أحمد الدباغ-كركوك
ما زالت عائلة أبو فراس تتخذ من أربيل (مركز إقليم كردستان العراق) محل إقامة لها، بعد أكثر من عام على استعادة القوات الأمنية العراقية مدينة الحويجة في محافظة كركوك شمال بغداد؛ من تنظيم الدولة الإسلامية.
أبو فراس الذي عاد إلى الحويجة قبل خمسة أشهر لتفقد داره وممتلكاته، قرر أن يتريث في العودة إليها، حيث وجد وضع المدينة مزريا في ظل شح كبير في الخدمات الرئيسية كالماء والكهرباء والخدمات الطبية والتعليم، والأهم من ذلك خروق أمنية تعتري المدينة بين الحين والآخر.
وفي حديثه للجزيرة نت كشف أبو فراس أن الحويجة لم تصلها يد الإعمار بعد، رغم الوعود الكبيرة التي أطلقها المسؤولون لإعادة إعمارها فور استعادتها.
وتتبع الحويجة إداريا محافظة كركوك، وتبعد عن مركزها 47 كلم إلى الجنوب الغربي، بينما تبعد عن بغداد 250 كلم إلى الشمال.
وتكمن أهمية المدينة في وقوعها على امتداد طريق رئيسي إلى محافظة نينوى، وآخر إلى إقليم كردستان الذي يطالب بتبعيتها وفق المادة 140 من الدستور العراقي للمناطق المتنازع عليها.
أحد البيوت المدمرة في الحويجة (الجزيرة) |
خروق أمنية
عضو مجلس محافظة كركوك برهان العبيدي يعزو في حديثه للجزيرة نت أسباب الخروقات الأمنية في الحويجة إلى موقعها ضمن كركوك ومجاورتها لخمس محافظات، فضلا عن أن تحرير المدينة لم يكن تطهيرا شاملا، حيث خلف تنظيم الدولة خلايا له فيها.
وكشف العبيدي أن نسبة العائدين إلى المدينة تربو على 60% بسبب تردي الخدمات والوضع الأمني والإهمال الكبير للقطاع الزراعي، وافتقار إدارة المحافظة إلى ميزانية تكفي لإعادة الاستقرار.
من جهته اعتبر المتحدث الرسمي باسم مركز الإعلام الأمني العميد يحيى رسول في حديثه للجزيرة نت أن ما يحدث في الحويجة من خروقات أمنية يرجع إلى بقايا خلايا تنظيم الدولة المختبئين في الوديان والأحراش حول المدينة.
ورغم أن مركز الحويجة يشهد استقرارا أمنيا بحسب رسول، فإنه يؤكد أن حوض سهل الحويجة الممتد إلى محافظتي ديالى وصلاح الدين، والكهوف وسلسلة جبال مكحول وحمرين التي تتصف بجغرافيتها الصعبة، يستغلها المقاتلون للاختباء وتنفيذ خروقات أمنية.
مساحات واسعة في جغرافيا معقدة، يرى رسول أنه لا يمكن لأي قطعات أمنية أن تفرض عليها سيطرة مطلقة، لافتا إلى استمرار العمليات العسكرية والجوية، إضافة إلى إدخال كاميرات المراقبة الحرارية والطيران المسير إلى مسرح العمليات.
المنطقة الصناعية في الحويجة تبدو فارغة من الناس (الجزيرة) |
أشباح
ويؤكد المحلل الإستراتيجي هشام الهاشمي أن الحويجة تعد من أكثر المناطق تعقيدا، وأن المدينة لم تحرر بعمليات قتالية، إذ عمد التنظيم إلى ترك وحدات قتالية تقليدية فقط ما لبثت أن ذابت كالملح في الماء، مما أبقى هيكلها التنظيمي على حاله.
هذه الخلايا النائمة ومقاتلون “أشباح” استفاقوا بعد ستة أشهر من انتهاء العمليات العسكرية، بحسب الهاشمي في حديثه للجزيرة نت.
ويعتقد أن الحل الأمثل للسيطرة على الحويجة يتمثل في العودة إلى تكتيك الصحوات والحشود المناطقية برعاية عسكرية وخدمية، وبغير ذلك لا يمكن هزيمة هذه الجماعات إلا من خلال قتل الحاضنة الفكرية لها، التي لا يمتلك العراق أي تجربة فكرية في مقارعتها.
القوات العراقية خلال مواجهات سابقة مع تنظيم الدولة في الحويجة (الجزيرة) |
من جانبه اعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد الكربولي أن “الحفاظ على النصر أهم من النصر ذاته”، معتبرا أن تنظيم الدولة لا ينتهي بالسلاح، بل بتوفير الخدمات وفرص عمل للشباب.
وحذر الكربولي في حديث للجزيرة نت من أن فكر التنظيم عاد لينمو مجددا نتيجة عدم اقتناع الشباب وعدم إحساس السكان بأي تغيير ملموس، إضافة إلى الإقصاء والتهميش والمساومات والاعتقالات العشوائية، وتأخر الإعمار وتعويض المتضررين.
من جانبه اعتبر الصحفي أرغد الحيالي في حديثه للجزيرة نت أن سكان المدينة لن يعودوا إليها ما لم تعمل الحكومة المركزية على توفير فرص العمل والخدمات الرئيسية اللازمة.
مدينة مهمة كالحويجة، يرى الحيالي أنها نقطة تقاطع عدة مدن أمنيا، وأنها لن تشهد استقرارا ما لم تكثف القوات الأمنية من عملها الاستخباراتي والمدني في المدينة.
المصدر : الجزيرة