الوثائق والشهادات التي حصلت عليها الجزيرة تورّطهم في عمليات تسريب مباشرة لمنازل في البلدة القديمة وسلوان.
ليس سراً أن اثنين من أبرز من تلاحقهم تهم التسريب لهم صلة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ففريد الحاج يحيى عمل في جمعية عجمان الخيرية، وكان ممثلاً لها في القدس مدة من الزمن، ويصرّح في أكثر من مقابلة مسجلة بأنه جلب أموالاً إماراتية إلى القدس وساهم في مشاريع خيرية.
ويوثّق المحامي خالد زبارقة دور المال الإماراتي في تسريب أحد المنازل عام 2014 بالقول إن «الأموال تم تحويلها من الإمارات إلى بنك عربي في منطقة العيزرية تابع للسلطة الفلسطينية، وتم سحب هذه الأموال، وتصل إحدى دفعاتها إلى نصف مليون دولار تم سحبها نقداً من فرع البنك».
أبو عنان بيضون -وهو مواطن مقدسي- ينقل عن شمس الدين القواسمي المقرب من محمد دحلان قوله إنه يشتري العقارات للإمارات.
وينضم الشيخ كمال الخطيب -نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل- إلى مؤكدي الدور الإماراتي في تسريب المنازل بالقول: «لن أتردد في القول إنها الإمارات.. قلتها وأؤكد اليوم وغداً أمام الله وأمام شعبنا، أن رجال أعمال إماراتيين هم من يقفون خلف هذه الصفقات، وطبعاً من يساعدهم على تمرير هذه الصفقات لا شكّ أنها عناصر فلسطينية، ولن أتردد في القول إن هناك شخصيات فلسطينية نافذة في بعض مؤسسات السلطة».
قصة بيت عائلة جودة التي مرت سابقاً مجرد سيناريو مطوّر لقصص تسريب المنازل في سلوان والبلدة القديمة بمدينة القدس.. قصة بيت بيضون يرويها صاحب البيت نفسه أبو عنان بيضون.
استأجر فريد الحاج يحيى أحد طوابق المنزل بحجة استضافة حجاج من دول مثل ماليزيا وإندونيسيا «تفادياً -كما يقول- لتحولها إلى فنادق إسرائيلية»، وبدأ ربط العلاقات.
عمل يحيى مع مؤسستين إماراتيتين، إحداهما جمعية عجمان الخيرية، وكان يدير جمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات، واعترف في مقابلة منشورة بأنه كان يشتري بيوتاً مقدسية بأموال إماراتية.
وتتداول على نطاق واسع صورة لفريد مع السفير الإماراتي السابق في الأردن علي محمد الشامسي، وقد كان فريد «يستعرض صوره مع الأمراء الإماراتيين وهم يعانقونه»، كما يفيد أبو عنان.
اتُّهم فريد بتسريب منازل إلى المستوطنين اليهود، وادعى أنه لا يبيع لمشتبه بهم، إلا أن كل البيوت التي اشتراها آلت في النهاية إلى أيدي المستوطنين، منها 25 بيتاً في بلدة سلوان آلت إليهم دفعة واحدة؛ حيث استولى عليها المستوطنون في 27 سبتمبر 2014، ولا يصدق أبو عنان بيضون أن يكون ذلك بمحض الصدفة.;